حزب الله انتصر مجدداً!

حزب لا يمكنه ألا يرد ليس بسبب توازن رعب بينه وبين إسرائيل فالأخيرة نفذت الغارات في سوريا من دون أن يرد إنما بسبب توازن رعب بينه وبين خصومه المذهبيين والأهليين فالحزب يمارس سلطته ونفوذه مستعيناً بمقاومة لطالما تمّ تكريسها بانتصارات على إسرائيل.

بقلم: حازم الأمين

استيقظ الرجل مذهولاً صبيحة يوم الإثنين في 2 أيلول (سبتمبر) الحالي. فقد احتاج الأمر ساعات لكي يهضم وقائع يوم الأحد عن الحرب التي لم تقع. رئيس الوزراء الإسرائيلي يُخفي في مؤتمره الصحافي غبطة جراء نجاح “حزب الله” في القيام برد دقيق يسحب فيه فتيل الحرب، ويعفي أطرافها المفترضين والمنهكين من أعبائها. ألا يبعث ذلك على الذهول؟ في وجه نتانياهو ملامح تخبئ رغبة في منح “حزب الله” هذه الفرصة! إسرائيل القوية والمحصنة بدعمٍ أميركي مطلق، تبحث عن مخرج لعدوها وعن طريق لتنفيس احتقانه! هذه سابقة على المرء أن يتوقف عندها.

لكن ليس هذا وحده ما يبعث على الذهول، فالحزب بدوره، كشف عن ركاكة في بحثه عن مخرج عبر حرب لا يريدها. الآلة الإعلامية التي رافقته في حرب الساعات الثلاث كانت فعلاً مضحكة. المحطة التلفزيونية الرديفة لقناة “المنار”، أي تلفزيون “الميادين”، أعلنت للبنانيين أن مقاتلي الحزب تفادوا قتل جنودٍ إسرائيليين لأنهم لاحظوا أنهم من يهود الفالاشا!

هل هذا حقاً ما بثه التلفزيون؟ نعم نشر التلفزيون هذا الخبر! وقبل ذلك بأيامٍ وقف مراسل هذا التلفزيون على الشريط الحدودي الشائك وأعلن من هناك أنه دخل إلى فلسطين وأن الجنود الإسرائيليين قد فروا عندما شاهدوه يدخل. على المرء أن يخاطب نفسه بعد سماعه ومشاهدته “الميادين”. ما هذا؟ ومن أنتم؟ لا بل “من نحن” حتى يظهر من يتجرأ على مخاطبتنا بهذا الهُزال؟ وهنا دخلت “يديعوت آحرنوت” على هذا المشهد المسرحي فقالت أن جنوداً إسرائيليين أوحوا لمقاتلي حزب الله بأن ثمة إصابات من بينهم، ونشروا صوراً لنقلهم إلى المستشفى!

نتانياهو فعلاً كان سعيداً في مؤتمره الصحافي، عندما أعلن أن العمليات العسكرية ستقتصر على ما حصل. و”حزب الله” من جهة أخرى، كان ضعيفاً وغير مقنعٍ في هذه المواجهة! إذاً نحن أمام عدوان غير راغبين في الحرب، فما الذي أملى عليهما إذاً المشاركة في هذا المشهد الهزيل؟

عندما أعلن أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله أن الحزب سيرد من لبنان على إرسال إسرائيل طائرتي الاستطلاع إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، قال الجميع هنا إن الحزب لا يمكنه إلا أن يرد. في مقابل ذلك، وقفت حقائق ثقيلة تؤشر بأن الحزب لن يرد، من بينها أن حرباً مع إسرائيل لن تجد من يمولها ويمول نتائجها في ظل العقوبات على طهران وفي ظل الحرب المذهبية بين الحزب وبين دول الخليج العربي. ولن يجد النازحون بفعل هذه الحرب من يستقبلهم على نحو ما حصل عام 2006، ناهيك بعقبات ميدانية أخرى كالحرب في سوريا والعقوبات التي باشرتها واشنطن على لبنان. إذاً كنا في الأيام القليلة الفائتة أمام هذا الاستعصاء. الحرب بصفتها ضرورة “نرجسية” من جهة، واستحالتها واقعياً من جهة أخرى. إلى أن جاء من قدم تخريجاً عبقرياً لهذا الاختناق.

الحزب بدوره كشف عن ركاكة في بحثه عن مخرج عبر حرب لا يريدها. الآلة الإعلامية التي رافقته في حرب الساعات الثلاث كانت فعلاً مضحكة.

سبقت حرب الساعات الثلاث مؤشرات إلى الوجهة التي تسير إليها الوقائع. صور لآليات إسرائيلية على الحدود استبدل الجنود في داخلها بدمى. مراسل “حربي” في محطة قريبة من “حزب الله” يقتحم الحدود ويعلن فرار الجنود. استدعاء الحزب الإعلام اللبناني لنقل صور عن “الروح المعنوية” العالية لـ”الأهالي”. إذاً كنا أمام مسرحية شارك في الإعداد لها طرفا الحرب!

ومرة أخرى على المرء أن يسأل: لماذا كل هذا الجهد المبدد على حرب لن تقع؟

البحث عن الجواب يقتضي اقتفاء أثر ما استنتجه اللبنانيون عندما قالوا إن ليس بإمكان الحزب ألا يرد بعد كلام أمينه العام. هذا الاستنتاج إذا ما رُبط بغبطة نتانياهو في أعقاب الرد، فسنخرج باستنتاج ثانٍ مفاده أن الحزب وإسرائيل كانا يبحثان عن مخرج عبر حرب غير حقيقية. لكن لهذا الاستنتاج وجه آخر، فالحزب قوة أهلية وطائفية إقليمية وأي خسارة معنوية له سترتد على موقعه هذا. إسرائيل بدورها لا تريد أن تُلحق هزيمة بهذا الموقع الذي يشغله “حزب الله”. هي تخوض حرباً “سرية” عليه في الجبهات التي يقترب فيها من أمنها، لكنها لا تهدده في الحرب العلنية التي شهدنا يوم الأحد الفائت فصلاً من فصولها.

“حزب الله” لا يمكنه ألا يرد ليس بسبب “توازن رعب” بينه وبين إسرائيل، فالأخيرة نفذت مئات الغارات عليه في سوريا من دون أن يرد، إنما بسبب توازن رعب بينه وبين خصومه المذهبيين والأهليين. فالحزب يمارس سلطته ونفوذه في لبنان وفي سوريا مستعيناً بـ”مقاومة” لطالما تمّ تكريسها بـ”انتصارات” على إسرائيل. عام 2006، وما أن انتهت الحرب حتى وظف الحزب “انتصاره” في النزاع الداخلي. انقض على الوسط التجاري لبيروت وبعدها اجتاح المدينة في 6 أيار/ مايو من عام 2008. في هذا الوقت نعمت إسرائيل بهدنة هي الأطول على الحدود مع لبنان منذ عام 1967.

 “حزب الله” لا يمكنه ألا يرد ليس بسبب “توازن رعب” بينه وبين إسرائيل، فالأخيرة نفذت مئات الغارات عليه في سوريا من دون أن يرد، إنما بسبب توازن رعب بينه وبين خصومه المذهبيين والأهليين.

إذن، لطرفي الحرب التي لم تقع مصلحة بعدم وقوعها وببقاء الوضع على ما هو عليه، فلماذا كل هذا الضجيج الذي رافق حرب الساعات الثلاث في لبنان يوم الأحد الفائت؟ “البطولات” المفبركة للأهالي تم كشفها بعشرات الفيديوات لازدحام الطرق بسيارات الهاربين، وقناة “الميادين” لم تجد غير مصطفى حمدان محللاً ميدانياً، والجميع خرج من هذه الحرب مبتسماً ومنتصراً.

حين وقف مراسل “الميادين” على الحدود وأعلن دخوله إلى فلسطين، توجه بكلامه إلى اللبنانيين، وليس إلى الإسرائيليين. لقد “حرر فلسطين” ليقول لهم إنه أقوى منهم، وإن عليهم أن يستمروا خاضعين. والمسألة لا تحتاج إلى أكثر من دمية في آلية إسرائيلية.

نُشر في صفحة درج اللبناني