حماس.. مسلسل الشعارات والأحلام

وفد قيادي من حماس زار إيران وعبر لخامنئي أن حماس ستدافع عن الأمة الإسلامية والحديث عن أمة إسلامية يستدعي السؤال أين توجد هذه الأمة؟ هل إندونيسيا وكازاخستان وماليزيا وإيران وتركيا ونيجيريا والدول العربية مثلاً؟ ثم هل على حماس أن تدافع عن الأمة أم أن الأمة هي التي يجب أن تدافع عن فلسطين؟

بقلم: ماجد كيالي

عودتنا الخطابات السياسية الفلسطينية، طوال نصف القرن الماضي، على إثارة العواطف، وتضخيم الذات، وتأكيد حتمية الانتصار، كأنها في كل ذلك تحاول جسر الفجوة في موازين القوى المختلة كثيراً لمصلحة إسرائيل، فضلاً عن سد الثغرات الهائلة في أحوال الفلسطينيين وحركتهم الوطنية.

هكذا عشنا مع شعارات مثل: “شعب الجبارين” و”يا جبل ما يهزّك ريح”، و”عا القدس رايحين شهداء بالملايين” و”سنزلزل الأرض تحت أقدام إسرائيل”، و”توازن الردع” أو “توازن الرعب”. بيد أن تلك الشعارات، والمقولات، لم تكن تؤخذ بحرفيتها، على الأغلب، بقدر ما كانت تشهر على سبيل التحريض وشحذ المعنويات، وكتعويض معنوي، لا سيما أنها كانت تصدر في مناسبات “جماهيرية” واحتفائية لا أكثر، من دون أن نقلل من آثارها السلبية في تشكيل وعي الفلسطينيين وإدراكهم لذاتهم، ولحدود قدراتهم، أو ما يستطيعونه وما لا يستطيعونه في مصارعتهم إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى كوارث كبيرة، من الأردن إلى لبنان إلى فلسطين.

بيد أن الأمر مع قيادات “حماس” اختلف كثيراً، فبينما كانت الروح الوطنية والعاطفية، تضفي على شعارات “فتح”، الساخنة والتحريضية، بعداً برغماتياً وواقعياً، أيضاً، فإن الأمر عند قيادات “حماس” بات يتخذ طابعاً عقائدياً، وقدسياً، وحتمياً، لا تمكن مناقشته أو المسّ به. 

ثمة ثلاثة نماذج عن هذا الخطاب صدرت راهناً، عن ثلاثة من أهم قادة حركة حماس، اتسمت بقدر كبير من السذاجة والعنجهية والانفصال عن الواقع، في ما يشي بتدهور الخطاب السياسي الفلسطيني، كأن هذه الحركة لم تستفد من تجربتها، ولا من تجربة حركة وطنية لها من العمر أكثر من نصف قرن.

النموذج الأول، يتمثل بتصريح أدلى به محمود الزهار (نُشر في يوتيوب)، أحد أبرز قادة تلك الحركة في قطاع غزة، اعتبر فيه أن فلسطين تكاد لا ترى في الخريطة، وأن تحريرها عملية بسيطة مثل “سواك” الأسنان، وهو في هذا الأمر لا يبين ضعف إدراكاته لأبعاد قضية فلسطين وتعقيداتها، فقط، والمستمرة منذ أكثر من قرن، وإنما فوق ذلك يظن أن حركته محور العالم، وأن هدفها أو طموحها يشمل تغيير العالم كله.

النموذج الثاني، يمكن تمثله بالخطاب الجماهيري الذي ألقاه فتحي حماد، عضو المكتب السياسي لحماس، في مسيرة العودة في غزة (الجمعة 12/7، نشر في يوتيوب أيضاً). وقد وجّه فيه إنذاراً لإسرائيل، يهدد فيه بتحميل كل فلسطيني في كل أنحاء العالم حزاماً ناسفاً لتفجيره في كل يهودي، بل إنه حدد مهلة لتنفيذ تهديده، وهي أسبوع (لم يحصل شيء بعد انتهاء المدة). وهو في ذلك قوض صدقية “حماس” التي كانت أصدرت وثيقة قبل أكثر من عام، لتحسين صورتها على الصعيد الدولي، ميزت فيها بين اليهود والصهيونية. كما أن خالد مشعل ذاته (القائد السابق لحماس) كان أكد، إبان الحرب الثالثة على غزة (2014)، تمييز حركته بين المدنيين والعسكريين اليهود في إسرائيل، وأن حماس لا تستهدف المدنيين.

وبالتأكيد فإن هذه التصريحات أضرت بصدقية مسيرات العودة كشكل من أشكال التعبير الشعبي/السلمي ضد الاحتلال، وبينت أن حماس هي التي تسيرها أو تتحكم بها. الأهم من ذلك هو كيف اعتبر حماد أن الفلسطينيين كلهم، أينما كانوا، جنود عنده أو عند حركته؟ وهل كل جنود حماس يتفقون معه في تزنيرهم بأحزمة ناسفة؟ أيضاً ما شأن يهود العالم بإسرائيل أو ما شأن حماس بهم، إن كانوا ليسوا جنوداً ولا مواطنين في إسرائيل؟ والجدير ذكره أن حركة حماس تنصلت من تلك التصريحات ورأت أنها تعبر عن رأي حماد الشخصي، من دون اتخاذ أي إجراء بحقه.

النموذج الثالث تكشّف إبان زيارة وفد قيادي من حماس إيران، ولقائه مع خامنئي (22/7)، وكان برئاسة صالح العاروري (نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس)، الذي أدلى بتصريحات أشار فيها إلى أن “حماس” تقف في الصف الأول في الدفاع عن الأمة الإسلامية (بعض وكالات الأنباء الإيرانية قالت عن إيران). ومهما كان، فإن الحديث عن أمة إسلامية يستدعي السؤال عن هذه الأمة، أو كيف يمكن تعيينها بالضبط؟ أو أين توجد؟ وهل هي في إندونيسيا وكازاخستان وماليزيا وإيران وتركيا ونيجيريا والدول العربية مثلاً؟ ثم هل على حماس أن تدافع عن تلك الأمة أم أن تلك الأمة هي التي يجب أن تدافع عن فلسطين؟

ثم ما هي إمكانات حماس حتى يعتقد العاروري أنها تستطيع مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة والدفاع عن الأمة الإسلامية، في حين أنها لا تستطيع الدفاع عن شعبها ولا عن نفسها، ولا تستطيع، فرض فك الحصار، أو فتح معبر رفح، أو الصيد بمسافة أعمق من التي تحددها إسرائيل، ناهيك بأنها لم تستطع بعد إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأولى، ناهيك بالثانية والثالثة، في غزة؟

فوق ذلك، فإن هذه الزيارة الاعتذارية لإيران، تتناسى الدور الذي لعبه نظام الولي الفقيه في قتل السوريين والعراقيين وتشريدهم، وتصديع بنى الدولة والمجتمع في بلدان المشرق العربي، وتلك أكبر خدمة قدمت لإسرائيل في تاريخها، تحت غطاء مقاومتها.

الخلاصة أن الفلسطينيين، وبدل التعويض عن الخلل في موازين القوى، والمعطيات الظالمة المحيطة، بتضخيم الذات والمبالغة بالقدرات وإثارة العواطف وزرع إدراكات خاطئة ومضرة، معنيون بمراجعة تجربتهم وخطاباتهم ونقدها، وترشيد أساليب كفاحهم، فذلك أكثر صواباً وجدوى، بعد كل ما اختبروه من خيبات وإخفاقات.

نُشر في صفحة درج