حكومة المشيشي نالت التصويت ولم تنل الثقة

الحكومة التونسية الجديدة برئاسة هشام المشيشي تتولى مهامها وسط غياب الاستقرار السياسي وأزمة اقتصادية حادة تفاقمت مع تفشي فيروس كورونا ومطالب اجتماعية لا تهدأ.
النهضة تنتقد حكومة الكفاءات المستقلة التي عرضها المشيشي
نيل حكومة المشيشي الثقة لا يترجم دعما فعليا من الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية
كل الملفات على طاولة المشيشي مستعجلة في الوضع الحالي
حكومة المشيشي تتولى مهامها مثقلة بتركة من المشاكل

تونس - 'أمنحك صوتي ولا أمنحك ثقتي' تلك هي اللهجة التي سادت تقريبا في البرلمان التونسي خلال جلسة التصويت على منح الثقة لحكومة هشام المشيشي، ما يمثل مؤشرا سلبيا لتطورات المشهد السياسي في تونس وما يحيل مجازا إلى منطق "قلوبهم معك وسيوفهم عليك".

وأمام حكومة المشيشي التي نالت ثقة البرلمان الأربعاء مهمة صعبة تقضي بإخراج الديمقراطية الناشئة من حال عدم الاستقرار السياسي لتتمكن من مواجهة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.

ويقول الباحث في العلوم السياسية سليم الخرّاط "بالرغم من أن حكومة المشيشي نالت مصادقة البرلمان بغالبية الأصوات، فإن هذا لا يترجم دعما فعليا من قبل الكتل النيابية والأحزاب السياسية"، مضيفا "سنبقى في عدم الاستقرار إذا تواصل نفوذ الأحزاب في مسار اتخاذ القرار".

وانتقد حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية وأكبر الكتل النيابية في البرلمان (54 نائبا من أصل 217)، حكومة الكفاءات المستقلة التي عرضها المشيشي قبل أن يعود ويقرر دعمها قبل ساعات من التصويت.

وكان نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس (ثاني حزب بعد حركة النهضة بـ38 مقعدا) قد أفصح صراحة في تصريحات لإذاعة 'جوهرة اف' المحلية أمس الثلاثاء بأنه لا يمكن قبول حكومة المشيشي بتركيبتها الحالية لكن سيتم منحها الثقة في البرلمان على أن يتم لاحقا ترتيب سحب الثقة منها.

وأرسى دستور 2014 الذي جاء اثر سنوات من سلطة فردية، نظاما سياسيا هجينا لا هو برلماني خالص ولا هو رئاسي مُطلق.

وتابع الخرّاط "نكتشف حدود مفارقات الهندسة الدستورية التي تم وضعها في دستور 2014 وهذا ما سيغذي غياب الاستقرار".

وأفرزت الانتخابات النيابية في العام 2019 كتلا برلمانية مشتتة ومنقسمة إيديولوجيا دون حصول أي منها على الغالبية، وهو ما يعقّد عملية التوصل إلى توافق بينها حول عدة مسائل.

لكن المشهد العام داخل البرلمان ينقسم بين إسلاميين ومناهضين لهم.

وأوضح الباحث التونسي في العلوم السياسية أن  "كل الملفات مستعجلة في الوضع الحالي". وفي طليعة هذه الملفات قانون المالية التكميلي للعام 2020 الذي سيحدد التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19 وأثرها على الموازنة العامة للبلاد.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الدين العام في تونس إلى 89 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي، كما أن موازنة 2021 تبدو صعبة الانجاز مع انتهاء برنامج الدعم من صندوق النقد الدولي لتونس في الربيع.

وحذّر المشيشي من "وضعية اقتصادية صعبة ومؤشرات خطيرة"، مع بلوغ الدين العام 80 مليار دينار(29.33 مليار دولار)، بينها مبلغ 7.5 مليار دينار (حوالي 2.5 مليار يورو) يستحقّ سدادها في 2020.

ويترتب على الحكومة العمل من أجل تخفيف نسبة البطالة التي بلغت 18 بالمئة بسبب الأزمة الصحية ومواجهة تفش جديد لوباء كوفيد-19 وإنعاش القطاع العام، وهو تحد في غياب دعم برلماني قوي الذي اختزله عدة نواب في جلسة منح الثقة للحكومة بـ "أمنحك صوتي ولا أمنحك ثقتي".

ملف الاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة سيكون من الأولويات خاصة في ظل استمرار التظاهرات الاحتجاجية في جنوب البلاد والتي تعطل إنتاج الطاقة والفوسفات

بالإضافة إلى ذلك، فإن ملف الاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة سيكون من الأولويات ولا سيما في ظل استمرار التظاهرات الاحتجاجية في جنوب البلاد والتي تعطل إنتاج الطاقة والفوسفات.

وأكد المشيشي عزمه على إنعاش المؤسسات الحكومية ودعم القطاع الحكومي الذي تكبله ديون متزايدة منذ سنوات، لذلك أنشأ وزارة تدمج الاستثمار والمالية والاقتصاد في حقيبة واحدة منحها للمصرفي السابق علي الكُعلي.

كما أن "هناك كل الإصلاحات المتعلقة بنظام الضرائب"، وفقا للخرّاط الذي يؤكد أن "التحدي الرئيسي لحكومة المشيشي هو نيل دعم سياسي يخولها أخذ قرارات موجعة في ظل أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية".

وأدى أعضاء الحكومة التونسية الجديدة برئاسة هشام المشيشي اليوم الأربعاء، اليَمين الدّستورية أمام الرّئيس قيس سعيّد بقصر قرطاج بعد نيل الثّقة من البرلمان.

وتتسلم حكومة المشيشي (وزير الداخلية السابق) رسميّا مهامها الخميس، إثر موكب سيُنتظم بحضور حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها إلياس الفخفاخ.

وصوّت البرلمان التونسي في ساعة مبكّرة من صباح الأربعاء بالأغلبية المطلقة، بمنح الثقة لحكومة المشيشي.

وشهد التصويت موافقة 134 نائبا على الحكومة المقترحة واعتراض 67 (201 نائبا شاركوا في عملية التصويت من أصل 217).

وتضُّمُ حكومة المشيشي التّي اختارها حكومة كفاءات مستقلة عن الأحزاب السّياسية، 25 وزيرا و3 كتّاب دولة، بينها 8 وزيرات.

المشيشي يؤكد عزمه على إنعاش المؤسسات الحكومية ودعم القطاع الحكومي الذي تكبله ديون متزايدة منذ سنوات لذلك أنشأ وزارة تدمج الاستثمار والمالية والاقتصاد في حقيبة واحدة

وقال الرئيس قيس سعيد مخاطبا الحكومة الجديدة إنه "في هذا الظّرف شديد التّعقيد اجتماعيا واقتصاديا وصحيا، أنتم تعلمُون ما ينتظركم من جهد وعناء".

وأضاف "أتمنى لكم التوفيق وتحمل المسؤولية بكل أثقالها والعمل جنبا إلى جنب للوقوف أمام الكثيرين من الخونة وأذيال الاستعمار ممن باعوا وطنهم (لم يسمهم)".

واستخدم الرئيس التونسي عبارات حادة في خطاب اعتبره البعض مليئا بالغموض والاشارات، إلا أنه كان يردّ على من اتهموه بخرق الدستور، قائلا "إنهم يتحدثون عن الدستور ثم يتحيلون عليه".

وأضاف "إن كانوا يريدون التحيل سنكون لهم بالمرصاد"، وأن "الشعب يعلم كل الخفايا وكل ما حصل ولم تعد تخفى عليه خافية وسيبقون عبرة لمن يعتبر".

وتابع إنهم "يقولون ماذا فعل رئيس الجمهورية فلينظروا في الدستور الذي وضعوه"، مؤكدا أنه ومنذ تاريخ 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 انطلقت المشاورات التي قال إنه احترم كل قواعدها.

وقال "الدستور لم ينص إن كانت المشاورات كتابية أو مباشرة، موضحا أنه اختار "المشاورات الكتابية لتكون حجة على الذين احترفوا الكذب والافتراء"، مضيفا "البعض  خلال جلسة منح الثقة وخلال الأيام القليلة الماضية فضلا عن الكذب والافتراء يدعي وبدأ يدعي في العلم معرفة وهو لو عاد للسنة الأولى من الصف الابتدائي (الاعدادي) لطُرد شر طردة لحماقته وكذبه وافتراءه".

وفي 25 يوليو/تموز الماضي، كلف الرئيس التّونسي هشام المشّيشي وزير الدّاخلية بتشكيل الحكومة الجديدة خلال شهر واحد.

وجاء التكليف بعد استقالة إلياس الفخفاخ من رئاسة الحكومة بسبب شبهات تضارب مصالح تحوم حوله، رغم نفيه المتكرر.

وبتولي المشيشي رئاسة الحكومة في ظرف سياسي واقتصادي مربك، يصبح بذلك يصبح بذلك تاسع رئيس للوزراء في تونس منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وسبق أن تولى حقيبة الدّاخلية وشغل قبلها منصب مستشار أول لدى رئيس الجمهورية مكلفا بالشّؤون القانونية.