
حصيلة قتلى حزب الله تثير صدمة في صفوف أنصاره
بيروت - قالت ثلاثة مصادر مطلعة إنه بعد مقتل العشرات من مقاتلي حزب الله خلال الاشتباكات المستمرة منذ ثلاثة أسابيع على الحدود مع إسرائيل تعمل الجماعة اللبنانية على الحد من خسائرها بينما تستعد لاحتمال نشوب صراع طويل الأمد، فيما تشكل حصيلة القتلى في صفوف الحزب هذه المرة صدمة لأنصاره لا سيما أن النزاع محدود نسبيا.
وفقدت الجماعة المدعومة من إيران 47 من مقاتليها في ضربات إسرائيلية على الحدود اللبنانية منذ اندلاع الحرب بين حركة حماس، حليفتها الفلسطينية، وإسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وهو ما يمثل نحو خمس عدد القتلى الذين سقطوا في حرب واسعة النطاق مع إسرائيل عام 2006.
ومع مقتل معظمهم في غارات إسرائيلية بطائرات مسيرة، كشف حزب الله للمرة الأولى عن قدراته الصاروخية سطح - جو وأعلن الأحد أنه أسقط طائرة مسيرة إسرائيلية وتأتي هذه الصواريخ ضمن ترسانة تتزايد قوتها.
ولم يعلق الجيش الإسرائيلي على واقعة الأحد وقالت إسرائيل السبت إنها اعترضت صاروخ سطح - جو أطلق من لبنان على إحدى طائراتها المسيرة وإنها ردت بقصف موقع الإطلاق.
وقال أحد المصادر المطلعة إن استخدام الصواريخ المضادة للطائرات كان إحدى الخطوات العديدة التي اتخذها حزب الله للحد من خسائره والتصدي للمُسيرات الإسرائيلية التي تهاجم مقاتليه في التضاريس الوعرة وبساتين الزيتون على الحدود، مضيفا أن الجماعة اللبنانية اتخذت "ترتيبات لتقليص عدد قتلاها" دون الخوض في التفاصيل.
ومن المقرر أن يلقي الأمين العام للجماعة حسن نصر الله كلمة يوم الجمعة في أول خطاب له منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.
وذكرت المصادر المطلعة أنه منذ بداية الصراع في غزة، جاءت هجمات حزب الله بطريقة لا تؤدي إلى التصعيد حتى مع الإشارة إلى استعداده لحرب شاملة إذا لزم الأمر.
وقالت إسرائيل، التي تشن حربا في قطاع غزة بهدف تدمير حماس إنها لا ترغب في نشوب صراع على جبهتها الشمالية حيث قالت إن سبعة من جنودها قتلوا حتى الآن.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في مؤتمر صحفي "آمل أن نتمكن من الحفاظ على الهدوء على هذه الجبهة"، مضيفا أنه يرى أن القوات الإسرائيلية القوية وتحركاتها في غزة نجحت في ردع حزب الله حتى الآن، بينما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستلحق الدمار بلبنان في حال نشوب حرب.
ودأب حزب الله، الحليف الأقوى لطهران في "محور المقاومة" الإيراني، على القول إنه عزز ترسانته من الأسلحة منذ عام 2006 وحذر إسرائيل من أن قواته تشكل تهديدا أقوى من ذي قبل ويقول إن ترسانته تضم الآن طائرات مسيرة وصواريخ يمكنها ضرب جميع أنحاء إسرائيل.
وأطلق مقاتلو حماس في لبنان والجماعة الإسلامية السنية اللبنانية صواريخ من جنوب البلاد على إسرائيل في اشتباكات على الحدود منذ السابع من الشهر الجاري، لكن حزب الله لم يطلق صواريخ مثل الكاتيوشا وغيرها من الصواريخ التي يمكن أن تصل إلى عمق إسرائيل وهي خطوة قد تؤدي إلى التصعيد.
وقالت المصادر الثلاثة إنه بدلا من ذلك قصف مقاتلو حزب الله أهدافا مرئية عبر الحدود مع إسرائيل باستخدام أسلحة منها صواريخ كورنيت الموجهة المضادة للدبابات وقد استخدمت الجماعة اللبنانية هذه الصواريخ على نطاق واسع في حرب عام 2006.
وتعيد قناة المنار التابعة لحزب الله بانتظام عرض لقطات للاشتباكات التي جرت في الآونة الأخيرة وقالت إنها ضربات على منشآت ومواقع عسكرية إسرائيلية يمكن رؤيتها عبر الحدود.
ورغم نجاح هذه الأساليب في احتواء الصراع حتى الآن فإن شن هذه الهجمات يتطلب أن يكون مقاتلو حزب الله على مقربة من الحدود مما يجعلهم أكثر عرضة للجيش الإسرائيلي.
وقالت المصادر إن بعض المقاتلين قللوا من شأن تهديد الطائرات المسيرة بعد سنوات من القتال في سوريا حيث حاربوا جماعات مسلحة لا تمتلك العتاد الذي يمتلكه الجيش الإسرائيلي. ولعب حزب الله دورا حاسما في مساعدة الرئيس بشار الأسد على هزيمة المعارضة السورية المسلحة.
وقال نبيل بومنصف، نائب رئيس تحرير صحيفة النهار اللبنانية إن "التفوق التكنولوجي بالمسيرات الإسرائيلية هو الذي يؤدي إلى سقوط هذا العدد من المقاتلين"، مشيرا إلى العدد الكبير من القتلى في صفوف حزب الله.
ولا تزال الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله محصورة إلى حد كبير في شريط ضيق على بعد ثلاثة إلى أربعة كيلومترات تقريبا من الحدود وتقول مصادر أمنية في لبنان إن القصف الإسرائيلي توسع في الأيام الماضية وشمل ذلك شن غارة يوم السبت على جبل الصافي وهي منطقة جبلية تقع على بعد 25 كيلومترا من الحدود.
وخسر حزب الله 263 مقاتلا في حرب عام 2006 عندما استهدفت إسرائيل مواقع في أنحاء لبنان خلال صراع استمر لأكثر من شهر. وبدأت الحرب عندما عبر مقاتلو حزب الله الحدود إلى إسرائيل واختطفوا جنديين إسرائيليين.

وتبث قناة المنار جنازات يومية لمقاتلين سقطوا في المعركة وقد لفت نعوشهم براية الجماعة ذات اللونين الأصفر والأخضر ونشر حزب الله الأسبوع الماضي رسالة مكتوبة بخط اليد من حسن نصر الله إلى وسائل الإعلام يحثهم فيها على وصف المقاتلين الذين يسقطون في هذه المعركة بعبارة "شهداء على طريق القدس".
وبعد كل قصف إسرائيلي على جنوب لبنان تلبّي فرق الدفاع المدني النداء لإخماد حرائق أو إسعاف مصابين، لكنها تتحرك بآليات متهالكة وإمكانات محدودة على غرار مؤسسات الدولة المنهكة بفعل انهيار اقتصادي مزمن.
ويقول رئيس مركز النبطية الإقليمي في الدفاع المدني حسين فقيه الذي يشرف على 21 مركزا محليا "منذ أن بدأ القصف نتدخل في عمليات الإطفاء والإنقاذ والإسعاف بصعوبة، كون إمكاناتنا على غرار أي إدارة موجودة في الدولة اللبنانية، متواضعة جداً".
ومنذ عام 2019، يعاني لبنان من أزمات متتالية: انهيار اقتصادي إلى جائحة كوفيد إلى انفجار مرفأ بيروت الذي دمّر نصف العاصمة، وصولاً إلى شلل سياسي ينعكس شغوراً في سدة رئاسة الجمهورية منذ عام، وتعطيل لمؤسسات الدولة.
ويخشى كثيرون عدم قدرة الدولة اللبنانية على مواجهة أعباء توسع الحرب ويقوم السكان بالتموّن بمواد غذائية وأدوية ومحروقات أو يبحثون عن منازل للإيجار بعيدا عن مناطق قد تتحول لاحقاً إلى ساحة قتال او هدفاً للقصف والغارات كما حصل في حروب سابقة بين حزب الله وإسرائيل.
ويقول فقيه إن "إمكاناتنا المتواضعة في ظل الأوضاع الراهنة تكفينا، لكن إن تطورت أكثر فستصبح أضعف بكثير ولن نكون قادرين على تلبية كل المهام"، قائلا "نحتاج إلى تجديد أسطولنا ومعداتنا، فالآليات الموجودة في مراكزنا تعمل لكن لا نعرف متى تتوقف، إذ إن عمر أقل سيارة نحو 30 عاماً".
وفي غياب الصيانة الضرورية يخشى فقيه وعناصره من أن تطرأ أعطال على الآليات،سواء شاحنات الإطفاء أو سيارات الإسعاف أو الجرافات ويوضح "حتى إذا أصاب ثقب عجلة السيارة، لا يمكن أن نأتي بعجلة أخرى".
ولا تقتصر المعاناة على الصيانة فحسب، بل تشمل أيضاً مسألة توفير المياه لإطفاء الحرائق التي اشتعلت مراراً جراء القصف الإسرائيلي في المنطقة الحدودية الغنية بالأحراج وحقول الزيتون.
وتعتمد فرق الدفاع المدني بشكل أساسي على الآبار الارتوازية لضخّ المياه الى عرباتها، لكن مع الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، لم يعد ذلك الخيار متوفراً بسهولة.
ويحذّر أنيس عبلة رئيس مركز مرجعيون التابع لمركز النبطية الإقليمي من أن تندلع الحرب من دون أن تتمكن فرق الإنقاذ من "تأمين المياه للآليات، أو حتى الاحتياجات الأساسية كالغذاء للعناصر" ويشكو من غياب معدات الحماية الرئيسية لعناصره مثل الدروع والخوذ، قائلا "نحن خط الدفاع الأول، ورغم ذلك ليس لدينا ما نحمي به أنفسنا لنساعد الناس".
ودفع التصعيد عبر الحدود بنحو 29 ألف شخص للنزوح، وفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، خصوصاً من جنوب لبنان أو من بيروت وضواحيها خشية توسّع الحرب إلى تلك المناطق كما حصل في حرب يوليو/تموز العام 2006.
وفي حاصبيا، لم يكن أمام البلدية سوى أن حوّلت مبنى قيد الإنشاء كان يفترض أن يصبح فندقاً وسط أشجار الصنوبر، إلى مركز لإيواء 150 نازحاً. ولولا مساعدات ودعم تتلقاه من منظمات غير حكومية ومغتربين، لما كانت قادرة على توفير احتياجاتهم الرئيسية.
ويقول رئيس بلدية حاصبيا لبيب الحمرا الذي يشرف على خمسة مراكز لإيواء النازحين "أكبر مخاوفي أن تتكرر تجربة العام 2006"، مستدركا "سيكون اليوم أسوأ"، مضيفا "الدولة اللبنانية اليوم، لا البلديات فقط، غير مؤهلة لمواجهة كارثة من هذا النوع على الصعيد الوطني".
ووضعت الحكومة خطة طوارئ في حال تمدّد الحرب إلى لبنان. ولو أن الإعلان عن هذه الخطة أثار سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بين المواطنين الذين لا يثقون بالدولة.
ويعيش معظم السكان تحت خط الفقر جراء الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة وهم غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية على وقع ارتفاع هائل في أسعار المواد الأساسية ومنها المحروقات.
وباتت مرافق الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، فيما يرزح القطاع الصحي الذي يشكل العمود الفقري لأي خطة استجابة في زمن الحرب، تحت أعباء النقص في التجهيزات وحتى الطواقم بعدما اختار أطباء وممرضون الهجرة بعيداً عن الانهيار الاقتصادي والفساد والأزمات المتلاحقة.