حركة النهضة تحييها الفوضى ويقتلها القانون

ذهب الغنوشي بعيدا في خصوماته. هذه المرة عليه أن يواجه رئيسا ليس لديه ما يخسره.

للمرة الثانية يكشف الرئيس التونسي قيس سعيد عن وجهه المناهض لحركة النهضة. المرة الأولى حدثت حين كلف الفخفاخ برئاسة الحكومة المستقيلة وها هو يكلف المشيشي بديلا عنه.

الإثنان تونسيان بلا غطاء حزبي.

بالنسبة للنهضة فإنها ستفكر في أنها هي المقصودة. سيؤلف المشيشي حكومة غير حزبية. حكومة سيكون عليها أن تنجز برنامجا اقتصاديا من شأنه أن ينتشل تونس من أزمتها الأقتصادية. ليس عيبها أنها ستكون حكومة أقلية.

كما هي حكومة تصريف الأعمال الحالية فإن الحكومة المقبلة لن تضم وزراء من حزب النهضة.

ذلك ما هو متوقع وما يطالب به خصوم حركة النهضة وفي مقدمتهم عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحر التي لا تزال تصر على ضرورة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها تنظيما إرهابيا للبدء في مساءلة حركة النهضة قانونيا.

نجحت موسي من خلال لائحتها التي فشلت في تمريرها في مجلس النواب في الكشف عن علاقة حركة النهضة بجماعة الإخوان، لذلك فإنها تصر على فتح ملفين. الملف الأول يتعلق بمصادر تمويل الحركة وهي المصادر نفسها التي جنى من خلالها راشد الغنوشي زعيم الحركة امكاناته المالية الاستثنائية والملف الثاني يتعلق بخرق الفتوشي للدستور حين سعى إلى الزج بتونس طرفا في الحرب الليبية.

الغنوشي في الهدف، غير أن المقصود استبعاد حركته من الحياة السياسية.

بعيدا عن التجاذبات السياسية صار للقضاء كلمته. فحركة النهضة متهمة بالتستر على عدد من الإغتيالات السياسية التي جرت في ظل حكومة الترويكا التي تزعمتها الحركة.

غير أن ما لم تكن تتوقعه الحركة أن يدير رئيس الجمهورية قيس سعيد ظهره لها ولا ينظر إلى مرشحيها بعين الاعتبار في ظل تمسكه بحديثه الغامض عن الشرعية الذي فسره الكثيرون على أنه كان موجها إلى الغنوشي شخصيا.

ويمكن النظر إلى إصرار سعيد على أن ينأى بمنصب رئيس الوزراء عن سيطرة الأحزاب باعتباره ضربة لحركة النهضة التي يشكل وجودها في مجلس النواب أغلبية ناقصة.

لن يكون من مصلحة حركة نهضة أن ترمي بقيس سعيد في المعسكر المعادي لها حتى وأن أدت قراراته إلى أن تفقد الحركة مكانها في الحكم لتقف في جبهة المعارضة. وهو ما يمكن أن يناسبها حسب ما كانت تشيعه عن تاريخها.

فإذا كانت حركة النهضة حزبا وطنيا معارضا فإنها لن تشعر بالسوء إذا ماعادت إلى موقع الكفاح من أجل أن تكون هناك دولة حرة تليق بمواطنيها الأحرار.

ولكن ذلك لا ينسجم مع رغبات الحركة ولا رغبات الغنوشي شخصيا. فالحكم هو الهدف وليست تونس ولا شعبها. كانت لدى الحركة أجندة سياسية تتخطى تونس حين تتخذها جسرا يقود إلى المشروع الإخواني.

لا تصلح حركة النهضة أن تكون حزبا معارضا. لا يناسبها أن تكون كذلك.

لذلك فإنها سترتكب الخطأ تلو الخطأ من أجل أن تجبر الآخرين على القبول بها شريكا في الحكم. غير أن ما صار يخيفها أن تؤدي تصرفاتها إلى حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

تعرف حركة النهضة أنها ستكون أكبر الخاسرين في أية انتخابات جديدة.

لذلك فإنها قد تقبل بالهزيمة مقابل السعي إلى تعطيل عمل الحكومة من خلال مجلس النواب يساعدها في ذلك حزب الكرامة الذي أشهر نوابه عن انتمائهم إلى النهج التكفيري في وقت سابق.

من المتوقع أن تكون حركة النهضة حجر عثرة في طريق عمل الحكومة القادمة. غير أن ذلك لن يستغرق زمنا طويلا. سيلجأ قيس سعيد إلى صلاحياته حينها وهو المكلف بحماية الدستور.

القانون هو ما يُخيف حركة النهضة ولقد اختار سعيد رجل قانون لقيادة الحكومة المقبلة.

الفوضى تناسب حركة النهضة. عودة إلى حكومة الترويكا تضعنا في قلب الفوضى التي تستعين بها النهضة على الشعب وعلى الأحزاب ومن خلالهما على الدولة.

في ظل غياب القانون يمكن للنهضة أن تفعل ما تشاء لخدمة مشروعها الذي هو جزء من المشروع الإخواني الكبير. ذلك ما سعى الغنوشي إلى تجريبه حين اخترق صلاحياته وسعى إلى أن يضع تونس ضمن المحور التركي في ليبيا. وهو محور إخواني سيكون من الصعب على تونس وهي بلد صغير تحمل تبعات الانخراط فيه.

ذلك ما دفع الرئيس التونسي إلى أن يدق جرس الإنذار ويعلن احتجاجه دفاعا عن الشرعية.

ما فعله سعيد وهو شخصية مستقلة حين كلف رجلا مستقلا بتشكيل الحكومة المقبلة هو المشيشي قد يكون إيذانا بنهاية عصر الأحزاب.

حينها ستمارس الأحزاب دورها في سياق القانون. ذلك هو مقتل حركة النهضة.