حل علمي يتيح تقاسم البيانات الجينية دون انتهاك الخصوصية

المختبرات بإمكانها تشارك بياناتها وتوزيعها على خواديم عديدة عبر طريقة جديدة ترتكز على 'شبكة من الخلايا العصبية'، وعدم قدرة أي جهة الاطلاع على البيانات الأساسية إلا في حال التسريب المتعمد.
البحوث الجينية تنفع الشرطة في التعرف على مرتكبي جرائم اغتصاب
تقنية جديدة تتيح لمواقع إلكترونية إتاحة بياناتها للباحثين بسرية تامة
مشاركة المستخدمين تحصل على أساس تطوعي ما يحد من نطاق الدراسات

واشنطن – حصل ملايين الأشخاص على توصيف لتركيبتهم الجينية على مواقع إلكترونية بالاعتماد على عينات من اللعاب… غير أن هذا الكنز الثمين من البيانات محظور تقريبا أمام الباحثين في علوم الوراثة إذ تحيط المواقع قواعد بياناتها بسرية تامة خشية تسريبها.
غير أن أستاذة الرياضيات في جامعة "ماساتشوستس إنستيتيوت أوف تكنولوجي" (أم آي تي) العريقة وزملاء لها يقولون إنهم حلوا هذه المشكلة بالاعتماد على أداة تشفير جديدة.
وأوضحت بوني برجيه "نحن نراوح مكاننا على صعيد تقاسم كل هذه البيانات المتصلة بالمجين"، مضيفة "من الصعب جدا للباحثين الحصول على هذه البيانات التي لا تعود بأي منفعة من الناحية العلمية".
وأشارت إلى أن "أحدا لا يمكنه الولوج إليها، على سبيل المثال لتحديد روابط بين التغيرات الجينية والأمراض"، مضيفة "تخيلوا لو كان في إمكاننا الاستعانة بتسلسلات المجين الموجودة بالملايين في قواعد البيانات".
وتهم الفكرة الأساسية لهذه الأداة التي نشرت تفاصيلها مجلة "ساينس" العلمية الخميس، شركات الصناعة الصيدلانية لكن في الإمكان توسيعها إلى ملفات الحمض النووي وفق الباحثين.
ووفقا لخبراء تبحث المختبرات باستمرار عن تفاعلات بين ملايين الجزيئات وعشرات آلاف البروتينات في جسم الإنسان. لكنها لا تريد أن يعرف منافسوها بتفاصيل عملها إذ إن الجزيئات غالبا ما تكون موضع براءة اختراع ويحيط بها الكثير من التكتم ما يدفعها إلى الحد بدرجة كبيرة من المعلومات التي تتقاسمها.

نحن نراوح مكاننا على صعيد تقاسم كل هذه البيانات المتصلة بالمجين

ومع الطريقة الجديدة المرتكزة على "شبكة من الخلايا العصبية" بحسب بوني برجيه، يمكن للمختبرات تشارك بياناتها وتوزيعها على خواديم عدة لتؤدي إلى نتائج مستندة إلى مجمل البيانات.
ولا يمكن لأي جهة الاطلاع على البيانات الأساسية او انتهاك الخصوصية إلا في حال التسريب المتعمد. وفي إمكان المختبرات تاليا العمل على عدد كبير من الاكتشاف من دون كشف أي أمر لمنافسيها.
وأضافت الأستاذة الجامعية "يمكننا القيام بأمور لم تكن ممكنة البتة سابقا". وثمة تقنيات موجودة حتما لترميز البيانات، غير أن الحسابات تصبح شديدة التعقيد ويتعذر القيام بها عندما تتخطى قواعد البيانات ملايين العناصر كما الحال في المجين.
هذه التقنية قد تتيح لمواقع إلكترونية مثل "أنسستري.كوم" (أكثر من عشرة ملايين مشترك) و"23 أند مي.كوم" (أكثر من خمسة ملايين مشترك) إتاحة بياناتها للباحثين بسرية تامة.

السرية الجينية تثير قلق كثيرين ما يدفعهم إلى رفض الخضوع لفحوص وراثية أو المشاركة في برامج بحثية

ولفتت بوني برجيه إلى أنها على اتصال مع الشركتين، مشيرة إلى أن موقع "أنسستري" يقيم "محادثات غير رسمية عدة مع علماء وباحثين".
هذان الموقعان مختلفان عن موقع آخر مجاني نال قسطا من الشهرة أخيرا هو "جي إي دي ماتش.كوم". ويحمّل المستخدمون ملف بياناتهم الجينية بعد الحصول عليه من جهات أخرى، ليقوم بعدها موقع "جي دي ماتش" بمقارنة التسلسل الجيني لديهم مع ذلك العائد لمستخدمين آخرين لتحديد من هم الأقرب لهم جينيا، مع اسم وعنوان بريد إلكتروني.
أما على مواقع "أنسستري" و"23 أند مي" و"ماي هيريتج"، يقدم كل مستخدم معلومات تتعلق بالشكل والنسب وحتى الوضع الطبي. وهذه هي المعلومات التي يريدها الباحثون لتحديد أي روابط مع بعض التحولات الجينية.
وقد قام موقع "23 أند مي" بخطوة في هذا الاتجاه مع شراكة عقدها مع مجموعة "جي أس كاي" للصناعات الدوائية.
 وقال متحدث باسم الموقع إن التعاونات العلمية أدت إلى نشر حوالى مئة مقال بحثي. غير أن الباحثين لا يستطيعون الولوج سوى إلى "ملخص إحصائي على شاكلة 30 % من الرجال بين سن العشرين والخامسة والثلاثين يعانون مرضا ما أم لديهم تغير جيني مشترك".
كما أن مشاركة المستخدمين تحصل على أساس تطوعي، ما يحد من نطاق هذه الدراسات.
ويشكل هذا الموضوع محط نقاش في الولايات المتحدة حيث أظهرت دراسة أن الحمض النووي لنصف السكان يمكن ربطه بأناس لديهم سجلات على "جي إي دي ماتش" ويمكن تاليا التعرف إليه مع بعض العمل الوراثي.
ويمكن لهذا المنحى في البحوث الجينية أن يأتي بالمنفعة على الشرطة للتعرف إلى مرتكبي جرائم اغتصاب، وأيضا على الأشخاص الذين يبحثون عن والديهم البيولوجيين. لكن ما الذي قد يحصل في حال قرصنة هذه البيانات أو استغلالها للتمييز من جانب شركات تأمين أو أصحاب عمل.
وقال الباحث في أخلاقيات علوم الحياة في المعاهد الوطنية للصحة في فرنسا بنجامان بيركمان "لا تمييز منهجيا" يحصل حاليا، مضيفا "هذا لا يعني أن الأمر لن يسبب مشكلات".
لكنه لفت إلى أن "السرية الجينية تثير قلق كثيرين ما يدفعهم إلى رفض الخضوع لفحوص وراثية أو المشاركة في برامج بحثية".