حفتر.. مشروع إسقاط الإسلام السياسي في ليبيا

هزيمة الإسلاميين في ليبيا في الانتخابات البرلمانية 2014 ألجأتهم إلى فرض وجودهم السياسي السلطوي بقوة السلاح في مواجهة ما تبقى من قوات الجيش النظامي التي يقودها الجنرال حفتر مدعوماً بمقاتلين مدنيين.

بقلم: فرج العشة

"قائد منقذ" أم "قذافي جديد" يقود ثورة مضادة؟ حصل الجنرال حفتر على قوة دافعة جديدة عندما انتزع الجيش الوطني الليبي السيطرة على مرافئ نفطية إلى الجنوب والغرب من بنغازي من فصيل متحالف مع حكومة الوفاق الوطني، مما غذى التكهنات بأن حفتر يضع غرب ليبيا -وطرابلس- نصب عينيه. مؤيدو حفتر طوّبوه في صورة "القائد المنقذ" لدرجة الوقوع في طقوس "عبادة الشخص"، بينما شيطنه خصومه الإسلاميون في صورة "قذافي جديد" يقود ثورة مضادة لـ"ثورة 17 فبراير" التي يعتبرون أنفسهم ثوارها الحقيقيين وأولياء الله عليها، كما يكتب العشة.

 إنه الشخصية الأكثر إثارة للجدال في ليبيا منذ أن قاد حركة عسكرية تحت مسمى "عملية الكرامة" في شرق ليبيا (إقليم برقة) لمحاربة الميلشيات المتأسلمة الموصوفة بالإرهابية.

 في موازاة حكومة الوفاق التي تعترف بها الأسرة الدولية ومقرها في طرابلس (برئاسة فائز السراج: يسار في الصورة)، ثمة حكومة موازية في شرق ليبيا تدعمها قوات المشير خليفة حفتر (يمين في الصورة) المدعوم من مصر وروسيا والإمارات: أعلنت حكومة الوفاق الوطني الليبية يوم الإثنين 02 / 04 / 2018 بدء عملية عسكرية تحت اسم "عاصفة الوطن" لمطاردة جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الناشطين في غرب البلاد، وأفادت خلال أن هذه العملية "تبدأ من الأودية والشعاب الممتدة من بوابة "الـ60 كيلومتر"، شرق مدينة مصراتة وحتى ضواحي مدن بني وليد، ترهونة، مسلاته، الخمس، الزليتن".

انضم إلى المعارضة الليبية بقيادة "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" وشغل فيها منصب "قائد الجيش الوطني". وعمل سريّاً من منفاه مع ضباط كبار داخل ليبيا على التخطيط لعملية انقلاب عسكري. لكن تم كشف المحاولة واعتقال رؤوسها قبل تنفيذها بأيام في أكتوبر / تشرين الأول 1993. ويبدو أنه، نتيجة لفشل المحاولة الانقلابية وخلافه مع "جبهة الإنقاذ" المعارِضة انشق عنها وقبل بالتصالح مع النظام برعاية مصرية تم بموجبها ضمان إقامته وعائلته في مصر بشرط عدم ممارسته لأي عمل سياسي معارض لنظام القذافي.

وإذ تفجرت انتفاضة 17 فبراير / شباط 2011 التي سرعان ما تحولت إلى تمرد مسلح، وقد سقط نظام حسني مبارك، جاء العقيد حفتر من طريق البر إلى بنغازي ليجد أمامه الجنرال عبد الفتاح يونس (وزير داخلية القذافي المنشق) يترأس قوات المتمردين من عسكريين ومدنيين متطوعين.

 فدخل الرجلان في خلاف شخصي حاد على أحقية القيادة العسكرية. اُستبعد الجنرال حفتر من لعب أي دور عسكري قيادي عملياً. حتى ظهر فجأة مساء 14 فبراير / شباط 2014 من خلال قناة "العربية" السعودية يعلن في بيان انقلابي مسجّل عن سيطرة قوات تابعة له على مواقع عسكرية وحيوية في العاصمة وتجميد عمل البرلمان والحكومة، عارضاً ما سماه "خارطة طريق" لمستقبل ليبيا السياسي، وكأنه يستنسخ ما قام به السيسي دون أن يملك شيئا حقيقيا مما في حوزة الأول من جيش قوي موحد منضبط.

إسلاميون سلفيون (أتباع المذهب المدخلي) معادون بشراسة للإخوان المسلمين والجماعات الجهادية وموالون للسلطان في صف الجنرال الليبي خليفة حفتر، "هزيمة الإسلاميين في ليبيا في الانتخابات البرلمانية 2014 ألجأتهم إلى فرض وجودهم السياسي السلطوي بقوة السلاح في مواجهة ما تبقى من قوات الجيش النظامي التي يقودها الجنرال خليفة حفتر مدعوماً بمقاتلين مدنيين مساندين بمن فيهم إسلاميون سلفيون (أتباع المذهب المدخلي) معادون بشراسة للإخوان المسلمين والجماعات الجهادية".

 بالمقابل، في طرابلس ومصراتة في غرب البلاد تحالفت الميليشيات الإسلامية لمجابهة مشروع الجنرال حفتر الذي نجح، مستفيداً من دعم مصر والإمارات، في القضاء على الميلشيات الإسلاموية في بنغازي وكامل إقليم برقة ما عدا جيبهم الصغير في مدينة درنة الصغيرة.

وسيطرت قواته على موانئ تصدير النفط فأصبح كما تصفه صحيفة لوموند "رجل برقة القوي" وهو الذي يسعى أن يكون رجل ليبيا القوي بعد توحيد المؤسسة العسكرية والسيطرة على العاصمة طرابلس بواسطة مجلس عسكري مؤقت يشرف على مرحلة انتقال سياسي جديد

 من الواضح لي كمراقب للأحداث من داخل المنطقة الشرقية أن غيابه عن المشهد سوف يُحدث فراغاً في تماسك أركان القيادة العامة للجيش بالنظر إلى شخصيته الكاريزمية القوية وعلاقاته الوثيقة بحلفائه الإقليميين (مصر والإمارات) والدوليين (فرنسا وروسيا). كما أن مشروعه العسكري (عملية الكرامة) للقضاء على الإرهاب وإسقاط مشروع الإسلام السياسي بإحكام سيطرة المؤسسة العسكرية الموحدة على البلاد لن يكون بعد غيابه كما هو عليه في وجوده، فهو مشروع مشخصن فيه من مؤيديه وخصومه على السواء.

مؤيدوه طوّبوه في صورة "القائد المنقذ" لدرجة الوقوع في طقوس "عبادة الشخص"، بينما شيطنه خصومه الإسلاميون في صورة "قذافي جديد" يقود ثورة مضادة لـ"ثورة 17 فبراير" التي يعتبرون أنفسهم ثوارها الحقيقيين وأولياء الله عليها. وهم يعتقدون أن غياب الجنرال القوي سوف يُعجِّل بتحقيق توافق سياسي جامع يضمن لهم نصيب الأسد من السلطة.

 إسقاط مشروع الإسلام السياسي: واضح لي كمراقب للأحداث من داخل المنطقة الشرقية أن غياب الجنرال حفتر عن المشهد الليبي سوف يُحدث فراغاً في تماسك أركان القيادة العامة للجيش بالنظر إلى شخصيته الكاريزمية القوية وعلاقاته الوثيقة بحلفائه الإقليميين (مصر والإمارات) والدوليين (فرنسا وروسيا). كما أن مشروعه العسكري (عملية الكرامة) للقضاء على الإرهاب وإسقاط مشروع الإسلام السياسي بإحكام سيطرة المؤسسة العسكرية الموحدة على البلاد لن يكون بعد غيابه كما هو عليه في وجوده، فهو مشروع مشخصن فيه من مؤيديه وخصومه على السواء".

 في كل الأحوال ورغم ما قد يحدث من مجابهات مسلحة، وربما عمليات اغتيال متبادلة هنا وهناك، في أجواء الصراع على الخلافة، فإن المؤكد، من خلال قراءتي اللصيقة بالأحداث، أن الأمور لن تتطور إلى احتراب عسكري شائك يتخذ شكلاً قبلياً لأن النسيج الاجتماعي القبلي في برقة شديد التماسك على مرِّ التاريخ وأصبح ينبذ الجماعات الإسلاموية لتفردها بالسلطة وممارساتها الإرهابية. لذلك في تقديري سوف يتم، في حالة غياب الجنرال حفتر، تعيين قائد جديد للجيش معتمد من مجلس النواب في طبرق. وسوف تكون المعركة التالية اقتحام مدينة درنة وتحريرها من آخر الميليشيات المتأسلمة في شرق البلاد.

عن القنطرة
ملخص مقال: هل للجنرال الليبي خليفة حفتر من يخلفه
حفتر...مشروع إسقاط الإسلام السياسي في ليبيا