حماس والسلطة تاجران بضاعتهما فلسطين

الاحتكار هو ما يحرك حماس وفتح وليس معاناة الفلسطينيين.

أليس في الإمكان النظر إلى السلطة الفلسطينية في رام الله وحركة حماس في غزة بمعزل عن النظر إلى الشعب الفلسطيني الذي لم ينتخب ولم يخول ولم يقل كلمته من خلال نخبه الثقافية التي تبدو كما لو أنها محرجة؟

واقعيا فإن السلطتين والحركتين (فتح وحماس) في صراعهما وحوارهما ومكائدهما وعلاقاتهما الخفية ومصادر تمويلهما وخططهما ومشاريعهما هما في مكان بينما يقف الشعل الفلسطيني، حامل القضية والمأساة معا في مكان آخر، مكان بعيد لا تصل إليه الأعين إلا من أجل الإشفاق والمؤازرة.

حماس والسلطة يتصارعان على مواقع نفوذ. أين تقع تلك المواقع؟

مشكلة الإدارة الترامبية أنها لا تفرق بين وكالة غوث اللاجئين وممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة. وهو تصرف لا ينم عن غباء بل عن خبث ومحاولة لخلط أوراق، أثبتت الوقائع بعد اتفاقية أوسلو أن مكاشفة السلطة الفلسطينية والآن حلت حماس إلى جانبها يجب أن لا تتم من خلال الاضرار بمصالح الشعب الفلسطيني الذي لا يزال بسبب كسل المجتمع الدولي في حاجة إلى مَن يمد له يد العون.

كان من الضروري أن يكون واضحا بالنسبة للمجتمع الدولي أن الأنروا كيان تنظيمي لا علاقة له بالسياسة. لذلك فإن المس به يعبر عن قطيعة مع القيم الإنسانية التي كان من المفترض أن تعوض جزءا مما سببته السياسة من خسائر كارثية.

اما يتعلق بالموقف من حركة حماس أو السلطة الفلسطينية فإن الولايات المتحدة وسواها من الدول المعنية بالمسألة الفلسطينية كانت ولا تزال حرة في اتخاذ ما تجده مناسبا لسياستها التي تنطلق من منظور تحدده طبيعة علاقتها الاستراتيجية بإسرائيل.

المفهوم نفسه يمكن أن يطبق على طريقتي النظر إلى القضية الفلسطينية، بالحق وهو تعبير تجريدي وبالشعب وهو تعبير مادي اللذين تنطوي عليهما، هذا من جهة ومن جهة أخرى إلى حماس وسلطة رام الله باعتبارهما قوتين تتصارعان على القضية الفلسطينية لا من أجل خدمتها والدفاع عنها والحفاظ على ثوابتها التي تستند إلى الحق والشعب بل من أجل احتكارها واستعمالها واجهة والانتفاع منها قدر ما تسمح به الظروف.

لقد تنقل الفريقان بين الاستجداء والابتزاز، واضعين القضية الفلسطينية على مذبح مصالحهما التي لا تستثني إسرائيل، باعتبارها العدو الذي لا يرى في الحق الفلسطيني حقاً ولا في الشعب الفلسطيني شعباً.

المشكلة التي يواجهها الكثيرون في محاولة التعرض لما يجري من مناورات سياسية، طرفاها حماس والسلطة تكمن في ذلك الخلط المتعمد بين الفلسطينيين شعبا والكيانات السياسية التي تدعي تمثيلهم وهي التي تعمل في الوقت على استعمالهم دروعا بشرية تخفي وراءها أطماعها.     

ينبغي قطع الخيط العاطفي الذي يربط بين الإثنين عنوة وقسرا من أجل أن يتحرر الكثيرون من عقدة ذنب لا وجود لها.

ما يفعله فريقا الصراع، حماس والسلطة، سواء على مستوى العلاقة بالدول الممولة أو على مستوى العلاقة بإسرائيل انما يؤكد حالة الانفصال بينهما وبين القضية الفلسطينية. فهما عبارة عن تاجرين. يغضبان حين تلحق بهما الخسارة ويصمتان تلذذاً حين يربحان. وهذا ما صار واضحا لكل مَن له اهتمام بالمسألة الفلسطينية على الصعيد السياسي.

إسرائيل هي أول العارفين وهي كاتمة أسرار الطرفين.

ولو شاءت إسرائيل أن تعقد اتفاقا نهائيا للتسوية بالشروط التي تناسبها لما وجدت في حماس والسلطة معا مَن يخالفها الرأي. غير أنها تفضل أن يستمر الطرفان الفلسطينيان في تجارتهما في انتظار اللحظة التاريخية المناسبة لإطلاق مشروعها الذي سينحيهما جانباً. فهي تعرف أن لا مستقبل لهما في ظل اليأس الذي يخيم على الشعب الفلسطيني.