حول جوهر لا إسلامية الحملة التركية على الكرد: وجهة نظر إسلامية

البعد الحقيقي للحملة التركية على الأكراد هو بعد قومي. أي ربط بأنها حملة إسلامية هو تجن على أهم مبادئ التفريق بين الظلم والعدل.

ترجمة د. فاتح سنكاوي

في الرؤية الإسلامية للسياسية، فإن الظلم والعدالة، والمصالح والمفاسد، ومفاهيم مشابهة تعدّ معايير للتقييم والحكم، لا "الكفر" و"الإيمان". وعلى هذا الأساس، فإن الظلم والاعتداء من قبل المسلم أو الإسلامي ليس غیر مقبول فقط، إنما أشدّ قبحاً بحكم التباسه أو اختلاطه باسم الله والإسلام ومقدساته.

 لهذا من حق المسلم أن يدافع عن نفسه أمام المسلم المعتدي [فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي...] والكرد ومنذ أكثر من مئة سنة تعرضوا ويتعرضون لـلظلم و"البغي". وبناء على ما سبق، فإن الانتماء الإسلامي لرئيس تركيا الحالي ورؤسائها السابقين وحكومات أخرى في المنطقة، أو أي قوة أخرى، لا يغير من طبيعة الاعتداء لهذه الهجمات والحملات، التي تشن ضد الشعب الكردي، ولا يغير من عدالة مطالبه وحقوقه المشروعة بما فيه حق الاستقلال. وأن دينية أو عدم دينية توجهPKK أو أيّة قوة كردستانية أخرى، لا تغير من أحقية وعدالة القضية الكردية. وأيّا كان معتقدهم أو أيديولوجيتهم، فهم ممثلو قضية عادلة، ألا وهي القضية الكردية.

وفي هذا الإطار من حقنا ومن الواجب أحياناً، أن ننتقد الأخطاء السياسية لـ PKKو PYD والقوى الأخرى، تكتيكاتهم وأسلوب نضالهم وكيفية إدارتهم للصراع وكذلك تحليلهم السياسي وتحديد تحالفاتهم، خدمة للحركة السياسية لأمتنا. ونحن ضمن الأقلام، التي ساهمت في الماضي في هذه المهمة، وقمنا بهذا الواجب الوطني والأخلاقي والفكر مع الآخرين.

كل هذا يختلف عن التهاون تجاه قضيتنا القومية العادلة، بمبررات فكرية مختلفة أو الأداء السيء لقواها السياسية. وفي نفس الإطار وبغية إلقاء الضوء وبصيرة أكثر على علاقة الإسلام والنظرة الاسلامية بالهجمات على شعبنا المسلم العريق، وفضح استغلال الإسلام لخدمة أغراض سياسية غير إسلامية، إنما قومية بحتة، نتخذ من الهجمات التركية الحالية على غرب كردستان كنموذج، ونلفت الأنظار إلى النقاط التالية:

تركيا دولة قومية وتقوم بالعمل الذي تقتضيه مصالحها القومية.

الجيش التركي جيش قومي، يقاتل من أجل سمو الترك والدولة التركية.

إن أراض تركيا لا تمثل أراضي المسلمين بالمفهوم الفقهي والتاريخي، والأمة التركية لا تمثل الأمة الإسلامية، والدولة التركية هي ليست الخلافة الإسلامية. بل كل ذلك نتاج وإفراز للحداثة الغربية والكمالية.

في كل زمان ومكان حينما تشعر الدولة والجيش التركيان أن هناك منافع تقتضيها مصلحتها القومية، فإنهما لا يهتمان ولا يكترثان لعقيدة الطرف الآخر أو دينه. أليس هناك آلاف المحجبات ورجال مسلمون ملتزمون من جماعة كولن في سجون تركيا، فقط لاتهام تلك الجماعة بمشاركة الانقلاب العسكري؟ أليس لتركيا علاقات مع إسرائيل وكانت إسرائيل تدعمها لسنين في حربها ضدPKK؟ وأن حجم العلاقات التجارية بينهما وصلت لـ5 مليار دولار؟ من هنا يمكن الافتراض بالقول، حتى لو قامت قوة كردية إسلامية بحمل السلاح وطالبت بحقوق شعبه أو لم ترضخ لمطالب الحكومة التركية، فإنها من دون أدنى ريب أو تردد ستحارب من قبل تركيا. لأن هذا هو منطق الدولة القومية، الذي لديها مع مشكلة التعددية القومية القوميات الأخرى داخلها، ولا تكترث لحقوقهم، ولا تمتلك رؤية جريئة وحقيقية لحل قضاياها، بما ترضيها حتى مع ضمان عدم الانفصال وضمن دولة فدرالية وتقسيم للسيادة الداخلية.

إذا كان انتقاد تركية لـPKK انتقاداً عقائدياً، وليس رفضاً للقضية الكردية، فإن PKK في الأساس ظهر كردّ فعل على النظام العلماني القومي المتطرف المستبد الكمالي، وبعد ذلك قاموا بالنضال المسلح. بمعني أنهم لم يظهر في عهد حزب العدالة والتنمية، لا ضد سلطة إسلامية، ولهذا فإن مشكلة السلطات الحالية التركية مع  PKK هي سياسية، لا دينية. وهي بالأساس مشكلة الدولة القومية التركية مع القضية الكردية. ولا يعدّ الدين أكثر من وسيلة لخدمة الصراع السياسي والعسكري الدائر منذ عشرات السنين بين الجانب الكردي والحكومات التركية المتعاقبة. ألم يجلسوا مع مسؤولي PKK وحاوروهم في إطار عملية السلام؟ أسمعتم مرة أنهم طالبوهم بترك عقيدتهم والعودة للإسلام؟ أم طالبوهم بترك السلاح والاتفاق معهم؟

إن كان "الدين" و"اللاديني" مقياساً للسياسة وللتعامل مع الآخر، فإن الحزب الأتاتوركي GHP لم يبق شيئا في التاريخ الحديث إلا واستخدمه ضد الإسلام والإسلاميين في هذا البلد، والآن يشكل أكبر قوة معارضة داخل تركيا، وهو يدعم هجوم الجيش علي غرب كردستان، فلماذا لا يمنعونهم، على العكس يقبلون بوجودهم؟

وفي جانب آخر يبقى السؤال هل كان هذا الدعم والتأييد من قبل هذا الحزب العلماني، المتطرف تاريخياً، بسبب الطبيعة الدينية للحرب أو الحملة أم بسبب طابعها القومي؟! ولهذا علينا أن نكون على بصيرة، صحيحة، فبرغم أن الفكر اليساري لـ PKK قد استخدم في بعض جوانبه لضرب القضية الكرية وأضرت بنا، وهذا بحث آخر وليس موضوع بحثنا هنا، ولكن استخدام أسم الإسلام وقراءة سورة "الفتح" في مساجد وجوامع تركية، لا يغير من الطبيعة السياسية والقومية العنصرية للحرب والحملة العسكرية، ولا يجعل من تركيا وجيشها إلى جانب صف المؤمنين، ولا يحول الآخر المقابل لهم إلى كفاراً ومشركين. لأن هذا الجيش طول تاريخه الحديث كان جيشاً للظلم وللقمع، جيش معاد للإسلام وللكرد والديمقراطية وحارس لنظام علماني متطرف. والآن رغم وجود حزب ذي خلفية إسلامية في الحكم والتغيرات، التي جرت عليه، ظلّ هذا الجيش يخدم منطق الدولة القومية التركية ومصالحها، وهذا ليس عيباً شرط آلّا يكون على حساب الشعوب الأخرى.

إن خلط أسم الإسلام مع هذه الحرب وتبريرها هو استغلال واضح وتوظيف خاطئ للدين في خدمة حرب القومية، وتعبئة للرأي العام لتأييدها وتسويغ لشرعية حملة ظالمة. ونرى بأن هذا النوع من استخدام الدين فيه إساءة للإسلام وقيمه قبل كل شيء. لذا يتوجب علينا إدانته بكل جرأة وصراحة. ويتعين علينا كمفكرين وقادة إسلاميين وأحزاب إسلامية سحب الشرعية عن هذا الاستخدام، كي يظلّ الاسلام كما هو دوماً صرخة كونية ضد الظلم، ونحول دون تأثر الجيل الجديد سلبيا بهذه الحالة، ويلحق الضرر بالتدين الأصيل للأمة الكردية، جراء شعور الكرد العميق بالغبن الناجم عن استغلال الإسلام في العداء لهم.

صحيح أن رئيس تركيا وجيشه ليسا ضد الكرد ككرد، ولكن دون أدنى شك أنهما ضد وجود القضية الكردية، ضد أي كردي ينحاز للقضية الكردية أيّا كان معتقده، ويطالب بحقوقه القومية والمساواة مع الترك والشعوب الأخرى المسلمة. وفي هذا الإطار فإن نشوء PKK كان نتيجة لسياسة الاضطهاد، التي واجهها هذا الشعب، ونتيجة لوجود القضية الكردية، وليست القضية الكردية نتاج أو إفراز لوجود PKK والتطرف الفكري لحزب العمال الكردستاني، كما يزعمون. على العكس فإن وجود PKK كان ردة فعل تجاه التطرف الكمالي وعمق الاضطهاد الذي عاناه الكرد طوال تاريخهم في تركيا، الذي مازال مستمرا بشكل من الاشكال حتى اليوم. وليس لدى الدولة التركية، رغم بعض الاصلاحات التي قام بها بداية حزب العدالة والتنمية في إطار العملية السلمية، التي كانت مهمة في حينها، استعداد كاف لحل القضية الكردية حلاً عادلاً، حقناً للدماء وخدمة للشعبين المسلمين والمنطقة بأسرها. ليت الدولة التركية كانت ضد PKK فقط، ولم تكن ضد القضية الكردية والحقوق القومية للشعب الكردي، ألا ليت لديها الاستعداد الآن لحل القضية حلاً عادلاً، خارج إطار الحزب العمال الكردستاني.

إذا كان جوهر مشكلة تركيا مع القوي الكردية عقائدي أو معتقدي. فيمكن القول بالمقابل إنه ليس هناك من دولة أو نظام، نظير النظام السوري، أكثر علمانية وأشدّ تعصباً ولا ديمقراطية وقوموية عنصرية، وأكثر قمعاً ودموية للشعب السوري المسلم والإسلاميين، منذ مأساة حماة 1982، التي راحت ضحيتها عشرات الآلاف من الضحايا، مرورا بمأساة الثورة السورية وحتى اليوم. ولكن مع ذلك ينسق الجانب التركي معه، ويفضل تسليم غرب كردستان له برمتها اليوم، كي تعود لسيطرته حتى قبل بلورة الحل السياسي الشامل! لأن الهدف الأهم بالنسبة لتركيا هو ألا تبقى هذه المناطق تحت سيطرة القوى الكردية، وأن ينتهي وجود هذا الحكم الذاتي الكردي في هذا الجزء من كردستان. ولدى تركيا الاستعداد لقبول سيطرة الروس الأرثوذكس على هذه المنطقة، المهم أن يسحب البساط من تحت أقدام الكرد. لذا فإن هذه المسألة لا تتعلق من قريب أو بعيد بـ"الإسلام" أو"العقيدة" كما يروّج أنصار ومؤيدي الرئيس التركي. لذلك يتوجب على المسلم والإسلاميين الكرد وكل إسلامي غيور على هيبة دينه والأخوة الإسلامية بين شعوب المنطقة التفكير في ضوء المبادئ التالية:

ينبغي أن يكون الإسلام والرؤية الإسلامية مصدر الإلهام الذي يعالج من خلاله شعبنا -وكل مستضعف- الشعور بالنقص إزاء القوميات والحركات القومية الأخرى، لإثبات المساواة معها في درجة الإيمان والإنسانية. ويمنحه الاعتزاز الأخلاقي ويعيد له الثقة بالنفس وروح المساواة مع الآخر. وللأسف لم تحقق الحركة القومية الكردية نجاحاً كبيراً على هذا الصعيد ولديها مشكلة جدية بهذا الخصوص. ربما يرجع جزء منها الي تأثرها باليسار وابتعاد جزء من قيادتها عن الروح الإسلامية. فالروح الإسلامية تعزز لدى الجميع الإيمان بفكرة مساواة المسلمين والشعوب الإسلامية أمام الله، وبالتالي تعارض فكرة الشعب المختار، وهذا ما يرسخ القناعة بفكرة العدالة الكونية، حينما تتفاعل مع مشروع وطني لشعب مسلم. هذه الروح التي كان يحملها الشيخ النهري والشيخ عبدالسلام البارزاني والشيخ سعيد بيران والشيخ محمود والقاضي محمد، وجمعية ژيانى كرد ومناضلين وقادة تاريخيين آخرين لشعبنا.

ينبغي نواجه بجرأة تلك المحاولات، التي يستغل فيها الدين والحس الديني، بصورة غير سوية وسيئة ضد شعبنا، أو ضد أي شعب آخر، وتقديمها بصفتها إساءة للإسلام ذاته قبل كل شيء. لذا من واجب كل مسلم غيور وإسلامي مسؤول رفضها والتصدي لها.

إن مبدأ مساواة الشعوب والقوميات والعدالة في الرؤية الإسلامية، يسمحان لنا، في عصر انقسام العالم على أساس قومي، أن نفهم بدورنا مصالحنا القومية، ونحاول اكتشافها والحفاظ عليها، ونعدّ ذلك نقطة مشتركة بين كل القوى الكردية والكردستانية، مع اختلاف وتباين انتماءاتها.

من الطبيعي أن يكون للإسلاميين رؤيتهم ولغتهم الخاصة وخطابهم في ردّ الاعتداءات والتمادي على حقوق شعبنا ووجوده، مثل التركيز على أن هذه الاعتداءات والحملات وإدامتها وعدم حل القضية الكردية، مخالف تماماً لمبدأ أخوة شعوب المنطقة، وإن من شأن هذا أن يزيد الغضب والحقد القوميين ويفتح المجال للتدخلات الخارجية. ويعوّق الطريق أمام وحدة المسلمين في إطار جديد، نظير الاتحاد الأوربي. اتحاد يضمن التعاون بين القوميات المستقلة. أو كما سماها سعيد نورسي باتحاد الجمهوريات الاسلامية المستقلة.

ضرورة التفريق بين القضية الكردية والفكر أو الانتماء الفكري والسياسي للقوى الكردية. والتأكيد على أن القضية الكردية بحدّ ذاتها قضية حقّة وعادلة بمعزل عمّن يمثلونها. وأن عدم حل هذه القضية تبقي شعباً أصيلا مشاركاً في تاريخ وحضارة المنطقة تحت وطأة الظلم وهذا يتعارض مع العدالة الإلهية والإخوة الإسلامية بين شعوب المنطقة.