حكومة الوفاق تعتمد موازنة تقشفية تخنق الليبيين لدعم المقاتلين

الليبيون يرفضون مواصلة تبديد حكومة السراج أموال عائدات النفط الليبي في تمويل الحرب والميليشيات فيما يتم إجبارهم على العيش بميزانية تقشف.

طرابلس - قالت حكومة الوفاق التي تتخذ من العاصمة الليبية طرابلس مقرا لها اليوم الاثنين إنها أقرت ميزانية الدولة للعام 2020 بإنفاق قدره 38.5 مليار دينار (27.9 مليار دولار)، دون أن تقدم أرقاما توضح تفاصيلها في ظل الأزمة التي يعيشها الليبيون وسط خوف من وصل فيروس كورونا إلى البلاد.

وقال المجلس الرئاسي الاثنين عبر صفحته على فيسبوك إنه جرت الموافقة على ميزانية، مشيرا إلى أنه "اعتمد الترتيبات المالية للعام 2020" دون ذكر الأرقام أو التفاصيل المعتمدة في ذلك.

وتراجعت إيرادات ليبيا بشدة بسبب وقف صادرات النفط منذ يناير/كانون الثاني في مناطق تسيطر عليها حكومة الشرق التي مقرها بنغازي، حيث تمسك شيوخ القبائل الليبية بمواصلة قفل حقول النفط تلك ومطالبة الجيش الوطني الليبي بالإشراف على حمايتها في خطوة تهدف إلى منع حكومة الوفاق من استغلال عائداتها وتبديدها على تمويل الحرب ضد الليبيين.

وتراجع إنتاج ليبيا من النفط بشكل كبير منذ 18 يناير/كانون الثاني عندما بدأت عمليات الإغلاق. وقالت المؤسسة الوطنية للنفط إن إنتاج النفط الخام هبط إلى 163684 برميلا يوميا منتصف الشهر الماضي.

وتتهم القبائل الليبية ذات الثقل في البلاد حكومة السراج بتبذير أموال الشعب على المرتزقة السوريين الذين ترسلهم تركيا لدعم تدخلها العسكري في ليبيا وتسليح الميليشيات حفاظا على مصالحها الخاصة في طرابلس.

وتشرف قوات الجيش الوطني على تأمين الحقول والموانئ النفطية في المنطقة الوسطى (الهلال النفطي) وميناء الحريقة النفطي بمدينة طبرق قرب الحدود المصرية فيما تدير تلك المنشآت مؤسسة النفط الليبية.

وتتحكم حكومة الوفاق بعائدات النفط بعد تصدير الشحنات النفطية بإشراف المؤسسة الوطنية للنفط وإيداع عائدات المبيعات الشهرية في حساب مصرف ليبيا الخارجي ثم مصرف ليبيا المركزي بطرابلس وتوزيعها على الميزانية العامة للدولة، وهو ما ساعدها في السابق لتمويل الميليشيات التي تقاتل إلى جانبها في طرابلس وتسليحها، فيما يجد المواطن الليبي نفسه مجبرا على إتباع سياسة تقشفية غير مسبوقة في بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب.

وفي أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، طالب رئيس مجلس الوزراء الليبي في طبرق، عبدالله الثني، بنصيب أكبر من عائدات النفط، التي تبلغ حالياً نحو ملياري دولار شهرياً في ظل هيمنة حكومة طرابلس على عائدات النفط وتبذيرها لحماية مصالحها.

تس
تسليح الميليشيات أولوية حكومة السراج

وبدأ استشعار مدى أهمية النفط في تحول ليبيا إلى ساحة للصراع الإقليمي بعد توقيع فائز السراج رئيس حكومة الوفاق لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا تنفيذا لخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوسعية في المنطقة وقد أثارت تلك الاتفاقية رفضا ليبيا ودوليا واسعا.

وفي يناير الماضي، كشفت المؤسسة الوطنية للنفط في عن تراجع الإنتاج النفطي الليبي بمعدل 75 بالمئة، عقب إغلاق موانئ النفط الرئيسية شرق ليبيا.

وحسب بيان للمؤسسة فإنه ابتداء من 18 كانون الثاني/يناير الجاري وحتى 23 منه، انخفض الإنتاج من 1.2 مليون برميل إلى 320 ألف برميل يوميا، ما يعني خسارة 899 ألف برميل في غضون أقل من أسبوع واحد.

وقال السراج في وقت سابق إن حكومته ستواجه أزمة مالية وعجزا في ميزانية 2020 بسبب استمرار إغلاق المنشآت النفطية.

وأضاف "باختصار.. استمرار إغلاق المنشآت النفطية سيؤدي إلى أزمة مالية وستخفض إلى مستوياتها الدنيا"، مشيرا إلى أن الأرقام التي أعلنتها المؤسسة الوطنية للنفط قائلا إن ليبيا خسرت أكثر من 1.4 مليار دولار منذ بدء الإغلاق.

وأكد وزير الاقتصاد التابع للوفاق علي العيساوي أن بلاده أُرغمت على تخفيض ميزانيتها بما يقارب الثلث، بسبب "الصدمة المزدوجة" الناجمة عن وقف انتاج النفط وخفض أسعاره.

وأشار العيساوي المقرب من حزب العدالة والبناء الإخواني في وقت سابق إلى إمكانية رفع الدعم عن الوقود، في خطوة أثارت غضب الليبيين الذين يعتبرون أنفسهم أولى بعائدات ثروات بلادهم النفطية من ة إنفاقها على الحرب واستقدام المقاتلين الأجانب.
وفي ظل خسائر أسعار النفط العالمية الأسبوع الماضي بسبب انتشار فيروس كورونا حيث وصلت إلى أكثر من 50 بالمئة من قيمتها، تراجع إنتاج ليبيا النفطي إلى مستوى قياسي بمتوسط 97.5 ألف برميل يوميا مع استمرار أزمة غلق الحقول النفطية وخطوط الإمدادات.
وقال العيساوي في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية الخميس الماضي على هامش لقاء مع الوكالة الفرنسية للتعاون التقني (اكسبيرتيز فرانس) في تونس، "نواجه صدمة مزدوجة: وقف انتاج النفط وتراجع الأسعار، وسببها بشكل جزئي فيروس كورونا المستجدّ".
ومنذ 2015، تتنازع سلطتان الحكم في ليبيا واحدة في طرابلس بقيادة السراج والأخرى في بنغازي المدعومة من الجيش الوطني الليبي.

وأعلنت حكومة الوفاق السبت حالة الطوارئ وأغلقت جميع الموانئ الجوية والبحرية اعتبارا من اليوم الاثنين.

ووسط حالة الهلع في جميع أنحاء العالم يخشى الليبيون من تأزم أوضاعهم أكثر في ظل السياسة التقشفية التي تعتمدها حكومة السراج وإثقال كاهلهم خصوصا أن المنشآت الطبية والمستشفيات والقطاع الصحي بصفة عامة لا يمكن أن تعتمد عليه الدولة إذا انتشر الفيروس داخل البلاد.

وأشارت تقارير إلى أن أسعار المطهرات وأقنعة الوجه والمنتجات الغذائية ارتفعت في الأسابيع الأخيرة في البلاد، فيما قفز سعر حزمة الكمامات التي تشتمل على 50 قطعة من حوالي خمسة دنانير ليبية (4 دولارات) إلى 40 وأحيانا 50 دينارا ليبيا خلال أسبوع واحد.

وبسبب الانقسام السياسي والعنف، لا تملك ليبيا الوسائل لفرض إجراءات مكافحة لمنع انتشار الفيروس.

وقالت  إليزابيث هوف ممثلة منظمة الصحة العالمية في ليبيا إن الأوضاع المعيشية البائسة للمهاجرين والنازحين وقابليتهم للمرض نتيجة سوء التغذية تجعلهم عرضة للخطر على نحو خاص.