حمية غذائية غير رائجة تقلب الموازين
واشنطن - أظهرت تجربة سريرية جديدة استمرت لمدة عام، أن شكلاً شائعًا من الصيام المتقطع يُعرف بطريقة 4:3، يؤدي إلى فقدان وزن أكبر وتحسن في المؤشرات الصحية مقارنة بتقليص السعرات اليومية بشكل تقليدي.
وقد نُشرت الدراسة في مجلة "حوليات الطب الباطني"، وكشفت أن هذا النهج لا يُعد فقط أسهل من حيث الالتزام به، بل قد يكون أيضًا أكثر فعالية لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد على إنقاص أوزانهم.
الدراسة التي قلبت الموازين
قاد الدراسة باحثون من كلية الطب بجامعة كولورادو، وشارك فيها 165 شخصًا من البالغين المصابين بزيادة الوزن أو السمنة. وجرى توزيع المشاركين عشوائيًا على نظامين غذائيين: إما طريقة الصيام المتقطع 4:3، أو نظام تقليص السعرات اليومية. تلقّى كلا المجموعتين دعمًا يشمل اشتراكات في صالات رياضية، واجتماعات جماعية مع أخصائيي تغذية، وأهدافًا واضحة للتغذية الصحية والنشاط البدني.
تقوم خطة 4:3 على تقليص مدخول الطاقة بنسبة 80 بالمئة في ثلاثة أيام غير متتالية أسبوعيًا، في حين يُسمح بتناول الطعام بشكل طبيعي في الأيام الأربعة الأخرى، مع تشجيع على الأكل الصحي وتجنب الإفراط. أما مجموعة تقليص السعرات اليومية، فقد التزمت بخطة صارمة لتقليص مدخولها اليومي بنسبة 34 بالمئة، وتضمّن النظام 55 بالمئة كربوهيدرات، 15 بالمئة بروتين، و30 بالمئة دهون.
بنهاية الأشهر الاثني عشر، فقد المشاركون في مجموعة 4:3 ما يعادل 7.6 بالمئة من أوزانهم، مقارنة بـ5 بالمئة في مجموعة تقليص السعرات اليومية. قد تبدو هذه الفروق بسيطة، لكنها كانت ذات تأثيرات صحية مهمة.
فوائد الصيام المتقطع لم تقتصر على فقدان الوزن، بل شملت أيضًا تحسّنًا في عدد من المؤشرات الصحية، مثل انخفاض ضغط الدم الانقباضي، وتحسّن مستويات السكر في الدم أثناء الصيام، وانخفاض في الكولسترول الكلي و"السيئ" (LDL)، وهي مؤشرات ترتبط مباشرة بخطر الإصابة بأمراض القلب والسكري.
قالت الدكتورة فيكتوريا كاتيناتشي، وهي إحدى الباحثات الرئيسيات في الدراسة ومتخصصة في طب السمنة، إن النتائج كانت مفاجئة ومبشرة، موضحة: "من المشجع أن نرى أن هذه الطريقة تؤدي إلى نتائج أفضل... إنها استراتيجية مدعومة بالأدلة، خاصة لمن يجدون صعوبة في حساب السعرات يوميًا".
وأشارت شريكتها في البحث، الدكتورة دانييل أوستندورف، إلى أن هذه الطريقة قد تكون الأنسب من حيث التطبيق الواقعي، قائلة: "طريقة 4:3 مرنة بما يكفي لتناسب نمط الحياة، ولكنها صارمة بما يكفي لإحداث عجز فعلي في السعرات".
لماذا تنجح طريقة 4:3 مقارنة بغيرها؟
تميّزت هذه الدراسة عن سابقاتها بكونها عالجت نقطة غالبًا ما تُهمل: وهي موازنة العجز في السعرات بين المجموعتين. فسواء تم تقليص السعرات في ثلاثة أيام أو كل يوم، كان الهدف هو تقليل مدخول السعرات بنسبة 34 بالمئة أسبوعيًا، مما أعطى للنتائج وزناً أكبر.
أوضحت الدكتورة أوستندورف السبب المحتمل لتفوق طريقة 4:3 قائلة: "يومان فقط من الصيام أسبوعيًا قد لا يكونان كافيين لإحداث تغييرات كبيرة، لكن الصيام يومًا بعد يوم يمكن أن يكون مرهقًا جدًا. 4:3 تحقق توازنًا جيدًا".
وتدعم الأرقام هذا الرأي: 58 بالمئة من المشاركين في مجموعة الصيام المتقطع حققوا فقدانًا بنسبة 5 بالمئة أو أكثر من وزنهم (وهو هدف ذو قيمة صحية معتبرة)، مقارنة بـ47 بالمئة في مجموعة تقليص السعرات اليومية.
من أبرز المفاجآت أن المشاركين في مجموعة 4:3 لم يستهلكوا سعرات أقل فحسب، بل التزموا بالنظام بشكل أفضل. استخدم الباحثون طريقة علمية تُعرف بتقنية الماء مزدوج التوسيم لتتبع مدخول السعرات بدقة من خلال تحليل كيفية معالجة الجسم للهيدروجين والأوكسيجين.
وقد أظهرت النتائج أن مجموعة 4:3 التزمت بالخطة بشكل أفضل من مجموعة تقليص السعرات، ما انعكس على معدلات الانسحاب من الدراسة: فقط 19 بالمئة من مجموعة الصيام انسحبوا بحلول نهاية العام، مقابل 30 بالمئة في المجموعة الأخرى.
في الصيام، لا تحتاج للتفكير في الطعام كل يوم
تقول الدكتورة كاتيناتشي: "في الصيام، لا تحتاج للتفكير في الطعام كل يوم، وهذا قد يقلل من الشعور بالإرهاق".
كما أن الخطة كانت مرنة من حيث اختيار الأيام الثلاثة للصيام، بحيث يمكن للمشاركين تنسيقها مع جدول أعمالهم أو مناسباتهم الاجتماعية. في أيام الصيام، كانت النساء تستهدف بين 400 إلى 600 سعرة حرارية، والرجال بين 500 إلى 700، بحسب حجم الجسم. أما في أيام الأكل العادي، فلم تكن هناك قيود صارمة، لكن كان هناك توجيه قوي نحو الأكل الصحي وضبط الحصص.
كلا المجموعتين حصلتا على جلسات دعم جماعية يقودها أخصائيو تغذية. كانت اللقاءات أسبوعية في أول 12 أسبوعًا، ثم أصبحت كل أسبوعين. كما تم منح المشاركين اشتراكًا مجانيًا في نادٍ رياضي، وشُجّعوا على ممارسة الرياضة بمعدل 300 دقيقة أسبوعيًا.
تقول الدكتورة أوستندورف إن هذا الجانب كان حاسمًا لنجاح التجربة: "الدعم منح المشاركين إحساسًا بالمسؤولية وبنية واضحة، وهذا يتماشى مع التوصيات السريرية الحديثة لعلاج السمنة".
من خلال دمج نموذج 4:3 مع الدعم الجماعي والأدوات الرياضية والتوجيه المهني، تمكن فريق البحث من خلق بيئة ساعدت المشاركين على الالتزام بأهدافهم.
ولا يعتزم الباحثون التوقف عند هذا الحد. فهم الآن يدرسون كيف يمكن لطريقة 4:3 أن تفيد فئات محددة، مثل الناجين من سرطان الثدي، وكبار السن، والأشخاص المصابين بحالات مزمنة كداء السكري وأمراض القلب. وقد تم بالفعل الانتهاء من تجربة أولية مع 15 من الناجيات من سرطان الثدي، وهناك مرحلة جديدة ستنطلق قريبًا.
كما يقوم الفريق بتحليل عينات من البراز والدم لدراسة تأثير الصيام على ميكروبيوم الأمعاء والهرمونات المرتبطة بالجوع والتمثيل الغذائي. قد تفسر هذه النتائج لماذا ينجح الصيام أكثر عند بعض الأشخاص.
وقالت الدكتورة أوستندورف: "نعتقد أن فترات الصيام قد تحمل فوائد أيضية أخرى، وما زلنا نحلل البيانات، لكننا نشتبه في أن الالتزام هو العامل الأكبر".
وأشارت الدكتورة كاتيناتشي إلى أن الفريق يسعى الآن للحصول على تمويل طويل الأمد لدراسة تأثير طريقة 4:3 على مدى سنتين أو ثلاث، بدلًا من سنة واحدة فقط.