حكومة الوفاق في ورطة بسبب مجاهرة برنار ليفي بزيارته لليبيا

المفكر الناشط السياسي الفرنسي برنارد هنري ليفي يتحدى حكومة الوفاق ويصف ميليشيات تابعين لها بـ"البلطجية" بعد أن حاولوا منعه من العودة إلى مدينة مصراتة بعد زيارته لترهونة.
تناحر بين السراج وباشاغا حول الصلاحيات في الحكومة ودور الميليشيات
وزارة داخلية الوفاق تنفي علمها بالزيارة بينما السراج في تركيا
سكان ترهونة رفضوا زيارة ليفي على مواقع التواصل ويطالبون بمحاسبة المسؤولين عنها

طرابلس - أثارت زيارة المفكر الناشط السياسي الفرنسي برنارد هنري ليفي، الذي عرف بأنه "عراب الربيع العربي"، إلى ليبيا السبت جدلا ورفضا واسعا بعد أن رفض سكان مدينة ترهونة دخوله إليها، وهو ما اضطر حكومة الوفاق في طرابلس إلى نفي علمها بالزيارة ليظهر الارتباك والصراع الحاصل بين رئيسها فائز السراج ووزير الداخلية فتحي باشاغا الذي أصدر الأسبوع الماضي أوامر لمنع منح تراخيص هبوط وإقلاع وعبور الطيران الخاص والرحلات المُنظمة إلا بعد أخذ الإذن منه.

ووصل ليفي المعروف بقربه من الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي السبت إلي مدينة مصراتة، حيث كان في استقباله وفد رفيع المستوى من حكومة الوفاق وميليشياتها التي أمنت تنقله إلى مدينة مصراتة وترهونة والخمس ثم العودة إلى طرابلس، ويلتقي عددا من المسئولين في حكومة السراج.

وتداول نشطاء ليبيون السبت صورا ومقاطع فيديو تظهر اعتراض موكب ليفي في مدينة ترهونة حيث قال سكان المدينة أنه طرده منها وتوجه تحت حراسة أمن الوفاق وميليشياتها إلى مدينة الخُمس.

وتحول هنري ليفي إلى شخصية غير مرغوب فيها لكثير من الليبيين لا سيما بسبب دعوته إلى تدخل دولي في 2011، بقيادة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

وأكدت صفحات على وسائل التواصل الإجتماعي محسوبة على حكومة الوفاق أن ”القوة المشتركة بقيادة اللواء عبدالباسط مروان آمر المنطقة العسكرية طرابلس قد منعت ليفي من إكمال الزيارة إلى ترهونة".

إلا أن المفكر الفرنسي نفى ذلك بنفسه ونشر عبر صفحته على تويتر صورة له من ترهونة مع مسلحين ملثمين تابعين لقوة المهام الخاصة التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق ووصفهم بأنهم "الشرطة الحقيقية وليس البلطجية الذين حاولوا منعه من الزيارة التي تمت بالفعل".

وكان ليفي يشير في تغريدته إلى ما يسمى بـ"القوة المشتركة بالمنطقة العسكرية في طرابلس التابعة لحكومة الوفاق.

وتبرأ عدد من المسؤولين في حكومة الوفاق من زيارة المفكر الفرنسي ونفى أغلبهم علمهم بالزيارة أو التنسيق لها، حيث ظهرت حالة من الإرتباك بين الداخلية والمجلس الرئاسي الذي كان رئيسه فائز السراج يزور إسطنبول للتنسيق حول الخطوات التي سيتم تنفيذها بشأن التحرك نحو مدينة سرت بدعم تركي.

من جهتها اضطرت وزارة داخلية الوفاق إلى نفيها السماح لليفي بزيارة ليبيا على الرغم من أن باشاغا كان قد أطلق الأسبوع الماضي أوامرا بمنع تراخيص الطيران إلا بعد العودة إليه وهو القرار الذي رفضه السراج.
وقال باشاغا، عبر حسابه الرسمي على تويتر إن "الحكومة لم تدع رسميا أي شخصية صحفية لزيارة ليبيا وبعض الأطراف (دون تسمية) اعتادت الاصطياد في الماء العكر خدمةً لمآرب سياسية معروفة".
وأضاف أن "زيارة لشخصية صحفية دون دعوة رسمية من الحكومة لا تحمل أي مدلول سياسي يمثلها والرأي العام له مطلق الحرية في التعاطي والتفاعل مع أي حدث عام"، وهو ما يتعارض مع القرار الذي اتخذه الأسبوع الماضي.
وبرر باشاغا الزيارة بأنها تندرج ضمن "حرية الصحافة والإعلام" التي اعتبرها "واحدة من أعمدة الدولة المدنية الديمقراطية"، مشيرا إلى أن "حق الاعتراض على أي زيارة مكفول للجميع، ولا وصاية على الرأي العام رغم استغلال بعض الأطراف للأحداث غرض تصفية حسابات سياسية ضيقة".
وطالب ليبيون بالتحقيق مع من سمح للمفكر الفرنسي الذي عرف بعلاقاته المشبوهة مع جماعة الإخوان وبزياراته المتكررة لعدد من البلدان التي شهدت ثورات في العام 2011 منها تونس ومصر وليبيا وسوريا، بالدخول إلى ليبيا مجدد دون أن يعرف حتى الآن الجهة التي سمحت له بالزيارة.
من جهته عبر رئيس "المجلس الأعلى للدولة" خالد المشري في بيان عن "استغرابه للسماح" بدخول ليفي إلى مصراتة، وزعم أنه طلب تحقيقا في الزيارة والجهة الداعية لها.

fd
السراج في تركيا بينما باشاغا يتحكم في طرابلس

بدوره، نفى المجلس البلدي بمصراتة علاقته بزيارة ليفي وأنه لا وجود لأي تنسيق مع المجلس البلدي بالخصوص.

ونظم أهالي ترهونة وقفة بالمدينة ضد الزيارة، وقالوا في بيان مشترك عقب الوقفة "نرفض زيارة برنارد ليفي ونحمل المسؤولية الكاملة للجهة التي نسقت الزيارة".

وروجت وسائل إعلام مقربة من حزب العدالة والبناء الإخواني في ليبيا إلى إن ليفي دخل البلاد بصفة صحافي لصحيفة أميركية في مهمة صحفية بينما توفر له الداخلية الحماية فقط وأن لا علاقة لها بأي شيء آخر من جهة أخرى قالت وسائل إعلام ليبية أخرى أن ليفي جاء في "رحلة مجهولة من ليون الفرنسية إلى مالطا ومنها استقل طائرة خاصة أعلن عن شرائها وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا الذي ارتبط اسمه اليوم بهذا الشخص كإرتباطه به في سنة 2011 عندما كان مسؤولاً عن تقديم الإحداثيات لحلف الناتو ضمن عمله مع المجلس العسكري في مصراتة" .

وقالت مصادر ليبية أن عدد من الأشخاص رافقوا ليفي في هذه الزيارة وجميعهم من مساعديه ضمن شركة ضغط وعلاقات عامة تعمل تحت غطاء خدمات إعلامية وسياسية.

ومطلع الأسبوع الماضي أصدر السراج كتابًا لوزارة المواصلات وهيئة الطيران المدني يطلب عدم الإلتزام بتعليمات كان باشاغا قد أصدرها بشأن اختصاصه حصرًا في منح أذونات هبوط وإقلاع الطائرات الخاصة .

وقد شدد السراج في كتابه على أنه هو المسؤول حصرًا عن منح هذه الأذون من عدمها ليتبين من زيارة ليفي أن قراره لايزال فيما يبدوا حبراً على ورق مقارنة بقرار باشاغا الذي يعرف برجل تركيا في طرابلس والذي يتم الدفع به لتولي زمام الأمور في طرابلس.

وكان باشاغا قد وجه في الثامن من الشهر الجاري، مُذكرة إلى وزير المواصلات، ميلاد معتوق، أمره فيها بعدم منح تراخيص هبوط وإقلاع وعبور للطيران الخاص، إلا بعد أخذ الإذن منه.

واعتبر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أن “إجراء المنع من السفر أو الدخول يخالف الإعلان الدستوري والتشريعات النافذة”، مشيرا إلى أن أوامر باشاغا “تم استعمالها لمنع بعض الصفات العامة من الخروج والدخول وتأخيرهم بشكل يتعارض مع لياقة التعامل مع هذه المراكز والشخصيات”.

وكشفت تلك التعليمات والتناقض في إصدارها وتنفيذها صراعا خطيرا داخل حكومة الوفاق من جهة وبين قادة الميليشيات التي تشهد تناحرا بين طرابلس ومصراتة وهو ما يشير إلى فوضى أمنية تبشر بخروجها عن السيطرة في ظل الانتشار الكبير للأسلحة التي تؤمنها تركيا يوميا لهم.

ي
ميليشيات مصراتة تستعد لتلقي أوامر تركيا بشأن الحشد لدخول سرت

وبرنارد ليفي أكاديمي وإعلامي وسياسي يهودي فرنسي، وتربطه علاقات مع كبار الأثرياء والساسة الفرنسيين بمن فيهم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي كان له دور كبير في اقناعه بضرورة التدخل في ليبيا لإسقاط نظام الراحل معمر القذافي في 2011.
ويدافع ليفي عن موقفه بشأن الوضع في ليبيا إلى اليوم بشراسة، حيث يوصف بصاحب نظرية الحرب والفوضى الخلاقة التي ساهمت في وصول الإسلام السياسي ومن ورائه الإخوان إلى السلطة خلال ما يسمى بـ"ثورات الربيع العربي".

يذكر ان ليفي تعرض لرفض شعبي في تونس ومصر أيضا بعد ان كشفت شاركته الميدانية اليومية في التظاهرات التي اجتاحت شوارع تونس قبل سقوط زين العابدين بن علي، وظهوره المتكرر في ميدان التحرير وسط القاهرة، كما عرف بدعمه للحرب في سوريا.

وفي أواخر 2011 أصدر كتابه "الحرب من دون أن نحبها.. يوميات كاتب في قلب الربيع العربي"، يتحدث فيه عن الصراع في ليبيا وكواليسه، مشيرا إلى أن الانتصار حقق الحرية لليبيين، دون الحديث عن الدور الخفي الذي لعبه في الحرب الدائرة هناك منذ 9 سنوات.

والأسبوع الماضي نشرت مجلة "الكوريرا الجزائرية"، الناطقة بالفرنسية كاركاتير يظهر ليفي بصورة شيطان "مصاص دماء" تحت عنوان "القاتل يعود لمسرح الجريمة! برنارد ليفي يستعد للعودة إلى مصراتة في ليبيا.

وتمثل مدينة مصراتة -الواقعة بين سرت وطرابلس- والتي تنقل فيها ليفي بحيرة تحت حماية الوفاق، إحدى المدن التي تسيطر عليها عدد من الميليشيات المختلفة كما تحشد منها تركيا للتقدم نحو مدينة سرت الاستراتيجية حيث دفعت في الأسابيع الماضية بعدد كبير من المرتزقة والسلاح إلى هناك دعما لقوات الوفاق.

واتهم الجيش الوطني الليبي في وقت سابق أنقرة بتحويل مصراتة إلى قاعدة لإدارة عملياتها وللانطلاق نحو منطقة الهلال النفطي، أين اتخذت منشآت حيوية في المدينة لتمركز الميليشيات المسلحة، وأرسلت لها المعدات والقوّات.

وتحدثت تقارير إعلامية عن انشاء تركيا ملاجئ خلال الأسابيع القليلة الماضية في جنوب القاعدة الجوية بمصراتة لتستخدم في العملية العسكرية المرتقبة في سرت، وفي الهجوم على قاعدة الجفرة.