حركة النهضة في القفص

الجهاز السري يتغلغل في الدولة التونسية ويحمي النهضة.

تمكنت حركة النهضة بين عامي 2012 و2013 من السيطرة على مفاصل أساسية في الدولة التونسية وبالأخص في ما يتعلق بالشؤون الأمنية. وهو ما ساعدها على إخفاء الكثير من الحقائق التي تدينها.

لم تكن تلك الهيمنة أمرا صعبا على حركة كانت تقود ما سمي يومها بـ"نظام الترويكا" حيث كانت تمسك من خلال جهازه السري مواقع حساسة في الدولة تبدأ وتنتهي لديها الملفات الأمنية وبالأخص في ما يتعلق بالاغتيالات.

اليوم في ما تستعد الحركة لخوض الانتخابات التشريعية بعد هزيمة مرشحها العلني في انتخابات الرئاسة عبدالفتاح مورو تبدو وقائع تلك السنوات مرشحة للانفجار بما سيضع الغنوشي وجماعته بين قوسي العزل السياسي والاتهام المباشر بالإرهاب من خلال الوقوف وراء تلك الاغتيالات التي طالت عددا من السياسيين الذين هم الأكثر اعلانا لعدائهم للحركة.

ما يُخيف في الامر أن يتم الكشف عن حقيقة أن حركة النهضة قامت بتأسيس دولة لها داخل الدولة التونسية. ذلك ما يمكن أن يشكل تهديدا للدولة التونسية من داخلها. وهو حدث غاية في الصعوبة، من جهة ما يمكن أن يؤدي إليه من تشرذم وانقسام وتضارب في "المصلحة الوطنية".

ذلك أمر متوقع وهو ما تراهن عليه النهضة من أجل إعاقة عمل القضاء الذي يعتقد الكثيرون في تونس أن جزءا منه يدين بالولاء إلى الحركة التي صار الحديث عن جهازها السري مصدرا للخوف على مستقبل البلد.

إذا ما استندنا إلى تاريخ جماعة الاخوان المسلمين وهي الجماعة التي تفرعت عنها حركة النهضة فإن كل ما ورد ذكره لن يكون مستبعدا. فهو يشكل خارطة طريق بالنسبة لها.

فالاغتيالات السياسية هي الأسلوب المتبع في الحوار مع الخصوم كما أن الأجهزة الأمنية السرية التي تمارس عملها في الظلام هي الأداة التي تنفذ من خلالها الجماعة أجزاء من مشروعها الذي يظل غامضا حتى بالنسبة لمَن يقومون بتنفيذ تلك الأجزاء.

يمكننا أن نتوقع كل شيء سيء من حركة لا تريد لتونس سوى أن تكون محمية إخوانية بعد أن تفرغها من عقولها وتنسف تاريخها المدني الحديث باعتباره نوعا من الضلالة.

التحقيقات في جرائم "النهضة" ستكون دائما ناقصة. فالحركة لا تزال تملك مَن يحميها ويتستر على نشاطها داخل جسد الدولة التونسية. كما أن القضاء الذي يمتنع عن استدعاء عدد من رموزها وفي مقدمتهم زعيمها الغنوشي سيكون عليه يوما ما أن يتحمل مسؤولية تخليه عن دوره في إقامة العدل وانصاف الضحايا.

وفي كل الأحوال فإن ما لم تعترف به حركة الحركة صار بمثابة حقيقة تؤكدها الوثائق التي يتم نشرها تباعا. لقد صار واضحا بالنسبة للرأي العام التونسي أن هناك جهازا سريا تابعا لحركة النهضة هو الذي تحوم حوله شبهات القيام باغتيال السياسيين اليساريين المناهضين لها. وسيكون من الصعب التراجع عن ذلك الاكتشاف الذي من شأنه أن يضع حركة النهضة في قفص الإرهاب. وهو مشهد لطالما حلم به شهداء الحلم التونسي.

الأهم من نتائج التحقيقيات التي من المؤكد أنها ستدين النهضة أن يعي الشعب التونسي حقيقة تلك الحركة التي تسعى إلى تدمير الصلح الاجتماعي في تونس وتمزيق النسيج المجتمعي ونسف القوانين التي صنعت من تونس دولة مدنية، ينظر إليها العالم باحترام.

ذلك ما ستكشف عنه الانتخابات التشريعية التي هي أساس مستقبل البلاد في الأربع سنوات القادمة. فاستبعاد حركة النهضة من مجلس النواب سيدفع بزعمائها إلى مغادرة تونس من غير أن يتأسف عليهم أحد. وهو مكسب للشعب التونسي الذي سيستعيد المعاني الحقيقة لثورته البيضاء.  

لن يُجر زعماء النهضة إلى الاقفاص غير أنهم سيختفون حين يشعرون أن نهاياتهم السياسية صارت مؤكدة.