حليمة الستراوي تغوص في دواخل الإنسان
بيروت - يشكِّل العالم الداخلي للإنسان الذي تعرَّض وأفراد أسرته، للتهجير والفقدان بسبب الحروب المجال الذي تدور حوله رواية "الأهوس" للكاتبة حليمة الستراوي.
الرواية الصادرة حديثا عن الدار العربية للعلوم ناشرون في 182 صفحة، تسرد الوقائع مضيفة إليها حكاية "ناجد" الذي وجد نفسه في أرض بعيدة عن وطنه وعائلته ورفاقه، زائراً دائماً لقصر الحمراء في بلاد الأندلس، معجباً بنافورة السباع التي تزيّن ساحة القصر، ومدفوعاً بشعور قوي بأنّه المسؤول عن إصلاحها، حتى صار مهووساً بها، وشغوفاً برؤية سباعها الإثني عشر المحيطين بها، حتى قال عنه كل مَن رآه: "وثالث عشرها ناجدها".
"ناجد" الذي فقد أفراد أسرته الواحد تلو الآخر، اتخذ من "نافورة السباع" ملاذاً آمناً لروحه، كلما اقترب منها يُخيّل إليه أنّ هناك حياة كاملة تحتها، حياة صاخبة تجمع أناساً من الماضي والحاضر، أشخاصاً عرفهم وآخرين لا يعرفهم؛ فكان يستلقي على ظهره ويرفع عينيه محاولاً تصويب نظره فيما تحت الحوض، ثم يحرِّك رأسه ليلصق أذنه على الأرضية الرخام، قبل أن يخبره رجل الأمن بضرورة النهوض والابتعاد...
هذه المعالم تتوضّح في النص من خلال سلسلة من الأحداث التي عاشها بطل الرواية في "الماضي"، ويتمّ استدعاؤها والتعبير عنها سرديا عبر حالة استيهامية ونفسية أصبح يعيشها في "الحاضر" وتتحقّق نصّياً عبر الهلوسة والحوار الداخلي، الوعي واللاوعي، أو الغوص في الداخل المضطرب الجَيَّاشِ؛ وصولاً إلى السطور الأخيرة في الرواية التي عملت من خلالها المؤلفة على تكثيف هذه الرؤية واختزالها في لحظة الكشف عن "ناجد" وأمامه طبيبه النفسي، يتلقى العلاج وهو على سرير المرض، مصاباً بالانفصام عن الواقع.
"أنا ناجد المهووس، أنا سلطان جالد الذات، أنا حازم العاهر، أنا فرقد القواد، أنا ليليانا السوبرانو، أنا أسيل المتبنّاة، أنا الجدّ المهتمّ، هذا ما أخبرني به الطبيب النفسي الذي أُحِلْتُ للعلاج عنده على خلفية جريمة محاولة عبثي بالسباع، أخبرني ذلك حين ضبطني متلبِّسا بشخصية المؤلِّف كاتب هذه الرواية، أنا ناجد الكاتب".