حكومة العدالة والتنمية تترنّم بأناشيد الموت والدماء

أحد مؤيدي أردوغان: "ينبغي على الأتراك المسلمين في كل مكان في العالم أن يمتلكوا سلاحاً بالطرق الشرعية حتى يتمكنوا من الدفاع عن أمنهم لأن الكفار الظالمين يستهدفون في المقام الأول الأمة التركية المسلمة".

بقلم: جنكيز أكتار

ليس أردوغان وحده من يترنم بأناشيد الموت، بل تشاركه في ذلك بطانته كلها، وآلته الإعلامية. الجميع يترنمون بأناشيد الموت. جمعتُ خلال الأيام الأخيرة فقط عدداً من التصريحات التي صدرت عن الحليفين أردوغان وبهجلي، والتي تتحدث بلسان واحد عن الحرب التي يخوضانها من أجل البقاء. يقولون إن تركيا تخوض معركة حياة أو موت. أعرض عليكم فيما يلي عدداً من هذه التصريحات:

يقول بهجلي رفيق السلاح: "نحن الآن على الجانب الغربي من مضيق البوسفور. نحن هنا، في حي يني قابي. تعالوا أيها القتلة إن شئتم، تعالوا وسُنريكم ماذا نحن فاعلون بكم؛ سندفنكم كما فعلنا من قبل مع أجدادكم".

تحدثت سحر شَن يوز، التي تشغل منصب نائبة منسق شؤون المرأة والأسرة في مؤسسة الشباب بديار بكر، التابعة لابن رئيس الجمهورية بلال أردوغان، قائلة "إن كل أذان للصلاة هو تجديد للنية لفتح روما ونيويورك وبكين وطوكيو وموسكو وبرلين وباريس واستكمال فتح النمسا. الأذان هو السلاح الوحيد لكل المظلومين في بقاع العالم، وهو أنشودة الحرية لإخواننا الأسرى، ولحن النصر للمجاهدين الشيشان. الأذان هو الحصن الروحي لكل المسلمين في هذا العالم، وهو خط أحمر لا يجب على أحد أن يتخطاه".

أما زعيم المافيا المؤيد لأردوغان فقال "ينبغي على الأتراك المسلمين في كل مكان في العالم أن يمتلكوا سلاحاً بالطرق الشرعية؛ حتى يتمكنوا من الدفاع عن أمنهم؛ لأن الكفار الظالمين يستهدفون في المقام الأول الأمة التركية المسلمة".

وفي السياق نفسه، قال أحد الصحفيين في صحيفة (يني عقد) "في رأيي، إن الرأي العام التركي ينتظر من الحكومة أن تقوم بإعدام كل من يؤيدون ويرعون منظمة حزب العمال الكردستاني، وجماعة فتح الله غولن الإرهابيتين؛ ممن هم على شاكلة كمال كليجدار أوغلو، وأن يُعلَّقوا على تلك المشانق. هذه هي قناعتنا التي أظنها تحظى بتقدير كبير من جانب الرأي العام أيضاً. وبناءً على ذلك، يتعين على الحكومة أن تعدم كل مواطن خان هذه الأرض بدعمه لمنظمة حزب العمال الكردستاني، وجماعة فتح الله غولن الإرهابيتين. ولكن تركيا قامت، للأسف، بإلغاء عقوبة الإعدام منذ عام 2004".

أما أردوغان، الذي استأثر بنصيب الأسد بحديثه عن الموت والدماء، فقال "أريدكم أن توجهوا صفعةً عثمانيةً قويةً إلى ما تبقى من البيزنطيين، الذين يتلهفون لتحويل إسطنبول إلى القسطنطينية من جديد. ارفعوا أصواتكم حتى يهابكم أعداء الإسلام".

وهاجم أردوغان منفذ الهجوم على المسجدين في نيوزيلاندا، خلال حفل افتتاح متحف في محافظة جناق قلعة، في الذكرى الرابعة بعد المائة لمعركة غاليبولي بقوله:

"نحن هنا، نحن في جناق قلعة منذ ألف عام، وسنظل هنا حتى يوم القيامة. ولن يتمكن أي منكم من تحويل إسطنبول إلى "قسطنطينية" من جديد. لقد جاء أجدادك إلى هنا، وعاد بعضهم على قدميه، وعاد البعض الآخر داخل التوابيت. فإن عدتم بنفس النية فسنكون بانتظاركم مجدداً، وتأكدوا أنكم سترحلون كما رحل أجدادكم في الماضي".

"إزمير التي خففت من آلام سالونيك وكريت وإسكوبية وكوسوفو وفارنا والعديد من مدن البلقان الأخرى. إزمير التي تضم جميع الأطياف، وتمتلك الكثير من ثروات بلدنا. إزمير التي نالت حريتها من جديد على يد جيوش مصطفى كمال أتاتورك في التاسع من سبتمبر. إزمير التي ألقت بالكفار في البحر، وضمت إلى صدرها الغرباء".

وقوله مخاطباً منفذ مجزرة نيوزيلاندا كذلك:

"لقد قتلتَ، بكل خسة ووقاحة ودناءة، خمسين من إخواننا، الذين كانوا يؤدون الصلاة. ستدفع ثمن ما اقترفت يداك، وإن لم تحاسبك نيوزيلاندا، فنحن نعرف كيف نحاسبك بأي شكل من الأشكال. سيدي، قوانيننا تمنعنا من إصدار أحكام أكثر من 15 عاماً، كم هي رخيصة حياة الإنسان!".

"بالنسبة لي، لقد أخطأنا حين ألغينا عقوبة الإعدام؛ إذ يصعب عليّ أن أرى الذين تسببوا في مقتل 251 مواطناً من الجيش والشرطةً ليلة المحاولة الانقلابية (15 يوليو 2016)، وهم أحياء في السجون، نلبي لهم طلباتهم، حتى ولو كانت عقوبتهم السجن المشدد. قلتُ من قبل، ولا أزال أكرر، إذا اتخذ برلماننا قراراً بهذا الشأن، فسأصدق عليه، وإذا لم يتخذ برلمان نيوزيلاندا هذا القرار كذلك، فسأواصل مناقشتهم في ذلك. يمتحنوننا عبر الرسالة التي بعثوها لنا من نيوزيلندا التي تبعد عنّا 16 ألفاً و500 كم، ويواصلون اختبار صبر تركيا وعزمها منذ نحو قرن من الزمان. أقول لكم "إن الشعب التركي لن يتردد في أن يجعل جناق قلعة مقبرة للأعداء كما فعل في الماضي".

يتحدث أردوغان إلى الأمة عن البقاء والجهاد والفتوحات والشهادة والإعدام؛ وهو حديث يرتبط بالكفن والتابوت والدماء والعرق والدموع؛ أي النزاع والخصومة والتهديد والخوف والكراهية والقمع وتوجيه الاتهامات والإهانة؛ أي الفقر والبؤس. ومن ناحية أخرى، لا تكاد لغة أردوغان  تخلو من التهديد والوعيد للأكراد، ومحاصرتهم في أرضهم التي يعيشون عليها منذ الأزل. 

لم يتوقف أردوغان في أحاديث الموت عن قذف كل من يحاول الوقوف في وجهه في المقام الأول، وليس في وجه تركيا.

من الواضح أن الرئيس أردوغان، ومن ورائه حكومة حزب العدالة والتنمية قد أفلسوا جميعاً، ولم يعد لديهم جديد يقدمونه؛ بحيث صارت السياسة لديهم تتشكل حرفياً من هذه الأحاديث والوعود بالجنة مقابل الموت.

لم نعد نلمس أي أثر للرسائل التي دأب على إرسالها للشعب التركي في الماضي عن المستقبل الباهر الذي ينتظر تركيا، و"التقدم للأمام"، وعن هدفه عام 2023، وحلمه عام 2071، تبخرت جميعها، ولم يتبق منها شيء. لا تأخذوا حديثه الأحد الماضي في يني قابي عن الاستثمارات الكوادريليونية (الكوادريليون يساوي مليون مليار) مأخذ الجد؛ لأنها كسابقتها عارية تماماً من الصحة.

كشف أردوغان عجزه السياسي بحديثه الدائم عن الموت، الذي لم يعكس إلا حالة الوهن والإفلاس التي آل إليها نظامه، وصارت تحاصر تركيا كلها في الوقت الراهن..

لقد تداخلت مشكلة البقاء بشكل كبير لدى أردوغان في الفترة الأخيرة، بين الحفاظ على بقائه وبقاء حزبه من ناحية، وبقاء الجمهورية التركية من ناحية أخرى؛ بحيث صار يربط بقاء تركيا ببقائه وبقاء نظامه.

دعونا نقول إن الإفلاس لم يُصب النظام فحسب، بل أحاط بالدولة كلها. لا تنظروا إلى التعساء الذين لا يزالون ينتظرون الأمل قبل الانتخابات في 31 مارس، الذين يتباغضون فيما بينهم. 

والواقع إن استخدام أردوغان ونظامه لكلمة رقصة الموت لن يقتصر على فترة الحملة الانتخابية فقط كما يظن البعض؛ لأن الناس قد يرقصون رقصة الموت بالفعل في الشوارع، ابتداءً من الأول من إبريل؛ أي في اليوم التالي للانتخابات. يجب ألا تستهينوا بهذا الاحتمال..

من ناحية أخرى، فإن حديثه عن الشهادة والفتوحات والجهاد لن يتخطى الحدود التركية؛ فالقوات المسلحة التركية تحكم سيطرتها بالكاد على الداخل، وقليل من عفرين وأعزاز بسوريا، أما في الداخل، فالوضع مختلف تماماً؛ إذ يتمتع القاتل بذاكرة استثنائية من أجل التنكيل بمعارضيه، في حين لا يلقي أحد بالاً بمن يموت على هذه الأرض؛ فالقاتل كان دائماً على حق منذ الإبادة الجماعية للأرمن.

نشر في أحوال تركية