حكومة جديدة في الكويت أمام اختبار كسر الجمود السياسي

أبرز التحديات التي تواجه حكومة الشيخ محمد صباح السالم الصباح إعادة الثقة مع السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الأمة وتهدئة التوترات السياسية.
تعيين أول وزير خارجية من خارج الأسرة الحاكمة
مكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين فيه خطوة منتظرة من حكومة الصباح
مواجهة هيمنة القوى الإسلامية في مجلس الأمة من ضمن تحديات الحكومة

الكويت - أصدر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح الأربعاء مرسوما أميريا بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ محمد صباح السالم الصباح، والتي تضم 13 وزيراً، سيكونون أمام رهان كبير مع اتجاه الأنظار إليهم باعتبارهم أعضاء أول حكومة في عهد الأمير مشعل الذي بدأ ولايته بتوجيه انتقادات لاذعة للسلطتين التشريعية والتنفيذية إذ ساهمت المعارك بينهما بحالة من الجمود السياسي عطلت الكثير من الملفات.

واكد رئيس مجلس الوزراء أن الأمانة العظيمة والمسؤولية الثقيلة التي يحملها والوزراء في مرحلة جديدة من تاريخ الكويت تموج بالتحديات والتطلعات. وأضاف في كتاب تشكيل الوزارة الجديدة الذي رفعه إلى أمير البلاد الأربعاء إن "هذه المرحلة تتطلب المزيد والمزيد من العمل الجاد والإنجاز الحقيقي من أجل وطننا الغالي وتحقيق تطلعات وأماني مواطنيه".

وتضمن المرسوم الذي نشرته وكالة الأنباء الكويتية تعيين فهد يوسف السعود الصباح نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للدفاع ووزيرا للداخلية بالوكالة، وعبد الله علي عبد الله اليحيى وزيرا للخارجية، وهو أول وزير من خارج الأسرة الحاكمة يتسلم هذا المنصب.

وعلى صعيد الحقائب الوزارية الاقتصادية، جرى تعيين عماد العتيقي نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للنفط، وأنور المضف وزيرا للمالية ووزير دولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار.

كما تضم الحكومة الجديدة سالم الحجرف وزيرا للكهرباء والماء والطاقة المتجددة ووزير دولة لشؤون الإسكان، وعبد الله الجوعان وزيرا للتجارة والصناعة.

من المتوقع أن يبقي الأمير مشعل على السياسة الخارجية لسلفه الشيخ نواف الأحمد الصباح بما في ذلك دعم وحدة دول الخليج والتحالف مع الغرب والعلاقات الجيدة مع السعودية. وسيتعين على الكويت أن تواجه توترات قديمة بين الأسرة الحاكمة ومعارضيها في البرلمان المنقسم الذي يقول مراقبون إنه أعاق الإصلاح المالي والاقتصادي.

ويتمتع البرلمان الكويتي بتأثير أكبر مقارنة بالمجالس المماثلة في دول الخليج الأخرى، وقد أدى الجمود السياسي على مدى عقود إلى تعديلات وزارية وحل للبرلمان أكثر من مرة.

ويعتبر مكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين فيه خطوة مستحقة منتظرة من حكومة الصباح وينتظر الكويتيون احالة وتقديم الشخصيات المتورطة في قضايا الفساد الى المحاكمة. إضافة إلى قطع الطريق على القوى الإسلامية التي تسارع لانتهاز الفرص وتحاول الهيمنة على القرار الحكومي لتثبيت أقدامها وتعطيل أي خطوات لا تصب لصالحها، وسبق أن استغلت حالة الارتباك غير المسبوقة في وزارة التربية من أجل تمرير أكبر قدر ممكن من مطالبها المتعلّقة بالعملية التعليمية التي تعتبرها بوابة رئيسية لأسلمة المجتمع التي تعمل على فرضها بمواظبة وإصرار، ولهذا تتمسك بهذه الوزارة تحديدا.

كما تواجه الحكومة الكويتية الجديدة مجموعة من القضايا التي تحتاج إلى جهود كبيرة لحلها أبرزها تهدئة المناخ السياسي السائد في المرحلة الماضية مع مجلس الأمة والإسراع في إيجاد الحلول المناسبة للقضية الإسكانية وتنويع مصادر الدخل والنهوض بمستوى التعليم.

ورغم أهمية كافة القضايا المطروحة فإن إعادة الثقة بين الحكومة الجديدة التي تضم في عضويتها 13 وزيرا والسلطة التشريعية التي تتمثل في مجلس الأمة تعد أبرز التحديات، خصوصا بعد أن وجّه الأمير مشعل انتقادات لاذعة للحكومة والبرلمان قائلا في كلمته بعد أداء اليمين الدستورية "أكدنا في خطاباتنا السابقة بان هناك استحقاقات وطنية ينبغي القيام بها من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح الوطن والمواطنين".

وتابع "بالتالي لم نلمس أي تغيير أو تصحيح للمسار، بل وصل الامر الى أبعد من ذلك عندما تعاونت السلطتان التشريعية والتنفيذية واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد وما حصل من تعيينات ونقل في بعض الوظائف والمناصب التي لا تتفق مع أبسط معايير العدالة والانصاف".

واعتبر أنّ "ما يزيد من الحزن والألم سكوت أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية عن هذا العبث المبرمج بهذه الملفات وغيرها، ما أسبغ عليها صفة الشرعية".
وكانت أغلب الملفات التي أشار إليها الأمير باعتبارها موضعا للتلاعب ومصدرا للضرر، مدار جزء كبير من العمل البرلماني في الفترة الأخيرة حيث دفع النواب بقوّة باتجاه إصدار قرارات تتعلّق بها كون المستفيدين منها تربطهم بهم علاقات شخصية أو قبَلية أو حزبية، على غرار العفو عن محكومين في عدّة قضايا يمسّ بعضها أمن البلاد، وتمتيعهم بردّ اعتبارهم.

ويضم البرلمان الكويتي غالبية من النواب المعروفين تقليديا بمواقفهم المعارضة للحكومات السابقة، وهو ما قد عقد مهمة اصلاح الاقتصاد والمالية العامة، مع صعوبة الوصول معهم لتفاهمات حول القضايا الشائكة، لكن مع تحميلهم المسؤولية من قبل الأمير مشعل، من المرجح أن ألا يغامر النواب بصدام جديد مع الحكومة وصولا لحل البرلمان "لأن العودة للانتخابات تشكل كابوسا لهم".

ونقلت صحيفة "السياسة" المحلية مؤخرا عن مصادر أنّ "النية تتجه الى إجراء مراجعات واسعة وجذرية وشاملة للكثير من القرارات التي اتخذت والتشريعات التي صدرت خلال الفترة الماضية". وقالت إن نوابا يتوقّعون "ذهاب الأمور إلى حل مجلس الأمّة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في مارس المقبل".

وأوضحت المصادر أنّ "رئيس مجلس الأمّة سيكون شريكا رئيسيا في متابعة تنفيذ توجيهات الأمير مشعل وإقناع النواب بضرورة تصحيح المسار التشريعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عبر مراجعة الأولويات وتقارير اللجان ذات الصلة بقوانين تحسين معيشة المواطنين مع الحكومة الجديدة قبل مناقشتها في البرلمان لتحاشي أيّ صدام أو تأزيم".

ومن المتوقع أن تكون الاصلاحات الاقتصادية التي ترغب الحكومة في تمريرها موضع تفاوض وتفاهم مع غالبية النواب بحيث يتم تمريرها مقابل قضايا تحظى باهتمام النواب وقواعدهم، في "عملية تبادل في المصالح من أجل استمرار الطرفين".