
حملة تطهير في الرقة لتعقب خلايا داعش
دمشق - شنت قوات سوريا الديمقراطية حملة تطهير واسعة لأحياء في مدينة الرقة خوفا من خلايا نائمة للجهاديين وبعد تصاعد الهجمات التي يشنها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ضد قوات حماية الشعب الكردي.
وشن التنظيم المتطرف هجمات مروعة في الأشهر الأخيرة ليهدّد بذلك الاستقرار في معقله السابق في سوريا.
و في أحد أحياء مدينة الرقة، يراقب يوسف الناصر من على سطح بيته قوات الأمن الكردية أثناء تمشّيطها المنازل واحداً تلو الآخر، بحثاً عن خلايا تنظيم الدولة الإسلامية.
ويقول الناصر (67 عاماً) "من الطبيعي أن يخاف المرء على عائلته وأولاده وأصدقائه"، مضيفاً أن أقصى ما يتمناه هو "استقرار المدينة والحفاظ على أمنها" الذي كان مناله صعباً.
وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية التي خاضت معارك شرسة ضد التنظيم المتطرف وتمكّنت من طرده من آخر معاقله العام 2019، أنّها أحبطت نهاية العام الماضي هجوماً استهدف مقراً تابعاً لها يضم سجناً فيه المئات من عناصر التنظيم في مدينة الرقة في شمال البلاد.
وأعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم الذي أودى في 25 كانون الأول/ديسمبر بحياة ستة عناصر من القوات الكردية. وقال إنّ اثنين من مقاتليه نفّذاه وتمكن أحدهما من الفرار.
ويوضح الناصر بينما يلازم منزله في حي شعبي على أطراف المدينة "إذا عاد تنظيم داعش ستقع كارثة".
ومنذ إعلانه "دولة الخلافة" وسيطرته على مناطق واسعة، شكّلت الرقة المعقل الأبرز للتنظيم في سوريا وشهدت على فظاعات وإعدامات وحشية ونجح في بثّ الرعب فيها. وبعد معارك عنيفة خاضتها ضده، تمّكنت قوات سوريا الديمقراطية بدعم أميركي، من طرد التنظيم منها في تشرين الأول/أكتوبر 2017.
لكن رغم خسارة أبرز معاقله تباعاً، يواصل التنظيم تبنّي هجمات من خلال خلاياه النائمة. وتمكن من إثارة الخوف مجدداً في نفوس سكان الرقة بعدما تسلّل اثنان من عناصره، في هجوم قال التنظيم إنه "في سياق الانتقام المتواصل لأسرى المسلمين" خصوصاً النساء المحتجزات في مخيمات في شمال شرق سوريا.
وإثر الهجوم، أعلن مجلس الرقة المدني، التابع للإدارة الذاتية الكردية حالة طوارئ وحظراً للتجول في المدينة. وأطلقت قوات سوريا الديمقراطية وقوات الأمن الكردية (الأسايش) بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، حملة يشارك فيها خمسة آلاف مقاتل.
لا أمان

وبينما ينتشر المئات من المقاتلين المدججين بأسلحتهم في المدينة وتجوب مدرعات في أنحائها، يبدو القلق واضحاً على وجوه السكان والأطفال الذين يلازمون منازلهم، استجابة لنداء عبر مكبرات الصوت يطلب منهم عدم التجول في أحيائهم أثناء تمشيطها.
وتشهد مداخل المدينة إجراءات أمنية مشددة مع انتشار حواجز يتولى عناصرها التفتيش والتدقيق في الهويات.
وتقول فايزة الحسن (45 عاماً) بعد تمشيط عناصر من قوات الأساييش منزلها "لم نعد نشعر بأمان لأن يخرج أطفالنا من المنزل بسبب عدم الاستقرار في الفترة الأخيرة".
وتضيف "الوضع في الوقت الحالي صعب جداً".
وبموجب الحملة الأمنية التي انطلقت في 25 كانون الثاني/يناير، أوقفت القوات الكردية 150 شخصاً مشتبه بهم العمل ضمن خلايا التنظيم، بينهم قياديون، وفق ما يوضح العميد علي الحسن من إدارة قوات الأمن الداخلي لشمال وشرق سوريا.
وتهدف الحملة إلى "السيطرة على نشاط خلايا داعش الإرهابية"، وفق الحسن الذي يتحدّث عن "تغيير في إستراتيجية داعش، إذ انتقل من الهجوم الفردي الى الهجوم الجماعي الذي يستهدف مراكز تجمع مقاتليه المعتقلين لدينا ضمن السجون المركزية".
ويضيف "يبدو وكأن هناك تخطيط كبير للسيطرة على السجون وإحداث بلبلة وفوضى أمنية. وبناء على هذه المعطيات أطلقنا الحملة".
ويُعد هجوم الرقة الأخير الأكبر ضد سجن منذ الهجوم الذي شنه العشرات من مقاتلي التنظيم على سجن غويران في مدينة الحسكة في كانون الثاني/يناير 2022، وأسفر عن مقتل المئات من الطرفين.
ويرى الحسن أن التنظيم المتطرف "يحاول إعادة هيكلة نفسه من خلال هذه العمليات".وفيما يثني عدد من السكان على عمليات التمشيط، يرى البعض أنها غير كافية.
وفي كل مرة يسمع فيها أحمد الحمد (30 عاماً) عن هجوم ينفذه عناصر التنظيم، يخشى أن يعيش مجدداً تجربة النزوح. ويرى أنه "مهما تم إطلاق الحملات الأمنية، لن يكون بإمكانهم سحب كل الأسلحة الموجودة".
ويقول الشاب الذي يقطن في حي الرميلة قرب سجن يضم عناصر من التنظيم "نتخوف من وجود السجن المكتظ بعناصر التنظيم والمجرمين"، معتبراً أنه "يجب أن يكون في مكان يبعد أكثر من عشرة كيلومترات على الأقل عن المدينة".
ولا يخفي الحمد هواجسه. ويضيف بحسرة "نتخوف من كل شيء لأننا لا نملك شيئاً: لا نمتلك مؤسسات ولا امكانيات مادية واقتصادية" في وقت يقترب النزاع الذي استنزف سوريا من دخول عامه الثاني عشر.