حرب غزة تهمين على القمة العربية في بغداد
بغداد - تعهّد العراق خلال القمة العربية المنعقدة في بغداد، السبت، بتقديم 40 مليون دولار دعماً لجهود إعادة الإعمار في كل من قطاع غزة ولبنان، في ظل الدمار الكبير الذي خلّفته الحرب الإسرائيلية المستمرة، لا سيما في غزة. وقد طغى التصعيد في القطاع على مداولات القمة، التي تعقد في ظل غياب ملحوظ لعدد من القادة العرب.
وبينما شددت الكلمات الافتتاحية على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي ورفع الحصار عن غزة، برزت الدعوات لتوحيد الصف العربي وتكثيف الضغط الدولي لإنهاء الحرب وضمان حماية المدنيين.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للقمة "18 مبادرة طموحة لتنشيط العمل العربي المشترك وفي مقدمتها مبادرة تأسيس الصندوق العربي لدعم جهود التعافي وإعادة الإعمار ما بعد الأزمات والصراعات والحروب".
وأضاف "نؤكد هنا إسهام العراق بمبلغ 20 مليون دولار لإعمار غزة و20 مليون دولار لإعمار لبنان الشقيق".
وتابع السوداني "دعونا وما زلنا ندعو إلى عمل عربي جاد ومسؤول لإنقاذ غزة وإعادة تفعيل دور وكالة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا في القطاع والضفة الغربية".".
وقال الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد "تنعقد قمة بغداد في ظل ظروف بالغة التعقيد وتحديات خطيرة تهدد منطقتنا وأمن بلادنا ومصير شعوبنا".
وأضاف "الهدف الأسمى من عقد قمتنا اليوم، وبعد فترة ليست بالطويلة من عقد قمة طارئة في القاهرة، هو توحيد مواقفنا تجاه التحديات المتزايدة، إيمانا منا بأهمية العمل المشترك، وبما يؤدي إلى تغليب المصالح الوطنية العليا على مصالح أخرى".
وأفاد وزير الخارجية البحريني، د.عبداللطيف الزياني، خلال كلمته لتسليم رئاسة القمة للعراق إننا سعينا في القمة العربية الـ33 لدفع مسارات العمل العربي المشترك".
وأضاف "نسعى لتعزيز الاستقرار والسلام في الوطن العربي، كما ندعم قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة" متابعا "ندعم نيل فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة".
ودعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من بغداد السبت، الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى "بذل كل ما يلزم من جهود وضغوط" لوقف إطلاق النار في قطاع غزة حيث أعلنت إسرائيل تكثيف هجومها قائلا "أطالب الرئيس ترامب بصفته قائدا يهدف إلى ترسيخ السلام، في بذل كل ما يلزم من جهود وضغوط لوقف إطلاق النار في قطاع غزة تمهيدا لإطلاق عملية سياسية جادة يكون فيها وسيطا وراعيا".من جانبه قال رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان، السبت، إن الهم الأول لدى بلاده هو وقف الحرب وإنهاء "الكارثة الانسانية" في قطاع غزة، لافتاً إلى أن "تداعيات هذه الحرب الظالمة وآثارها المأساوية ستمتد لأعوام طويلة".
وأضاف "أكثر من عام ونصف منذ بدء الحرب المتوحشة على غزة، والمأساة لا تزال مستمرة، ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء" متابعا "الناجون من أهل غزة يعانون الجوع والعطش والمرض والتدمير الذي طال المدارس والملاجئ والمخيمات والمستشفيات وما تبقى من المساكن".
وتابع "تداعيات هذه الحرب الظالمة وآثارها المأساوية ستمتد لأعوام طويلة" مبينا أن العالم "وقف عاجزا عن إنهاء هذه الحرب، التي خرقت كل القوانين والأعراف الدولية، والتي تشكل تبعاتها الكارثية تحديا صارخا للإنسانية".
وأكد على أن "همنا الأول اليوم وقف الحرب وإنهاء الكارثة الإنسانية التي تسببها" داعيا إلى "تكاتف كل الجهود للتوصل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية الكافية والفورية إلى غزة".
ولفت حسان إلى دعم بلاده لـ"الجهود التي تقوم بها جمهورية مصر العربية ودولة قطر الشقيقتان، والولايات المتحدة الأميركية لتحقيق ذلك".
وقد أعلن المغرب، السبت، قراره بإعادة فتح سفارته في دمشق بعد إغلاقها منذ 2012 وذلك في رسالة للعاهل المغربي الملك محمد السادس، ألقاها نيابة عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في القمة العربية العادية الـ 34 مجددا دعمه ومساندته الشعب السوري لتحقيق تطلعاته والحفاظ على وحدته الترابية.
وتابع "تجسيدا لهذا الموقف، فإن المملكة قررت إعادة فتح سفارتها في دمشق بعدما أغلقتها في 2012، وهو ما سيساهم في فتح أوسع للعلاقات الثنائية بين البلدين".
من جهة أخرى، وصف الملك محمد السادس الوضع بالأراضي الفلسطينية بـ"المأساوي"، خاصة أن إسرائيل تقتل عشرات السكان المدنيين العزل بالضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
وأبرز أن هذا الوضع يسائل المجتمع الدولي والرأي العام حول المعايير الكونية والإنسانية التي يتعامل بها.
ودعا إلى الوقف الفوري للقتال والعودة إلى طاولات المفاوضات، والعمل على تأمين دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة والضفة وعدم عرقلتها بأي سبب كان.
كما أكدت السعودية، السبت، ضرورة التوصل لوقف إطلاق نار مستدام في قطاع غزة، وشددت على أهمية دعم استقرار سوريا وذلك في كلمة ألقاها وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير في القمة العربية المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد.
وقال الجبير "السعودية تشدد على أهمية دعم استقرار سوريا وتؤكد رفض أي عدوان إسرائيلي على الأراضي السورية".
وفي كلمته، قال الجبير إن "المملكة تؤكد ضرورة استدامة وقف إطلاق النار في غزة ورفض أي محاولات للتهجير القسري للفلسطينيين" مضيفا "يجب أن تتضافر جهودنا العربية لرفع المعاناة الإنسانية عن غزة ووقف الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال".
من جانبه حذر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في رسالة للقمة تلاها نيابة عنه وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف من محاولات إسرائيل فرض ما وصفه بـ"سلام عبثي" يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
وقال الرئيس الجزائري "قضيتنا المركزية (الفلسطينية) تشهد مخططات التصفية تنهال عليها، وسط إصرار الاحتلال الإسرائيلي على فرض رؤيته العبثية لسلامٍ لا يمكن أن يتصوره إلا على مقاسه، وتماهيا مع أهوائه، وإشباعا لأطماعه".
وأضاف أن السلام الذي تريده إسرائيل "يقوم على أنقاض القضية الفلسطينية، وتحرم فيه دول الجوار من أبسط مقومات أمنها وطمأنينتها واستقرارها، ويضمن لها هيمنة مطلقة دون حسيب أو رقيب أو منازع".
ولفت تبون، إلى أن "العالم العربي يواجه مرحلة مفصلية في ظل تحديات متعاظمة وتدخلات خارجية متزايدة، تهدد أمن واستقرار العديد من دوله".
من جانبه حذر وزير الخارجية السورى أسعد الشيباني من أن هناك محاولات لزرع الفتن في سوريا، مشيرا إلى أن "عصابات داعش ماتزال تنتهك سيادة سوريا وتهدد أمنها الداخلي".
وقال في القمة "هناك من يريد تفتيت سوريا ونطالب العرب بحماية وحدة سوريا ورفض التقسيم "، مشيرا إلى أن "سوريا تتعرض إلى خروقات إسرائيلية متكررة تهدد جنوب البلاد والاستقرار الإقليمي".
وأضاف" لانقبل الوصاية على سوريا، أو أن تكون سوريا ساحة لصراعات الآخرين، ومازلنا نواجه تحديات جسيمة وتنازع المصالح على أرضنا"، مثمنا "كل خطوة لكسر العزلة ورفع العقوبات عن سوريا".
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كلته إلى "وقف دائم لإطلاق النار" في غزة، بعد ساعات على إعلان الجيش الإسرائيلي شنّه "ضربات مكثفة" على القطاع في إطار "توسيع المعركة".
وقال "إننا بحاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار الآن"، مضيفا "أشعر بالجزع إزاء التقارير التي تفيد باعتزام إسرائيل توسيع نطاق العمليات البرية وأكثر من ذلك".
من جانبه شدّد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز السبت، على ضرورة "مضاعفة الضغط" على إسرائيل "لوقف المجزرة في غزة"، لافتا إلى أن بلده سيقدّم مشروع قرار في الأمم المتحدة يطلب من محكمة العدل الدولية "الحكم على مدى امتثال إسرائيل لالتزاماتها الدولية".
وقال "علينا أن نضاعف ضغطنا على إسرائيل لوقف المجزرة في غزة، لا سيّما عبر القنوات التي يوفرها لنا القانون الدولي". واعتبر أن "عدد (الضحايا) غير المقبول" في القطاع الفلسطيني ينتهك "مبدأ الإنسانية".
وقبل عقد القمة زينت أعلام الدول العربية الـ22 شوارع العاصمة العراقية التي تشهد على غرار مدن أخرى في البلاد، استقرارا نسبيا بعد نزاعات وحروب طويلة.
وتتزامن هذه القمّة مع تغيرات إقليمية تشمل عمل السلطات السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع على فتح صفحة جديدة مع العرب والغرب، وإضعاف حرب غزة إيران وحلفائها فيما تواصل واشنطن وطهران مفاوضاتهما النووية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي فجر السبت أنه شن "ضربات مكثفة" على غزة في إطار "توسيع المعركة في قطاع غزة بهدف تحقيق كل أهداف الحرب، بما فيها إطلاق سراح الرهائن وهزيمة حماس".
وإلى جانب المسؤولين العرب، يحضر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الذي اعترفت بلاده العام الماضي بالدولة الفلسطينية والذي يُعد من أكثر القادة الأوروبيين انتقادا لإسرائيل.
ووصل إلى بغداد صباح السبت كلّ من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وذلك غداة وصول مسؤولين عرب آخرين بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء اللبناني نواف سلام ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الذي يرأس وفد بلاده.
وكتب السوداني في صحيفة الشرق الأوسط الأسبوع الماضي "نحن اليوم لا نعيد بناء العراق فحسب، بل نشارك في إعادة رسم ملامح الشرق الأوسط عبر سياسة خارجية متوازنة وقيادة واعية ومبادرات تنموية وشراكات استراتيجية".
ويقول أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد إحسان الشمّري لفرانس برس إن القمة ستبحث "مبادرة شاملة باتجاه (وقف) الحرب في غزة وإعادة الإعمار وتوفير المساعدات الإنسانية"، بالإضافة إلى "دعم المرحلة الانتقالية في سوريا (...) ودعم الحكومة الجديدة في لبنان".
واستضافت بغداد هذا الاجتماع آخر مرة في 2012 في أوج توترات أمنية في العراق، وحرب أهلية دامية في سوريا في عهد بشار الأسد الذي أطيح بهجوم لفصائل معارضة بقيادة الشرع.
وتأتي هذه القمة بعد اجتماع طارئ عُقد في القاهرة في آذار/مارس تبنى خلاله القادة العرب خطة لإعادة إعمار غزة تلحظ عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع وتمثل طرحا بديلا لمقترح قدّمه ترامب يقضي بتهجير السكان ووضع القطاع تحت سيطرة واشنطن.
وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مؤتمر صحافي الأربعاء إن قمة بغداد "ستدعم" قرارات قمة القاهرة، في وقت تتصدّر القضية الفلسطينية أولويات الاجتماع.
ويشير الشمّري إلى أن "خصوصية هذه القمة هي أنها تأتي في وقت تتحدث إسرائيل (...) عن شرق أوسط جديد يشمل بالتأكيد جزءا كبيرا من الدول العربية".
وفي الخامس من أيار/مايو، أعلنت الدولة العبرية خطة "للسيطرة" على غزة تتضمن تهجير سكان القطاع.
وخلال جولة خليجية أجراها ترامب هذا الأسبوع، قال من الدوحة الخميس "سأكون فخورا لو امتلكت الولايات المتحدة" غزة "وأخذتها وجعلتها منطقة حرية".
وتحلّ القمة كذلك في ظلّ تحديات تواجهها السلطات السورية الجديدة في سعيها لتثبيت حكمها ورسم أطر العلاقة مع مختلف المكونات الوطنية، وكذلك مع الخارج.
والتقى ترامب الأربعاء في الرياض الشرع الذي كان قائدا لهيئة تحرير الشام الإسلامية، وذلك بعدما أعلن رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا خلال حكم الأسد.
وأكد البيت الأبيض أن الرئيس قدّم للشرع خلال لقائهما سلسلة مطالب أبرزها الانضمام إلى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل.
ومنذ إطاحة حكم الأسد الذي كان حليفا وثيقا لها، تتعامل بغداد بحذر مع دمشق التي تأمل بدورها بنسج علاقة وثيقة مع جارتها.
ولن يكون الشرع الذي سُجن في العراق لسنوات بسبب مشاركته في القتال في صفوف تنظيم القاعدة ضد القوات الأميركية وحلفائها، حاضرا في الاجتماع، بعدما قوبلت دعوته إلى القمة بانتقادات شديدة من سياسيين عراقيين بارزين موالين لإيران على مدى أسابيع. وسيرأس وزير خارجيته أسعد الشيباني وفد البلاد.
ويستضيف العراق هذا الاجتماع كذلك في وقت تسعى حليفته إيران إلى تخفيف وطأة العقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ سنوات طويلة والتي تخنق اقتصادها.
وتحدث ترامب هذا الأسبوع عن الاقتراب من إبرام اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي.
وبوساطة عُمانية، أجرت إدارة ترامب أربع جولات من المفاوضات مع طهران سعيا لابرام اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي، بعدما حضّ الرئيس الأميركي الجمهورية الإسلامية على التفاوض، ملوّحا بقصفها إذا لم يتم التوصل إلى تسوية في هذا المجال.
ويعتبر الشمّري أن القادة العرب "سيناقشون في جلساتهم المغلقة ما يمكن أن تفرزه هذه المفاوضات وتأثيرها سواء على مستوى التسوية أو حتى على مستوى الصِدام.