حفتر يروج للجنوب الليبي وجهة للإستثمار والاستقرار لأهداف سياسية

حفتر يعيد رسم صورته كقائد عسكري قادر على بناء دولة وليس مجرد طرف في النزاع الليبي مستفيداً من بعض النجاحات الميدانية في الجنوب لتعزيز موقعه في أي تسوية سياسية قادمة.
الجنوب بما يمثّله من ثقل جغرافي أصبح ساحة لإعادة التموضع السياسي
حفتر يشيد بسكان الجنوب في محاولة لنسج تحالف شعبي يتيح له تعزيز حضوره السياسي

طرابلس - يظهر المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، في واجهة المشهد مجدداً، مستعرضاً إنجازات أمنية وتنموية في جنوب ليبيا، في ما يعتقد أنه توجه لاستقطاب أبناء الجنوب وبناء رصيد سياسي وشعبي في منطقة لطالما عانت من عدم الاستقرار بسبب الجماعات الإرهابية والمتمردة ومنظمات الاتجار بالبشر والتهريب.
فخلال افتتاح مشاريع خدمية وتنموية في مدينة مرزق جنوب البلاد، أعلن حفتر أن "الجنوب الليبي أصبح واحة للسلام والاستقرار والنماء"، مشيداً بتضحيات سكانه في مواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية مؤكدا أن المنطقة باتت مهيأة لاستقبال الاستثمارات المحلية والدولية، في خطوة حملت بُعداً سياسياً لا يغيب عن السياق الراهن الذي يشهد تحركات إقليمية ودولية متزايدة باتجاه إنهاء الأزمة الليبية.
ورغم أن الجيش الوطني الليبي تمكن من تحقيق استقرار نسبي في الجنوب، عبر ضربات موجعة لشبكات تهريب البشر والمخدرات، وتنظيمات متطرفة كانت تتخذ من تضاريس المنطقة الوعرة ملاذاً آمناً لكن المنطقة تبقى بحسب تقارير أمنية متعددة، نقطة ساخنة بحكم موقعها الجغرافي وحدودها المترامية مع دول تعاني بدورها من هشاشة أمنية، أبرزها تشاد، التي تنشط منها جماعات متمردة في الداخل الليبي إضافة لتأثيرات الوضع في السودان.
وفي ظل هذا الواقع، تبدو التحركات العسكرية والسياسية في الجنوب ذات طابع مزدوج: فهي من جهة تحمل طابعاً عملياً في إعادة ضبط الأمن، ومن جهة أخرى توظَّف سياسياً في سياق أوسع يستهدف إعادة تشكيل موازين القوى على الأرض، خصوصاً في ظل الحديث عن تسويات مرتقبة قد تعيد رسم خارطة السلطة في ليبيا.
وتصريحات حفتر الأخيرة لم تخلُ من رسائل رمزية، حيث قال إن "اللحظة الحالية تشهد انطلاق عجلة التنمية والبناء"، مشدداً على أن "مدن الجنوب ستكون قبلة يتوجه إليها من يبحثون عن أماكن تصنع مستقبلها الحضاري". واستعرض خططاً لإعادة تأهيل البنية التحتية وتطوير المستشفيات، مستشهداً بنموذج "مستشفى سبها"، الذي اعتبره إنجازاً في القطاع الصحي.
ويعتقد أن الخطاب الموجّه للجنوب، والمتضمن إشادات بتاريخ المنطقة وأصالة أهلها، يحمل في طياته محاولة لنسج تحالف شعبي يتيح لحفتر تعزيز حضوره السياسي، خاصة في ظل تنامي الحديث عن سيناريوهات انتخابية محتملة، سواء في إطار تسوية شاملة أو تحركات جزئية نحو الاستقرار المؤسسي.
ويقول محللون إن قائد الجيش الوطني الليبي يسعى من خلال هذه المبادرات إلى إعادة رسم صورته كقائد عسكري قادر على بناء دولة، وليس مجرد طرف في النزاع، مستفيداً من بعض النجاحات الميدانية في الجنوب لتعزيز موقعه في أي تسوية سياسية قادمة.
ورغم أن الخطاب الرسمي يركّز على البعد الوطني والإنجازات الأمنية، لا يغيب عن المشهد دور أبناء حفتر في المعادلة السياسية والعسكرية فبلقاسم حفتر وصدام حفتر وخالد حفتر، يتحكمون بملفات محورية في الشرق الليبي، من أجهزة الأمن إلى الاقتصاد المحلي، وهما فاعلون بارزون في أي ترتيبات مستقبلية.
ويعزز هذا الواقع القناعة بأن الجنوب، بما يمثّله من ثقل جغرافي واستراتيجي، أصبح ساحة لإعادة التموضع السياسي في ليبيا، خاصة مع دخول الحراك الدولي مرحلة أكثر جدية، بعد جهود الأمم المتحدة ودعم دول إقليمية ودولية لحل سياسي يُنهي حالة الانقسام.
ورغم النبرة التفاؤلية في خطاب قائد الجيش الوطني الليبي، تبقى التحديات الأمنية قائمة، لا سيما مع استمرار ظاهرة التهريب والجريمة المنظمة التي تتخذ من المنطقة الحدودية أرضاً خصبة، في ظل ضعف الرقابة وتداخل النفوذ القبلي. كما أن استدامة المشاريع التنموية مرهونة باستمرار الأمن والقدرة على خلق بيئة استثمارية حقيقية، وهي معركة تحتاج إلى أكثر من مجرد خطاب سياسي أو رمزي.
وتشكّل الجنوب الليبي ورقة استراتيجية في يد خليفة حفتر، توظَّف أمنياً وسياسياً في آن واحد. وبينما لا يمكن إنكار ما تحقق من استقرار نسبي في المنطقة، فإن الطريق نحو استقرار شامل يمر عبر تسوية سياسية متوازنة لا تستثني أحداً، وتضمن شراكة حقيقية بين مختلف المكونات، بعيداً عن الحسابات الفردية أو العائلية، وسط واقع إقليمي ودولي يزداد ضغطاً باتجاه إنهاء الأزمة الليبية المستمرة منذ أكثر من عقد.