حول نقد الفتوحات الاسلامية

المثقف التافه يعتقد أن التاريخ ينبغي أن ينظر اليه ويعاد تقييمه منذ حضارة السومريين بمفاهيم وقيم القرن الحادي والعشرين.

من الخطأ النظر الى الفتوحات الاسلامية من منظور القيم والبيئة الفكرية والسياسية والأخلاقية والعلاقات الدولية للقرن الحادي والعشرين، كما أن تقييمها من خلال ذلك ليس في الحقيقة سوى عملية خداع والتفاف حول الحقائق.

فتقييم الفتوحات الاسلامية ينبغي أولا وقبل كل شيء أخذ البيئة التاريخية بالاعتبار.

وكمثال على ذلك فان تجارة الرقيق ظلت شرعية ومسموحا بها في أميركا حتى العام 1865 حين صدر قانون تحريم الرق. واذا كان تحرير الرق قد تأخر قليلا في الولايات المتحدة عن بعض الدول الأوروبية كفرنسا لكنه كان سائدا وشرعيا في عموم أوروبا خلال مئات السنين قبل ذلك.

وفي تلك العصور فان من غير الممكن توجيه نقد لملك أو حكومة بعينها في اوروبا بحجة أنها كانت تقوم باسترقاق البشر وتتيح تلك التجارة المقيتة طالما أن درجة التطور التاريخية للبشرية لم تصل الى تحريم الرق.

واذا عدنا للفتوحات، فان أي قارئ منصف للتاريخ لا بد أن يميز بين حروب تحمل دعوة وفكرة سامية وتنتج حضارة وثقافة وتكون موجهة ضد أنظمة حاكمة تضهد شعوبها وبل وتكون تلك الأنظمة مؤسسة من طغمة عسكرية أجنبية غريبة عن ثقافة السكان وهويتهم كحال بلاد الشام ومصر والعراق والتي كانت محكومة بطغم عسكرية رومانية وفارسية، أقول لا بد من التمييز بين هكذا حروب وحروب أخرى تحمل القتل والابادة والدمار والاستعباد كما هي حروب المغول أو الصليبيين.

دعونا من الفتوحات الاسلامية قليلا وللنظر الى نوعين من الفتوحات:

الأول هو فتوحات الاسكندر المقدوني. فالاسكندر المقدوني انطلق من اليونان وحارب وهزم الامبراطورية الفارسية وأنشأ امبراطورية عالمية وكان يريد جعل بابل عاصمة لها، وقد نتج عن فتوحاته دمج ثقافات متعددة فيما يعرف بالحضارة الهيلينية، وتمازج بين الأعراق والأفكار الانسانية أعطى التاريخ البشري والحضارة دفعا نحو الأمام لا يمكن انكاره والتقليل من شأنه حتى ولو كان ثمنه حروب كبرى سقط فيها مئات الألوف من الناس وترافقت بدون شك مع استعباد كثير من الرجال والنساء، بل وأعمال نهب وسلب في مرحلة معينة على الأقل.

النوع الثاني والذي لا يصح تسميته بالفتوحات سوى مجازا هو حروب الامبراطورية المغولية التي كان يقول مؤسسها "الأرض التي تدوسها سنابك خيلي لا ينبت فيها العشب"، فقد كانت حروب توسع واحتلال وابادة ونهب، لم تحمل معها الحضارة ولا الثقافة ولا دعوة انسانية بل وأنتجت نكسة في تاريخ التقدم للبشرية.

والسؤال: هل يمكن النظر الى حروب الاسكندر المقدوني (التوسعية) اليوم بمنظار القرن الحادي والعشرين باعتبارها مجرد غزو من شعب لشعب آخر وعملا من أعمال التوسع والاحتلال؟

بالتأكيد فان نظرة كهذه ستكون مستحقة للسخرية لما فيها من الضحالة والسخف.

اليست تلك النظرة السلبية للفتوحات الاسلامية التي حررت بلاد الشام من الهيمنة الرومية الغريبة عن السكان ثقافة ولغة وهوية، وجلبت لهم نظاما أكثر عدلا وانسانية وأقرب لثقافتهم وهويتهم وأنتجت الحضارة العربية – الاسلامية العظيمة، تشبه ادانة فتوحات الاسكندر المقدوني من قبل مثقف تافه يعتقد أن التاريخ ينبغي أن ينظر اليه ويعاد تقييمه منذ حضارة السومريين بمفاهيم وقيم القرن الحادي والعشرين؟