"حج المسكين" لمن لا يستطيع إلى مكة سبيلا في المغرب

مغاربة يقصدون ضريح المولى إدريس الأكبر مؤسس أول إمارة إسلامية في المملكة قبل 12 قرنا، محتفيين بطقس صوفي شعبي يشمل الطواف وقراءة القرآن.
المؤرخون يرفعون نسب نسب المولى إدريس إلى الرسول محمد
موسم يلاقي إقبال المريدين وينشط السياحة الروحانية
المكون الصوفي في المغرب يواجه التأويلات المتشددة للدين

مولاي إدريس زرهون (المغرب) - يقصد الآلاف بلدة مولاي إدريس زرهون في المغرب صيف كل سنة في ما يشبه "حج المسكين"، حيث يلتئم مريدو الزوايا الصوفية حول ضريح المولى إدريس الأكبر مؤسس أول إمارة إسلامية في البلاد قبل 12 قرنا.
يرفع المؤرخون نسب المولى إدريس إلى الرسول محمد من ابنته فاطمة وعلي بن أبي طالب. وصل إلى المغرب في أواخر القرن الثامن الميلادي طريدا في سياق الصراع على الحكم بين العلويين والعباسيين.
احتضنته القبائل المحلية في منطقة قريبة من مدينة وليلي التاريخية، ليؤسس إمارة إسلامية سيطرت على مناطق وسط البلاد، وتعتبر أصل الدول الإسلامية المتعاقبة على البلاد. ودفن قرب وليلي في بلدة مولاي إدريس زرهون التي تقطنها نحو 12 ألف شخص وتقع على منحدر بين هضبتين تغطيهما أشجار الزيتون.
انطلاقا من الساحة الرئيسية وسط البلدة يبدأ مريدو الزوايا القادمون من مختلف أنحاء البلاد طوافهم في أجواء احتفالية، إيذانا بافتتاح موسم مولاي إدريس، تحت أنظار الفضوليين ومجموعة من المسؤولين الرسميين.
يحتفي الموسم بذكرى المولى إدريس الأكبر، ويرى عضو رابطة الشرفاء الأدارسة فاطمي الشبيهي أن رمزيته تتجلى في كونه "يتيح فرصة الترحم على قبر حفيد الرسول بالنسبة لمن لا يستطيع للحج سبيلا".

يضع المريدون أيديهم على قلوبهم ويتلون القرآن متجهين نحو الضريح الذي تعلوه أحجار القرميد الأخضر، وتحيطه بيوت متواضعة طليت جدرانها بجير أبيض. وتبرز من بعضها دكاكين يقتني منها المريدون الشموع، التي عادة ما تقدم بمثابة هدايا أو قرابين في الطقوس الشعبية المتعلقة بزيارة الأضرحة في المغرب.
وتنبه لافتة عند مدخل الضريح إلى أن ولوجه ممنوع على غير المسلمين كما هو شأن الأضرحة والمساجد في المغرب.
وتدل الأضرحة على الأدوار الهامة التي لعبتها الزوايا في تكوين الثقافة الدينية بالمغرب، فضلا عن اضطلاع بعضها بأدوار سياسية في بعض مراحل تاريخه. وتعد زيارة الأضرحة المنتشرة في الكثير من المناطق المغربية وإقامة مواسم احتفاء بأصحابها جزء من طقوس التصوف الشعبي.
وما يزال بعض هذه المواسم يلاقي إقبال المريدين والسياح والفضوليين. في المقابل تلاقي هذه الطقوس إنكارا من قبل الأوساط السلفية التي تعتبرها بدعا وانحرافا عما تعتبره العقيدة الصحيحة.
سياحة روحانية
وعلقت صورة الملك محمد السادس عند مدخل الضريح الذي رمم عدة مرات، وقصده العاهل المغربي مباشرة بعد اعتلائه العرش سنة 1999 تماما كما فعل والده الملك الراحل الحسن الثاني.

وحظي المكون الصوفي باهتمام بالغ في تدبير السياسة الدينية خلال السنوات الأخيرة باعتباره ينطوي على قيم التسامح والاعتدال في مقابل التأويلات المتشددة للدين. ويعتبر الشبيهي إن "الإسلام السائد في المغرب منفتح وبعيد عن أية أصولية، وأن الزوايا تلعب دورا هاما في ترويج إسلام معتدل".
تضفي الآيات القرآنية المنقوشة على جدران الضريح طابعا روحانيا، بينما تزين قطع الزليج جنباته وتتدلى من سقفه ثريا نحاسية ضخمة. يقترب المريدون من الضريح المغطى بحرير مذهب يتلمسونه بأكفهم راجين بركة المولى إدريس الأكبر.
لا يفوت زكريا (40 سنة) الآتي من مدينة سلا الواقعة على مسافة ثلاث ساعات موعد الحج نحو موسم مولاي إدريس منذ 16 سنة، ويشكل بالنسبة إليه "فرصة للتطهر الروحي ولقاء الشرفاء الأدارسة ومريدي الزوايا الأخرى".
وعندما يحل الظلام يلتقي المريدون المنتمون لزوايا مختلفة داخل البيوت، حيث تستمر طقوس الاحتفاء في أجواء روحانية من خلال تلاوة الأذكار والأمداح النبوية.
وترى المرشدة السياحية وصاحبة دار ضيافة بالبلدة زكية الهناوي أن موسم الحج نحو مولاي إدريس زرهون، الذي يستمر لبضعة أسابيع، يحدث "حركية تنشط اقتصاد المنطقة"، ويساهم في "تطوير سياحة روحانية" بالمنطقة.