حزب الله يدفع لحكومة على مقاسه

محللون وناشطون يبدون خشيتهم من أن تجد القوى السياسية التقليدية في الدعم الدولي الذي يحظى به لبنان منذ انفجار مرفأ بيروت فرصة لـ"إعادة تعويم" نفسها، ما قد يثير غضب الشارع الناقم على الطبقة السياسية
حزب الله يتمسك بمنظومة حكم يرفضها الشارع
نصرالله يسخر من الدعوة لحكومة حيادية
نصرالله: أي حكم في قضية اغتيال الحريري لا يعنينا
انفجار بيروت يربك حسابات حزب الله

بيروت - طالب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الجمعة بتشكيل حكومة "وحدة وطنية" بعد استقالة الحكومة السابقة التي كان يهيمن عليها هو وحلفاؤه وذلك عقب انفجار المرفأ المدمر، مبديا رفضه تشكيل أي حكومة "حيادية".

وإثر الانفجار الذي أوقع قبل عشرة أيام أكثر من 170 قتيلا وتسبّب بإصابة أكثر من 6500 شخص وشرد نحو 300 ألف من سكان العاصمة، قدّمت حكومة حسان دياب المدعومة من حزب الله، استقالتها على وقع غضب الشارع الذي يطالب برحيل الطبقة السياسية مجتمعة.

وقال نصرالله في خطاب متلفز ألقاه في ذكرى حرب تموز 2006 عبر قناة المنار التابعة لحزبه "نطالب من الآن بالسعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإن لم يمكن لحكومة ذات أوسع تمثيل ممكن من سياسيين واختصاصيين".

واهتزت شعبية الجماعة الشيعية الشريك في الائتلاف الحكومي حتى داخل معسكرها التقليدي وباتت منبوذة من قسم واسع من اللبنانيين لكنها لاتزال تحتفظ بوجود قوي داخل لبنان.

حزب الله جزء من منظومة سياسية يحملها اللبنانيون كل مآسي لبنان
حزب الله جزء من منظومة سياسية يحملها اللبنانيون كل مآسي لبنان

وطالب نصرالله بـ"حكومة قوية، حكومة قادرة، وحكومة محمية سياسيا"، معتبرا أن الحكومة "غير المحمية سياسيا أيا كانت هويتها، إذا لم تكن محمية من القوى السياسية والكتل النيابية ستسقط أو تنهار أو يتم إسقاطها في المجلس النيابي عند أي مفترق طريق".

وينظر لحزب الله على أنه جزء من المنظومة السياسية التي يطالب الشارع برحيلها، ورفع المحتجون عقب انفجار مرفأ بيروت صورة تجسم نصرالله وقد لف حبل مشنقة حول رقبته، في تعبير اختزل حجم الغضب الشعبي ورفضه لكل المكونات السياسية الحاكمة بما فيها حزب الله.

وسخر نصرالله الذي يُعد حزبه اللاعب السياسي الأبرز في لبنان، من المطالبة بتشكيل حكومة "حيادية"، معتبرا إياها "تضييع للوقت"، مضيفا "لا نؤمن بوجود حياديين في لبنان لنشكل منهم حكومة حيادية".

ورأى في هذا المطلب "خداعا لتجاوز التمثيل الحقيقي" في البرلمان، حيث يحظى مع حلفائه بأكثرية وازنة.

ويُظهر التاريخ أن تشكيل الحكومات في لبنان ليس بالأمر البسيط في ظل تعقيدات التركيبة الاجتماعية الطائفية والمذهبية، وتجاذبات بين قوى خارجية داعمة للقوى السياسية، على رأسها إيران وسوريا والسعودية والغرب.

ولم تكن آخر تجربة "حكومة وحدة وطنية" برئاسة سعد الحريري ناجحة، إذ سقطت بعد نحو ثلاث سنوات على تشكيلها على وقع احتجاجات ضخمة في الشارع في اكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وكانت تضم ممثلين عن معظم الأحزاب السياسية وولدت بعد سنتين من فراغ في سدة رئاسة الجمهورية إثر تسوية هشة شلت المؤسسات وعطلت القرارات.

التاريخ يظهر أن تشكيل الحكومات في لبنان ليس بالأمر الهيّن في ظل تعقيدات التركيبة الاجتماعية الطائفية والمذهبية والتجاذبات بين قوى خارجية داعمة للقوى السياسية

ولم يحدد رئيس الجمهورية ميشال عون بعد موعدا للاستشارات النيابية الملزمة التي عادة ما تكون شكلية إذ يسبقها الاتفاق على هوية رئيس الحكومة وشكل حكومته.

وقال عون الجمعة إنه يجري مشاورات كي تكون الحكومة الجديدة "متجانسة ونتيجة توافق بين مختلف القيادات اللبنانية".

ويرى كثر أن القوى السياسية اللبنانية باتت منفصلة عن الواقع كون الشارع يطالب منذ أشهر برحيلها وتفاقمت نقمته بعد الانفجار.

وجاءت مواقف نصرالله على وقع مطالبات دولية فرنسية وأميركية بالإسراع في تشكيل حكومة تعكس "تغييرا حقيقيا" وتبدأ بإصلاحات ملحة في وقت تطالب جهات عدة منذ فترة بـ"حياد لبنان"، في رسالة واضحة إلى حزب الله بضرورة التخلي عن سياسته الموالية لإيران وسوريا.

ويبدي محللون وناشطون خشيتهم من أن تجد القوى السياسية التقليدية في الدعم الدولي الذي يحظى به لبنان منذ الانفجار فرصة لـ"إعادة تعويم" نفسها، ما قد يثير غضب الشارع الناقم على الطبقة السياسية التي يتهمها بالفساد ويحمّلها مسؤولية الأزمات المتلاحقة التي تعصف بلبنان.

وتحدث نصرالله عن "قوى سياسية لبنانية تعمل لمصالح شخصية وحزبية وخارجية وخدمة لمشاريع خارجية عملت من أجل إسقاط الدولة في لبنان ووضع لبنان على حافة الحرب الأهلية".

وشدد على أن "أي حراك سياسي يجب أن يكون له سقف هو منع سقوط الدولة ومنع سقوط مؤسسات الدولة ومنع حصول حرب أهلية في لبنان".

نصرالله يحذر مسبقا من حكم المحكمة الدولية على عناصر من حزب الله متهمين بالتورط في اغتيال رفيق الحريري في 2005
نصرالله يحذر مسبقا من حكم المحكمة الدولية على عناصر من حزب الله متهمين بالتورط في اغتيال رفيق الحريري في 2005

وفي معرض حديثه عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، قال نصرلله الجمعة إن حزبه سيتعامل مع القرار الذي ستصدره المحكمة الدولية بحق المتهمين الأربعة من عناصره في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري "وكأنه لم يصدر".

وبعد نحو 13 عاما على تأسيسها بموجب مرسوم صادر عن الأمم المتحدة، تنطق المحكمة بحكمها غيابيا بحق أربعة متهمين ينتمون إلى حزب الله في قضية اغتيال رفيق الحريري، في قضيّة غيرت وجه لبنان ودفعت لخروج القوات السورية منه بعد 30 عاما من الوصاية الأمنية والسياسية التي فرضتها دمشق.

وقال نصر الله "إذا حُكم على أي من إخواننا بحكم ظالم، كما هو متوقع، نحن متمسكون ببراءة إخواننا"، مؤكدا أنّ "القرار الذي سيصدر بالنسبة إلينا كأنه لم يصدر لأن القرار صدر منذ سنوات طويلة".

وأضاف "بالنسبة لقرار المحكمة الدولية أيا كان، نعتبر أنفسنا غير معنيين"، محذرا من أن "هناك من سيحاول استغلال المحكمة الدولية لاستهداف المقاومة وحزب الله"، داعيا مناصريه إلى "التحلي بالصبر" في الشارع بعد صدور القرار.

نصرالله يتهم قوى سياسية لبنانية بالعمل لمصالح شخصية وحزبية وخارجية وخدمة لمشاريع خارجية عملت من أجل إسقاط الدولة في لبنان ووضع البلاد على حافة الحرب الأهلية

وكان يُفترض أن تنطق المحكمة بالحكم في السابع من الشهر الحالي إلا أنها قررت تأجيل الجلسة جراء انفجار مرفأ بيروت قبل عشرة أيام.

ومن المرجح أن يحضر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الجلسة في لاهاي حيث من المفترض أن يُتلى الحكم من قاعة المحكمة مع مشاركة جزئية عبر الإنترنت جراء وباء كوفيد-19.

وفي 14 فبراير/شباط 2005، قتل رفيق الحريري مع 21 شخصا وأصيب 226 بجروح في انفجار استهدف موكبه في وسط بيروت.

وباستثناء مصطفى بدرالدين، القيادي العسكري السابق في حزب الله والذي قتل في سوريا عام 2016، تقتصر المعلومات عن المتهمين الأربعة الآخرين على ما قدمته المحكمة الدولية. ولا يُعرف شيئ عن مكان وجودهم.

وأسندت للمتهمين الأربعة وهم سليم عياش وحسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا، اتهامات عدة أبرزها "المشاركة في مؤامرة لارتكاب عمل إرهابي والقتل عمدا ومحاولة القتل عمدا". ويواجه المتهمون، في حال تمت إدانتهم، احتمال السجن المؤبد.

وأثار تشكيل المحكمة الدولية منذ البداية جدلا وانقساما في لبنان بين مؤيدين لها من حلفاء الحريري وآخرين من حلفاء حزب الله شككوا في مصداقيتها واعتبروها "مسيّسة".