حشد إيراني لأربعينية الحسين للتغطية على زخم احتجاجات العراق

إيران تكشف عن إرسال نحو عشرة آلاف من أفراد القوات الخاصة لتولي مسؤولية حماية مراسم أربعينية الحسين في العراق.

بغداد - بينما عاد الهدوء ليسود في العاصمة العراقية بغداد لليوم الثاني على التوالي بعد احتجاجات دامية شهدتها منذ الأسبوع الماضي، بدأ الجنوب العراقي يستقبل أفواج الإيرانيين الذين يستعدون لإحياء أربعينية الحسين، أكبر المناسبات الدينية لدى الشيعة.

ورغم أن موعد الزيارة سيكون بعد عشرة أيام (19 أكتوبر/تشرين الأول) استنفرت السلطات الإيرانية للتغطية على زخم الاحتجاجات التي عمت المحافظات العراقية منذ أسبوع، وسارعت لفتح المعابر الحدودية لتسهيل دخول الزوار الإيرانيين إلى العراق.

وبعد أن حضت مواطنيها المتجهين لإحياء المناسبة الشيعية الأبرز،على إرجاء سفرهم إلى العراق بسبب الاحتجاجات، سارعت إيران لإرسال قوة ضخمة من الوحدات الخاصة إلى العراق تحت ذريعة حماية مراسم أربعين الحسين.
وقال قائد الوحدات الخاصة التابعة لقوى الأمن الداخلي حسن كرمي لوكالة مهر الإيرانية للأنباء إن "نحو عشرة آلاف من أفراد القوات الخاصة يتولون مسؤولية حماية مراسم الأربعين"، مضيفاً أن “7500 منهم يتواجدون بشكل مباشر، وهناك أربعة آلاف عنصر احتياط".

وأضاف كرمي الذي تولت قواته مسؤولية قمع احتجاجات ديسمبر 2017 في عدة مدن إيرانية بالقوة، أن القوات الإيرانية نقوم بعمل استخباراتي أمني قوي وجبار للغاية خلال هذه المناسبة الدينية، خصوصا على الحدود بين البلدين.

ويتدفق معظم الزوار من البصرة في جنوب العراق باتجاه مرقد الإمام الحسين في كربلاء التي تبعد حوالى مئة كيلومتر جنوب بغداد.

وكان نحو 1.8 مليون إيراني شاركوا في هذه المناسبة في 2018، حسب احصاءات إيرانية.

وحسب قائد قوات الشرطة الإيرانية حسين اشتري فإن طهران تتوقع أن يتضاعف عدد الزوار المشاركين بزيارة الأربعين أربعة مرات هذا العام مقارنة مع العام الماضي.

وقال أشتري خلال تفقده لمنفذ مهران الحدودي إنه تم تسجيل أكثر من مليونين و 800 ألف إيراني أسمائهم على الموقع الخاص بالمشاركة في مراسم الزيارة.

ويرفض العراقيون التدخلات الإيرانية في السياسة الداخلية لبلادهم، حيث تحاول طهران السيطرة على قرارات الحكومة عبر نشر أشخاص موالين لها في وزارات ذات ثقل تعنى بالأمن القومي مثل الداخلية والدفاع.

ورفع المحتجون شعارات ضد الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له متهمين طهران بالتدخل لقمع وقتل المتظاهرين خلال خروجهم للشارع للاحتجاج منذ الأسبوع الماضي.

انت
القيادة العسكرية العراقية اعترفت بحصول "استخدام مفرط للقوة" ضد المحتجين

وبدأت شرارة الاحتجاجات منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر بدت بتظاهرة عفوية في بغداد تحركها مطالب اجتماعية، لكنها ووجهت بالرصاص الحي. وقد أفضت ليل الأحد الاثنين إلى حالة من الفوضى في مدينة الصدر، معقل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي طالب باستقالة الحكومة.

وبلغت الحصيلة الرسمية لأعمال العنف التي طالت بغداد وجنوب العراق أكثر من مئة قتيل وأكثر من ستة آلاف جريح.

ومع تأزم الوضع وثقل حصيلة القتلى حاولت السلطات تهدئة الأوضاع وخففت وسائل الإعلام الإيرانية والعراقية الموالية لطهران من اللهجة التي اعتمدتها في بداية الاحتجاجات، حيث عمدت تشويه مطالب المتظاهرين متهمة الولايات المتحدة وإسرائيل بإشعال التوتر لعرقلة مراسم أربعينية الحسين.

وتعليقا على هذه الأحداث الدامية في العراق اتهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في تغريدة "الأعداء" بمحاولة دق إسفين بين طهران وبغداد.

ونقل حساب خامنئي الرسمي على تويتر قوله إن "إيران والعراق شعبان ترتبط (...) قلوبهما وأرواحهما (...) وسوف يزداد هذا الارتباط" قوةً "يوماً بعد يوم"، مضيفاً أن "الأعداء يسعون للتفرقة بينهما، لكنهم عجزوا ولن يكون لمؤامرتهم أثر".

وكان رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض قد أعلن الاثنين إن فصائله جاهزة للتدخل لمنع أي "انقلاب أو تمرد" في العراق، إذا طلبت الحكومة في إشارة إلى المظاهرات.
وأنشئ الحشد الشعبي في 2014 بفتوى "الجهاد الكفائي" من المرجعية الدينية لقتال تنظيم الدولة الإسلامية الذي اجتاح شمال العراق أنذاك، لكن معظم فصائل الحشد موالية لإيران

وشدد الفياض على أنه "سيكون هناك قصاص لمن أراد السوء بالعراق".

توافد الإيرانيين إلى جنوب العراق لحضور أكبر المناسبات الدينية لدى الشيعة تحت إشراف طهران
توافد الإيرانيين إلى جنوب العراق لحضور أكبر المناسبات الدينية لدى الشيعة تحت إشراف طهران

ويرى مراقبون للشأن العراقي أن تخوف النظام الإيراني من تفاقم الوضع خاصة في مدن الجنوب التي طالما اعتبرتها تحت سيطرتها نظرا للأغلبية الشيعية التي تسكنها، جعلها تستنفر للتغطية على غضب الشارع العراقي ورفضه للوضع الذي أصبحت فيه البلاد في ظل الهيمنة الإيرانية وميليشياتها.

وتختلف الاحتجاجات الحالية في العراق على سابقاتها كونها لم تنطلق بدعوة من حزب أو زعيم ديني كما تجري العادة في بغداد التي يبلغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة ومدن جنوبية، بل جمعت الغاضبين المحتجين على غياب الخدمات العامة والبطالة وتفشي الفساد واستهتار الطبقة السياسية بأمن البلاد.

وشهدت الديونية والمثنى وذي قار، وهي محافظات جنوبية ذات أكثرية شيعية، احتجاجات حاشدة خلال الأيام الماضية تنادي بمحاسبة المسؤولين الفاسدين وتوفير فرص عمل للشباب.

ومع فشل حكومة عبدالمهدي في اقناع المحتجين بجملة من القرارات العاجلة أطلق الرئيس برهم صالح نداء إلى "أبناء الشعب الواحد"، لإقامة "حوار وطني" عقدت من أجله حتى الآن سلسلة لقاءات بين برلمانيين وكذلك بين الحكومة وزعماء عشائر وأحزاب سياسية.

لكن المتظاهرون سبق وأن أطلقوا هتافات ضد كل هؤلاء الممثلين، وفي حدث غير مسبوق في العراق لم يستجب المحتجون مع نداءات كل الشخصيات السياسية أو الدينية المعروفة في بلد يعاني من نفوذ دولتين عدوتين، إيران والولايات المتحدة.

ولا يبدو إعلان مكتب رئيس الوزراء العراقي توصله إلى اتفاق الاثنين، مع تنسيقيات المتظاهرين على تعليق الاحتجاجات في البلاد إلى حين الانتهاء من أربعينية الحسين، أنه سيصمد كثيرا في تهدئة وتخفيف زخم الاحتجاج في ثاني عاصمة عربية في عدد السكان.