حزب أردوغان ينفخ في رماد الأقليات داخل اليونان

حزب العدالة والتنمية التركي يختلق أزمة جديدة مع اليونان بسبب تصريحات الرئيس اليوناني حول الأقلية المسلمة باعتبارهم مواطنين يونانيين.

أنقرة - توجهت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلى افتعال أزمة جديدة مع اليونان عبر العودة إلى تأجيج الحساسيات العرقية والأقليات هذه المرة، في ظل خسارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعم جميع حلفائه بسبب سياساته العدائية ضد الدول وتدخله السافر في شؤونها.

وتجند المسؤولون الأتراك الذين يجدون في المواضيع المتعلقة بالأقليات حرجا كبيرا نظرا لتاريخ الدولة العثمانية الأسود في اضطهادهم، لشن حملة ضد الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس بسبب تصريحات لم يتطرق فيها إلى الأتراك بل إلى "المسلمين" في اليونان.

ولم يخف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو حساسيته وانزعاجه من اعتبار بافلوبولوس الأقلية المسلمة في بلاده مواطنين يونانيين.

وقال تشاووش أوغلو في تغريدة، الثلاثاء، إن رئيس دولة تدعي بأنها مهد الديمقراطية، وصف الأقلية التركية المسلمة في منطقة تراقيا الغربية، بـ"الأقلية اليونانية المسلمة"، وذلك رغم قرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية".
وأضاف أن الأقلية التركية المسلمة في منطقة تراقيا الغربية أتراك وسيظلون كذلك".
وتعتبر الهوية العرقية واحدة من المشاكل بين أثينا وأنقرة في تراقيا الغربية إذ تعترف الحكومة اليونانية بالأقلية فيها فقط من جانب الدين أي كأقلية مسلمة.
وتستند اليونان في سياستها هذه على معاهدة لوزان التي تتمتع بموجبها المجتمعات التركية غير المسلمة بما في ذلك الأرمن واليونانيين والسريان الأرثوذكس واليهود، بالحماية منذ 1923.
من جهته اعتبر متحدث حزب العدالة والتنمية التركي عمر جليك، تصريحات الرئيس اليوناني "عنصرية".
وقال جليك في تغريدة الثلاثاء "إن وصف بافلوبولوس، الأقلية التركية المسلمة في منطقة تراقيا الغربية، بـ"الأقلية اليونانية المسلمة" يعد خطأ كبيرا".
وأضاف أنه "ينبغي على الرئيس اليوناني احترام القيم الديمقراطية ومخاطبة الأقلية التركية المسلمة بالشكل الصحيح".

في المقابل اعتبر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي استخدام تشاويش أوغلو وجليك لمصطلحات فضفاضة تركز على الحساسيات العرقية فرصة لتبرير تدخل تركي جديد في شؤون اليونان.

حزب العدالة والتنمية لا يدخر جهدا في انتقاد اضطهاد الأقليات في عدد من البلدان، لكنه يرفض إلى اليوم الاعتراف بمذابح الأرمن

ويثير وقوف اليونان وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، في وجه خطط أردوغان التوسعية في منطقة شرق المتوسط، غضب مسؤولي حزب العدالة والتنمية كما ترتبط أثينا بعلاقات جيدة جدا مع دول الخليج منها السعودية والإمارات. 

وتقف أثينا خاصة عثرة أمام محاولات دخول الرئيس التركي نادي التنقيب عن مصادر النفط في المتوسط بالقوة وقد وقفت في صف الجيش الوطني الليبي والبرلمان برفضهما للاتفاقيات الأمنية التي وقعتها أنقرة مع حكومة الوفاق في طرابلس. كما يمثل إيواء اليونان لمعارضين أتراك وأكراد مطلوبين من قبل الحكومة التركية، إحراجا يرى فيه أردوغان خطرا على مواصلة قبضته في الحكم.

ومرت العلاقات بين تركيا واليونان بفترات من المد والجزر منذ استقلال اليونان عن الإمبراطورية العثمانية في عام 1832. ومنذ ذلك الحين، خاض البلدان حروبا عديدة.

وشعرت الأقليات خلال حكم الدولة العثمانية بتهديد كبير عندما تسلم حزب "الاتحاد والترقي" التركي القومي السلطة في الدولة العثمانية في عام 1908. وأصبح التطهير العرقي الوسيلة الفعالة لدى الحزب التركي لإجبار الأقليات على الهجرة تماما كما فعل العثمانيون خلال مذابح الأرمن في 1895.

وفي عامي 1913 و1914، أجبر مئات الآلاف من اليونانيين على الهجرة من غرب الأناضول إلى اليونان بالطريقة ذاتها. لكن هذا الخيار ألغي بسبب الحرب العالمية.

وفي ستينات القرن الماضي طالب القبارصة بالوحدة مع اليونان بمساندة النظام العسكري الذي كان يحكم أثينا آنذاك. وردا على ذلك أرسلت تركيا جيشها لغزو الجزيرة القبرصية متذرعة بمسؤوليتها المنصوص عليها في اتفاقيتي لندن وزوريخ (1959-1960).

ورغم محاولات أنقرة وأثينيا طي الخلافات في السنوات الأخيرة عبر إيجاد حلول للأقليات الذين يعيشون في كلا البلدين ووقف استخدامهم كجسور إلا أن أفراد الأقليات ظلوا أداة سياسية تستخدمها أنقرة لتبرير تجاوزاتها.

وحزب العدالة والتنمية الذي لا يدخر جهدا في انتقاد اضطهاد الأقليات في عدد من البلدان، شهدت فترة حكمه عرقلة واضحة ومقصودة لمنع تمرير عدد من القوانين التي تحمي حقوق الأقليات حيث لاتزال ممنوعة من الناحية القانونية إلى اليوم من إجراء انتخابات مجالس إدارة للمؤسسات التي تمثلها من أجل رعاية مصالحها إلا وفق نص اللائحة التي تضعها الحكومة التركية.

بالإضافة إلى ذلك يقف حزب العدالة والتنمية عقبة إلى اليوم أمام إعادة عدد من المدارس الدينية لمزاولة نشاطاتها أشهرها مدرسة هالكي للروم الأرثوذكس في هيبلي آدا والتي زارها العام الماضي رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس. وهي الزيارة التي كانت تعول عليها أنقرة وأثينا لتبديد الخلافات لكن دون جدوى.

كما تعتبر قضايا بحر إيجة ومشاكل قبرص التي يحتل الجيش التركي شمالها منذ 1974 سبباً آخر لمزيد من التوتر بين البلدين.

يذكر أن تركيا اقتطعت جزءا من قبرص وحوّلته إلى منطقة تابعة لها شرق المتوسط بذريعة حماية المواطنين القبارصة من أصول تركية.

ويقوم الرئيس التركي حاليا بنفس السيناريو مع الأكراد في المنطقة، حيث يركز حربه على الأقليات الكردية شمال سوريا التي شن فيها الجيش التركي هجمات عسكرية عديدة منذ بداية الحرب في البلاد.

ويسعى أردوغان إلى إقامة "منطقة آمنة" للتخلص من اللاجئين السوريين بالقوة ويجعل منهم حاجزا يحمي حدوده من الأكراد الذين يصنفهم كإرهابيين.

ووصفت خطة أردوغان بأكبر عملية تهجير تقوم بها تركيا ضد الأقليات في التاريخ المعاصر عبر تعمدها التخلص من نحو مليوني لاجئ معظمهم من العرب، وإجبارهِم على الاستيطان في مناطق الأكراد شمال سوريا.

فضلا عن ذلك فإن لتركيا ترفض إلى اليوم بشدة وصف ما حصل للأرمن في تلك الحقبة بالمجزرة أو الإبادة الجماعية رغم أنها اعترفت بذلك في العشرينيات من القرن الماضي قبل تأسيس الدولة التركية الحديثة.

وتورط أردوغان منذ توليه السلطة في حملة ممنهجة لتصفية خصومه السياسيين بدعوى دعم المنظمات الإرهابية وهي التهمة التي يتذرع بها في إقالة المسؤولين المحليين من معارضيه.
كما وظّف في السابق محاولة الانقلاب الفاشل في صيف 2016 للقيام بحملة تطهير واسعة شملت اعتقال وتسريح آلاف الموظفين والعسكريين والأمنيين والإعلاميين.

ر
اليونان يقف أمام طموحات أردوغان في ليبيا

وتأتي تصريحات المسؤولين الأتراك في وقت فشل فيه أردوغان في اختبار القوة العسكرية على كل ضفة من المتوسط، متدخلا بشكل مباشر في نزاعي سوريا وليبيا. 

ومع وصول الأطراف الدولية إلى تسوية في سوريا وجه أردوغان أنظاره نحو ليبيا، فعقد اتفاقيات مشبوهة مع حكومة الوفاق في طرابلس، تدخل على إثرها عسكريا في البلاد ليؤجج الصراع فيها أكثر.  

ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يجد سبيلا إلى مواصلة تدخلاته في شؤون الدول إلا افتعال التوتر أكثر للتغطية على خساراته المتتالية بعد تحذيرات روسيا مؤخرا من مواصلة استفزازته ودعمه للفصال المسلحة والإرهابيين في شمال سوريا، بالإضافة إلى إفشال مشروعه التوسعي غرب المتوسط عبر فرملة الاتحاد الأوروبي لتدخله العسكري في ليبيا.

وتعود هجمات وتصريحات المسؤولين الأتراك العدائية ضد اليونان وقبرص إلى وقوف البلدين بحزم أمام تدخلها العسكري في ليبيا مؤخرا وتطويق مشروع توسيع نفوذها في حوض البحر الأبيض المتوسط حيث تثير الموارد النفطية التوترات أطماع أنقرة.

ويسعى أردوغان منذ مدة إلى تخريب اتفاقيات التنقيب عن المحروقات غرب المتوسط، ما دفعه نهاية نوفمبر الماضي إلى توقيع اتفاق مثير للجدل حول ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق بهدف تأكيد حقوقها في مناطق شاسعة في المنطقة.

واعتبرت كل من قبرص واليونان ومصر وفرنسا والبرلمان الليبي في طبرق هذا الاتفاق "باطلا ولاغيا".

وكان توقيع قبرص واليونان وإسرائيل مطلع يناير الماضي اتفاقا حول أنبوب “شرق المتوسط” للغاز، قد أثار حفيظة أردوغان ما دفعه لفرض نفسه بالقوة العسكرية للمشاركة في عمليات التنقيب عن حقول المحروقات في منطقة المتوسط.