حين يتوقف الساحر عن ممارسة السحر

دمشق
الحفافة والساحر

قدم رضوان الكاشف من خلال فيلمه الروائي الثالث "الساحر" الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان دمشق السينمائي الدولي الثاني عشر فيلما حافلا بعوالم الحارة الشعبية وحياة الناس البسطاء في ما يعانونه من بؤس وحرمان.

وقد سبق للكاشف ان صور هذا العالم وعالم الاشخاص الهامشيين في فيلمه الاول "ليه يا بنفسج؟" الا ان سيناريو "الساحر" الذي وضعه سامي السيوي لا يتمحور حول قصة واحدة بل هو عبارة عن مجموعة من القصص، محورها الحارة او البناء الذي يعيش فيه الساحر منصور بهجت.

وعلى عكس ما يوحي به العنوان فالمشاهد يتعرف على الساحر بعد ان كف عن ممارسة السحر. فمنصور متقاعد وهو، عبر روحه الخفيفة، يشكل نوعا من المحور الجامع للقصص والحكايات التي تتتالى.

ويلعب الدور ببراعة الفنان محمود عبد العزيز الذي يرفض في البداية وفود شوقية (سلوى خطاب) للعيش مع ابنها في الغرفة التي فوق السطوح قبل ان يعتاد على هذا الوجود. وشوقية مزينة عرائس تلقب بـ "الحفافة" تسعى لقتل زوجها الذي جرح انوثتها بزواجه من اخرى. اما ابنها علي فهو مهدد بفقدان بصره كليا اذا لم تجر له عملية جراحية.

الى جانب هذه الشخصيات هناك الجار السائس المسن الذي امضى حياته في تربية الخيول وظل يحلم بان يقتني احدها من دون ان يستطيع وهناك ايضا الصياد الشاب العاجز جنسيا والذي يظل يأمل بان تعود اليه ذكورته دون جدوى. وهناك وبصورة اساسية الابنة المراهقة (تؤدي دورها الفنانة الشابة منى شلبي) التي تكتشف انوثتها في وقت يفرض عليها الوالد البقاء في المنزل خوفا عليها.

من البداية تبدو تربية الوالد لابنته اشكالية فهو يحرمها حتى من المدرسة ، حرمانا يولد لديها ردة فعل شديدة، خاصة وانها في السادسة عشرة. شبابها وشخصيتها تطرح على الساحر مشكلة لا يعرف كيف يتأقلم معها بينما الابنة تقيم علاقات في السر سعيا للتخلص من سلطة الوالد.

واذا كانت الحبكة الدرامية لـ "الساحر" متماسكة في القسم الاول من الفيلم الذي يدوم 135 دقيقة ، فالاحداث في القسم الثاني تتباطأ وتراوح مكانها فيعصى على الخط الدرامي النهوض بالفيلم الى المستوى الذي انطلق به.

تترهل الاحداث كما في مشهد السهرة عند الباشا الذي يريد الاحتفال بعيد ميلاده السبعين وحيث يذهب الجميع اليه للاحتفاء بذلك طمعا بايجاد وسيلة لتحصيل المال الضروري لعملية علي. كل قصة الباشا (جميل راتب) وبقاء الساحر عنده طيلة الليل لقضاء السهرة ، نافلة وطويلة تضعف من مسار الفيلم.

كان بامكان معالجة موضوع العلاقة المحورية بين الشابة المراهقة وبين الاب الارمل ان تكون هامة لكنها ضاعت في صياغة علاقات موازية عدة مثل علاقة العطف بين الاب منصور والجارة "الحفافة" التي تتحول في النهاية الى علاقة عواطف تتجسد بالقبلة التي تكاد تختتم الفيلم واضعة له نهاية سعيدة.

سيناريو الفيلم بدا مفككا ويعاني من ثغرات لم ينجح الاخراج في تفاديها، فكثير من الاشياء ظلت غامضة وغير مفهومة في حين فاضت التفاصيل الى درجة مملة في امكنة اخرى.

لماذا تخرج الابنة مع شاب آخر مثلا اذا كانت تحب حمودة ابن الحارة وصاحب محل العصير الذي لا يريده والدها؟ هل ان سعيها للتخلص من ظلم والدها يدفعها الى ذلك؟

الا ان الفيلم ورغم ثغرات السيناريو الموجودة فيه حافل بالمشاعر الانسانية والعواطف التي لا توجد على هذا الشكل الصرف الا في الاوساط التي تعاني البؤس والحرمان، كان هذه الاوساط هي الاقدر على معرفة معنى العطاء والاكثر قدرة على التعاطي مع الآخرين بطيبة.

ولا يخلو "الساحر" من روح كوميدية ومواقف عديدة طريفة وناجحة خاصة في القسم الاول منه كما انه لا يخلو من حتمية متعارف عليها في الفيلم المصري كما في افلام رضوان الكاشف السابقة حيث راعى هذا التقليد، وهي حتمية الاغنية والرقصة.