حرب لم تعد صامتة تبدأ بانفراط التحالف بين بولتون وترامب

سجالات بين بولتون وترامب تكشف عن انقسامات داخل الإدارة الأميركية حول كيفية التعاطي مع الخطر الإيراني والتفاوض مع طالبان.

خلافات حول إيران وطالبان تدفع بولتون خارج فريق ترامب
انفتاح ترامب على حوار مع إيران يدفع بولتون للاستقالة
ترامب يريد إثبات أن قرار الحرب أو السلام مع إيران بيده وليس بيد بولتون
إقالة بولتون رسالة طمأنة لإيران الرافضة لمفاوضات حول اتفاق نووي جديد


واشنطن - كشفت استقالة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أو إقالته، بحسب إعلان الرئيس دونالد ترامب، عن خلافات عميقة داخل الإدارة الأميركية حول السياسات الخارجية وكيفية التعاطي مع الملفات الحساسة وعلى رأسها إنهاء التفاوض مع طالبان والانفتاح على حوار محتمل مع إيران.

ويتضح على ضوء السجالات بين ترامب ومستشاره السابق للأمن القومي على تويتر، أن الرجلين المتقاربين في المزاج والفكر والتوجه، يفصل بينهما خيط رفيع هو كيفية التعاطي مع الخطر الذي تشكله إيران، ففي الوقت الذي كان يدفع فيه جون بولتون إلى قيود أشدّ وصلت إلى حدّ الحشد للحرب، كان ترامب أميل للمهادنة من دون التخلي عن سياسة الضغوط القصوى على الجمهورية الإسلامية لجرّها إلى تفاوض تحت الضغط حول برنامجيها الصاروخي والنووي.

وتحيل قراءة سريعة لتصريحات سابقة للرجلين أن حربا خفية كانت تدور بين ترامب ومستشاره للأمن القومي قبل أشهر من قرار الرئيس الأميركي ذاته الانفتاح على حوار مع نظيره الإيراني، فقد سبق لترامب أن قال إن هناك مخاوف داخل إدارته من نزعة بولتون للحرب، لكن "في النهاية القرار يعود لي".

وشكلت تلك التصريحات مؤشرا قويا على وجود خلافات بينهما، لكن ترامب هوّن من الأمر من دون أن يطعن في مستشاره.

إلا أن توقيت الإقالة أو الاستقالة التي تأتي في غمرة الحملات الانتخابية للرئاسة 2020 والتي يقاوم فيها ترامب أيضا تحركا للديمقراطيين في الكونغرس للبدء بإجراءات إقالته على خلفية اتهامه بتعطيل التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة للعام 2016، لا يمكن أن ينظر إليه بعيدا عن سياقاته السياسية حيث يسعى الرئيس الأميركي لتقليل جبهات المواجهة داخل إدارته وإعادة ترتيب معسكره قبل الاستحقاق الرئاسي.

وفي كل الحالات تبقى هذه الخطوة لافتة في ظل التطورات المتسارعة بدءا بالتصعيد الإيراني وصولا إلى تعثر المفاوضات مع طالبان التي أعلن الرئيس الأميركي أمس الاثنين إنهاءها على خلفية هجوم دموي شنته الحركة المتشددة في أفغانستان.  

وأعلن الرئيس الأميركي الثلاثاء، إقالة بولتون، في الوقت الذي أكد فيه الأخير أنه هو من تقدم باستقالته من منصبه.

وقال ترامب في تغريدات على تويتر "أخبرت جون بولتون الليلة الماضية، بأن البيت الأبيض لم يعد يحتاج لخدماته وطلبت منه الاستقالة"، مضيفا "تسلمت استقالة بولتون صباح اليوم وأشكره كثيرا على خدماته وسأرشح شخصا جديدا لهذا المنصب الأسبوع المقبل".

وقد أعلن البيت الأبيض في وقت لاحق الثلاثاء تعيين تشارلى كوبرمان قائما بأعمال مستشار الأمن القومي الأميركي خلفا لبولتون.

وعمل كوبرمان وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة بوينغ ولوكهيد مارتن، نائبا لبولتون في البيت الأبيض منذ بداية العام. وعمل الاثنان سويا على نطاق واسع على مر السنين.

وقد دحض جون بولتون تغريدات ترامب قائلا في رسالة مكتوبة لقناة "فوكس نيوز" إنّه تقدم باستقالته من تلقاء نفسه إلى ترامب"، موضحا "عرضت استقالتي على الرئيس دونالد ترامب الليلة الماضية وقال لي ترامب دعنا نتحدث بشأنها غدا".

ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة حربا كلامية بين ترامب وبولتون على ضوء شواهد سابقة حين أقال الرئيس الأميركي بعضا من مسؤولي إدارته والذين تحولوا لاحقا إلى من حلفاء إلى أعداء، وكشفوا أسرارا عن الرئيس وقراراته المرتجلة واتهمه بعض منهم بالغطرسة والتهور وحتى الاضطراب النفسي.

ستيفن منوتشين يسخر من التكهنات التي تفيد بأن رحيل بولتون المتشدد قد يكون مؤشرا على سياسة أكثر اعتدالا تجاه إيران

وكان ترامب قد أقال منذ تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة في يناير/ كانون الثاني 2017 مستشارين للأمن القومي وهما مايكل فلين وهربرت ماكماستر.

وأساس الخلاف بين بولتون وترامب يتمحور حول كيفية التعاطي مع إيران التي انتهكت التزاماتها النووية بموجب الاتفاق النووي للعام 2015 والذي انسحبت منه واشنطن في مايو/ايار 2018.

وأرجع ترامب إقالته لبولتون إلى "اختلافه بشدة مع العديد من مقترحاته"، لافتا إلى أنّ الكثيرين في الإدارة الأميركية لديهم الموقف ذاته من بولتون، من دون أن يذكر المزيد من التفاصيل.

ويريد ترامب على الأرجح من خلال إقالته لمستشاره للأمن القومي المعروف بمواقفه المتشددة من الملف الإيراني، إرسال رسالة إلى إيران المترددة في الدخول في مفاوضات تحت الضغط.

ولإقالة بولتون رمزية سياسية بالنسبة للرئيس الأميركي وأيضا لإيران التي ترفض لقاء بين روحاني وترامب إلا بشرط رفع العقوبات، فالرئيس الأميركي يريد أن يثبت أنه صاحب القرار في نهاية المطاف ويريد أن يحتوي التصعيد الإيراني في الوقت ذاته كخيار يمكن معه استنساخ سيناريو المفاوضات مع كوريا الشمالية.

ولدى ترامب قناعة بإمكانية تكرار هذا السيناريو مع إيران، حيث لم يكن ممكنا إلى وقت قريب تصور دخول بوينغيانغ المنغلقة والتي تبدي تشددا كبيرا في مناقشة كل ما يتعلق بسياستها التسليحية والنووية، في مفاوضات مع واشنطن بعد عقود من التوتر.

ولم يكن واردا أن يلتقي الرئيس الأميركي بالزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون، لكن الانفتاح الذي أبداه ترامب نجح في كسر جمود الأزمة رغم مواقف مستشاره للأمن القومي السابق جون بولتون المتشددة في هذا الملف أيضا.

واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أشخاص وكيانات لها علاقة بالحرس الثوري الإيراني وتنظيم الدولة الإسلامية 

وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين الثلاثاء إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستعد للقاء نظيره الإيراني حسن روحاني دون شروط مسبقة مع استمرار حملة "الضغوط القصوى" على طهران.

وتابع "الآن أوضح الرئيس أنه سيكون مسرورا بعقد اجتماع دون شروط مسبقة، لكننا سنواصل حملة الضغوط القصوى" على إيران وذلك بعد أيام من إعلان طهران تركيب أجهزة طرد مركزي لزيادة مخزوناتها من اليورانيوم المخصب.

وقال وزير الخارجية مايك بومبيو الذي كان بجانب منوتشين في البيت الأبيض، "أكيد"، وذلك ردا على سؤال عما إذا كان ترامب قد يلتقي روحاني في وقت لاحق من هذا الشهر على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وصدرت هذه التصريحات بعد 90 دقيقة فقط من إعلان ترامب عزل جون بولتون مستشاره للأمن القومي.

لكن منوتشين سخر من التكهنات التي تفيد بأن رحيل بولتون المتشدد قد يكون مؤشرا على سياسة أكثر اعتدالا تجاه إيران، مؤكدا فرض عقوبات جديدة على 15 شخصا وكيانا لها علاقة بالحرس الثوري الإيراني وتنظيم الدولة الإسلامية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي.

وقال منوتشين "تعلمون أننا فرضنا عقوبات على إيران أكثر من أي طرف آخر، كما أن هذه العقوبات تعطي نتائج"، مضيفا "أود القول إن الوزير بومبيو وأنا والرئيس على وفاق تام في ما يخص حملتنا لممارسة ضغوط قصوى".

ويأتي الإعلان عن فرض عقوبات جديدة عشية الذكرى 18 لاعتداءات 11 سبتمبر/ايلول.

وقال بومبيو إن العقوبات تضيف "مزيدا من القوة إلى جهود مكافحة الإرهاب الأميركية وستساعد على ضمان عدم تكرار الهجمات القاتلة التي وقعت في 11 سبتمبر قبل 18 عاما على الأراضي الأميركية".

وبالنسبة للمفاوضات مع طالبان فإن المضي فيها أو تعليقها أو إنهاؤها قد لا يغير في الواقع الأفغاني شيئا من باب قناعة أميركية أن التفاوض مع حركة متشددة لن يوقف دوامة العنف في الساحة الأفغانية ولن يعجل بإعادة آلاف الجنود الأميركيين.

وقد سمع الرئيس الأميركي من مستشاريه ومن حلفائه الغربيين كلاما في هذا السياق وأن إشراك طالبان في المعادلة السياسية الأفغانية، لا يعني بالضرورة انتهاء موجة العنف وسط تشكيك في نوايا الحركة.

وتوعدت حركة طالبان الثلاثاء بمواصلة القتال ضد القوات الأميركية في أفغانستان غداة إعلان ترامب أن المحادثات مع المتمردين باتت بحكم "الميتة"، مؤكدة أن واشنطن ستندم لتخليها عن المفاوضات.

ويثير تجدد الحرب الكلامية بين الطرفين احتمال تصاعد العنف في أفغانستان، بعد أن توعد كل من ترامب وطالبان بمواصلة القتال بعد الانهيار المتسارع للمحادثات.

وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد "كان لدينا طريقان لإنهاء الاحتلال في أفغانستان، أحدهما الجهاد والقتال والآخر المحادثات والمفاوضات"، مضيفا "إن أراد ترامب وقف المحادثات، سنسلك الطريق الأول وسيندمون قريبا".