حتى التوقعات المناخية تُفاوت بين الدول الفقيرة والغنية

بغض النظر عن نقص في المعطيات بشكل فادح في بعض المناطق، المجموع العام للاحترار يخفي في طيّاته تفاوتا مجحفا فالبلدان الأكثر عرضة لتداعيات الاحترار هي تلك الأكثر فقرا التي تبلغ انبعاثاتها المسببة لمفعول الدفيئة أقلّ مستويات.

باريس - ينعكس التفاوت القائم بين البلدان الغنية والفقيرة في التوقعات المناخية أيضا، ففي وقت يقدّم الخبراء الأمميون أحدث تقديراتهم، يصعب على بعض المناطق استشراف كيف سيتغير مناخها بسبب عدم كفاية البيانات.

كشفت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة عن آخر توقعاتها المناخية بالاستناد إلى أحدث المعارف ذات الصلة وأكثرها دقّة.

وقدّمت الهيئة في تقريرها الواقع في 40 صفحة والموجّه إلى المسؤولين السياسيين ثلاث خرائط للعالم مع مضلّعات سداسية تمثّل مناطق مختلفة.

ويظهر ارتفاع شديد في موجات الحرّ في المناطق كلّها تقريبا، لكن في ما يخصّ الأمطار الغزيرة والجفاف، تبقى مناطق كثيرة مغطّاة باللون الرمادي بسبب نقص في معطيات أو أدلّة كافية من تقديم علماء.

وتقول باولا أرياس من جامعة أنتيوكيا الكولومبية التي شاركت في إعداد هذا التقرير "لا يمكننا أن نستخدم ونقيّم سوى المنشورات (العلمية) المتوفّرة". ولا تجري هيئة المناخ في الأمم المتحدة أبحاثها الخاصة في هذا الصدد، بل إنها تستند إلى الدراسات العلمية المتوفّرة.

وتصرّح أرياس أن "أميركا الجنوبية تساهم إلى حدّ بعيد في المناخ الإقليمي وتمثّل مصدرا مهمّا للرطوبة في أميركا الوسطى".

لكننا "بحاجة إلى مزيد من بيانات المراقبة. وليس لدينا ما يكفي منها لدراسة الظواهر المناخية القصوى"، على حدّ قول باولا أرياس.

التغير المناخي
'ليس لدينا ما يكفي من البيانات لدراسة الظواهر المناخية القصوى'

تمثيل أوسع

ويطال نقص المعطيات بشكل فادح أيضا القارة الإفريقية.

ويقارن محمد أدوو، رئيس مركز التفكير حول المناخ "باور شيفت أفريكا" في نيروبي، بين الوضع القائم ومقولة شهيرة مفادها: إذا ما سقطت شجرة في الغابة لكن أحدا لم يكن موجودا لسماعها، فهل سيكون لسقوطها وقع؟

ويقول "يعايش الناس هنا في إفريقيا ارتفاع الحرار ومستوى المحيطات والظواهر المناخية القصوى على القارة. لكن، إذا لم يتولّ علماء تسجيل هذه المعطيات، فسيكون من الصعب جدّا رفع الصوت الإفريقي في النقاش حول مكافحة التغير المناخي".

ويشدّد تقرير هيئة المناخ على دور "الأنشطة البشرية" في الاحترار المناخي بواقع 1.1 درجة مئوية منذ الفترة ما قبل الثورة الصناعية.

لكنّ هذا المجموع العام يخفي في طيّاته تفاوتا مجحفا، فالبلدان الأكثر عرضة لتداعيات التغير لمناخي هي تلك الأكثر فقرا التي تبلغ انبعاثاتها المسببة لمفعول الدفيئة أقلّ مستويات، بحسب محمد أدوو.

أما إفريقيا، "فهي أيضا محور أقلّ نسبة من الأبحاث العلمية ويؤثّر هذا النقص في قدرة القارة على التكيّف"، وفق ما يفيد محمد أدوو.

إذا ما سقطت شجرة في الغابة لكن أحدا لم يكن موجودا لسماعها، فهل سيكون لسقوطها وقع؟

ويصرّح الأخير "لا بدّ لنا من حلّ هذه المشكلة على جه السرعة وضمان استثمار جهود الباحثين والمانحين في سدّ هذه الثغرات في الأبحاث المناخية".

وتعكس أيضا توليفة القيّمين على هذا التقرير تفاوتا، على صعيد الجغرافيا والنوع الاجتماعي على حدّ سواء. فمن أصل 116 مساهما معتمدا، يأتي 13 لا غير من بلدان خارج مجموعة الدول العشرين. و72 % من المشتركين في وضع هذا التقرير هم من الرجال.

غير أن جهودا بُذلت في هذا الصدد، "فهم حاولوا فعلا إشراك مزيد من النساء وتحقيق تمثيل إقيلمي أكثر تنوّعا"، على ما تقول مايسا روخاس كورادي، القيّمة الرئيسية على الفصل الأوّل من هذا التقرير.

ومن بين الحواجز التي تعرقل هذه الجهود، عدم نشر الدراسات بالإنكليزية أو في مجّلات علمية معروفة، بحسب روخاس كورادي.

وليس تحسين التمثيل في أوساط واضعي تقرير هيئة المناخ الأممية مسألة إنصاف فحسب. فمن شأن خطوة من هذا القبيل أن تسمح بالحصول على نتائج علمية أعلى جودة مع مزيد من المعلومات والتصوّرات الإقليمية، على ما تؤكّد العالمة.

وتصرّح مايسا روخاس كورادي "لا يمكنكم أن تراقبوا ما لم تعاينوه".