خالد ناجح يحتفي بـ معشوقة الأدباء

الكاتب يجمع ما نشرته مجلة "الهلال" لمي زيادة وما كتب عنها في كتاب يحمل عنوان "مي زيادة .. معشوقة الأدباء".
أول كتاب لمي كان بعنوان "أزاهير حلم" وهو مجموعة من الأشعار باللغة الفرنسية
أهمية مي تظل قائمة حتى اليوم في المشهد الثقافي المصري والعربي، رغم تعرضها للكثير من الخسائر الشخصية

كانت مجلة "الهلال" المصرية التي صدرت عام 1892 – ولا تزال – مستودع المقالات والأفكار والقصائد والقصص والقضايا الثقافية .. الخ – وقد خصَّت الأديبة الراحلة مي زيادة "الهلال" بعشرات المقالات والتمثيليات والمذكرات والقصص خلال السنوات (1918 – 1934)، فضلا عن مقالات عديدة كُتبت عن مي زيادة بعد رحيلها بأقلام طائفة من الأدباء والمفكرين. 
ويأخذنا الكاتب الصحفي خالد ناجح "رئيس تحرير مجلة الهلال وإصداراتها" إلى هذا الزمن الأدبي الجميل، فيجمع بعض أعمال مي زيادة الأدبية، وبعض ما كتب عنها، في كتاب صدر حديثا عن سلسلة "كتاب الهلال"، وجاء في 288 صفحة، يحمل عنوان "مي زيادة .. معشوقة الأدباء"، وبالفعل كانت مي معشوقة أدباء عصرها سواء من المصريين أو العرب، وأسهم في ذلك صالونها الذي كانت تعقده مساء كل ثلاثاء منذ عام 1912  في منزل والديها 28 شارع المغربي بالقاهرة، ويحضره نجوم المجتمع الأدبي والثقافي في تلك السنوات من أمثال: طه حسين، وخليل مطران، وأحمد لطفي السيد، وأنطون الجميل، وعباس محمود العقاد، ومصطفى صادق الرافعي، وغيرهم، وكان من الطبيعي أن تتوالد شرارات الحب والعاطفة والمنافسة المكتومة والإعجاب بين هؤلاء والفتاة الجميلة الذكية الجريئة المقتحمة، والدليل على ذلك ألوان الهوى والغرام التي كانت تتجلى حينا في العيون والنظرات وغالبا ما تفضحها العبارات.
إلا أن لقصة مي مع جبران خليل جبران هي الأشهر والأكثر موثوقية في قصص عشاق مي التي اختلطت فيها الحقيقة بالخيال، ويؤكد ناجح أن مي هي التي أرادت أن تتعرف إلى جبران، وأن يتعرف جبران عليها، فبادرته هي برسالة بتاريخ 29 مارس/آذار 1912 تعرفه فيها بشخصها بعد أن نال شهرة ومكانة مرموقتين في عالم الأدب والفن. وتتتالى الرسائل بينهما إلى أن توقفت بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى، ثم تعودت المراسلات متسارعة بينهما بعد الحرب، يشوبها العواطف المتبادلة ويعلوها الشوق والحنين، ورغبة التشارك في الحياة معا، وتعترف مي بحبها لجبران في إحدى رسائلها سنة 1924 قائلة: "أعرف أنك محبوبي، وإني أخاف الحب .."، ولكن يتوفى جبران عام 1931 ولم تتح فرصة اللقاء للحبيبين "ويا له من لقاء لو تم".
يقول خالد ناجح في مقدمة الكتاب التي حملت عنوان "الآنسة مي .. الأديبة المعشوقة": تعرفتْ مي إلى المجتمع القاهري عن طريق أسرة إدريس بك راغب، وكانت مي تقوم بإعطاء بناته دروسا خصوصية، كما تعرفت إلى أهل الفكر والأدب عن طريق والدها (إلياس زيادة) الذي كان قد ترك التعليم لينصرف إلى الصحافة متوليا إدارة جريدة "المحروسة"، بعد قدومه إلى مصر عام 1908 والتي ساهمت فيها مي بمقالات عدة.
هكذا كانت بداية مي – التي ولدت لأب ماروني وأم فلسطينية من الناصرة - في المجتمع القاهري، وقد أجادت لغات عدة منها الإنجليزية والإيطالية والألمانية والإسبانية واللاتينية واليونانية، وتخرجت من الجامعة المصرية سنة 1917. وشاركت في حركة تحرر المرأة، وكانت ترى أن المرأة المستعبدة لا تستطيع إرضاع أطفالها رضاعة طبيعية طالما أن هذا الحليب تطغى عليه رائحة العبودية.

مي زيادة تأثرت بالأدب الفرنسي والتيار الرومانسي الذي كان يروقها بشكل خاص

ويذكّرنا خالد ناجح أن أول كتاب لمي كان بعنوان "أزاهير حلم" وهو مجموعة من الأشعار باللغة الفرنسية، تلاه العديد من الكتب مثل: "المساواة" و"كلمات وإشارات" و"ابتسامات ودموع" وغيرها. ولا شك أن مي تأثرت بالأدب الفرنسي والتيار الرومانسي الذي كان يروقها بشكل خاص.
وإلى جانب "الهلال" نشرت مي العديد من مقالاتها في صحف مصرية كبرى مثل "الأهرام" و"الزهور" و"المحروسة" و"المقتطف" و"البروجريه" (التي تصدر باللغة الفرنسية). ولم تكن مي كاتبة وأديبة فحسب، ولكنها صعدت المنابر خطيبة ومحاضرة في شئون وقضايا اجتماعية وثقافية مختلفة.
إن أهمية مي تظل قائمة حتى اليوم – كما يشير ناجح – في المشهد الثقافي المصري والعربي، رغم تعرضها للكثير من الخسائر الشخصية بين عامي 1928 و1932 بدءا بوفاة والديها وصديقيها، وقبلها وفاة حبيبها جبران في مهجره الأميركي البعيد، فتدهورت حالتها الصحية وعادت إلى لبنان وأدخلها أقاربها مستشفى الأمراض العقلية للسطو على أملاكها، ولكنها استطاعت إثبات صحتها العقلية وخرجت من مشفاها لتعود إلى القاهرة وتسلم روحها في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1941.
وفي هذا الكتاب الذي بين أيدينا عن مي زيادة استطاع خالد ناجح أن يجمع مقالات الراحلة التي نشرتها في "الهلال" أو كتبها عنها رواد الفكر والثقافة والفنون على صفحات المجلة العريقة نفسها.
ومن تلك المقالات والمواد الأدبية التي كتبتها مي وجاءت على صفحات الكتاب: ميكل أنجلو، باحثة البادية، المواكب، نحو مرقص الحياة، ساعة مع عيلة غريبة (مسرحية فصل واحد 1921) حكاية السيدة التي لها حكاية، كن سعيدا، أين وطني، بعض قضايا الزواج (على الرغم من أنها لم تتزوج)، تأبين فتحي زغلول باشا (شقيق سعد زغلول) حديث عن الشرق الأقصى، كآبة، أهم حادث أثر في مجرى حياتي، الشمعة تحترق، الحب في المدرسة، وغيرها.
أما ما كتبه الأدباء والمفكرين عن مي فقد جاء في الباب الثاني من الكتاب تحت عنوان "مي في عيون الأدباء والمفكرين" ومما جاء فيه ما كتبه سلامة موسى تحت عنوان "صورة موجزة عن الآنسة مي"، و"الآنسة مي" بقلم زكي مبارك، وقصيدة للشاعر محمد مصطفى الماحي بعنوان "قصة مي" (بمناسبة مرور عامين على وفاتها). كما كتب طاهر الطناحي عن دموع الحب بين الآنسة مي وعباس محمود العقاد، وغرام العقاد والآنسة مي، كما كتب فاروق سعد عن "مي عاشقة ومعشوقة"، وغيرها.
يذكر أن خالد ناجح حاصل على ليسانس الآداب قسم الصحافة دفعة 2000، عمل بجريدة الشرق الأوسط وجريدة الحياة اللندنية، عمل نائبا لرئيس تحرير مجلة "المصور" وصاحب مقال أسبوعي في "اليوم السابع"، وصدر له كتاب "ثورة 1919 وهؤلاء" 2019، وكتاب "هلال جمال حمدان" 2019. وهو يرأس تحرير إصدارات الهلال (مجلة، كتاب، روايات) منذ عام 2017.