خامنئي في أضعف حالاته بمواجهة تداعيات الضربات الاسرائيلية
باريس - للمرة الثانية خلال أقل من خمسة عقود، يكون آية الله علي خامنئي في موقع مسؤولية وإيران في حال حرب، وعليه أن يتصدّى بعد المواجهة القاسية مع إسرائيل، لتحدّيات عدة بدءا من تداعيات الضربات العسكرية إلى ضمان تماسك الحكم في إيران.
وبعد يومين من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفاقا لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بث التلفزيون الإيراني رسالة مصوّرة لخامنئي الخميس، أعلن فيها "الانتصار" في المعركة، مقلّلا من شأن الضربات الأميركية التي طالت ثلاثة مواقع نووية رئيسية في خضم المواجهة مع الدولة العبرية.
لكن خامنئي (86 عاما) الذي عانى سابقا من السرطان ونجا من محاولة اغتيال في الثمانينات شلّت ذراعه اليمنى، بدا تعبا وتحدث بإيقاع بطيء في كلمته المتلفزة، وهي الثالثة له منذ بدأت إسرائيل الحرب على إيران بشكل مباغت فجر 13 يونيو/حزيران.
وفي حين كان المرشد يلقي خطاباته في أيام السلم أمام الزوّار في قاعة داخل مجمع القيادة العليا بطهران، بدا في الرسائل الثلاث الأخيرة جالسا أمام ستارة وصورة لمؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، ما أثار تكهنات عن تواجده في مكان محصّن، ربما تحت الأرض.
وأوردت صحيفة "نيويورك تايمز" أن خامنئي تجنّب خلال الحرب الاتصالات خشية أن يتم تعقبه وتحديد موقعه واغتياله. وفقد عددا من كبار القادة العسكريين المقرّبين منه، وأصيب مستشاره علي شمخاني جراء ضربة إسرائيلية، بحسب وسائل إعلام إيرانية.
ووجهت إسرائيل خلال الحرب تهديدات مباشرة له. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس لإذاعة "كان" العامة مساء الخميس "لو كان (خامنئي) في مرمانا، لقتلناه".
وحرب الاثنا عشر يوما هي الأولى لخامنئي كمرشد أعلى، إذ كان رئيسا للجمهورية خلال الحرب مع العراق (1980-1988). وقد انتخب "قائدا للثورة الإسلامية" في 1989 بعد وفاة الخميني، وبات بموجب ذلك، صاحب الكلمة الفصل في السياسات العليا.
وأتت الحرب بين إسرائيل وإيران في سياق تصاعدي من عمل إسرائيل على إضعاف المجموعات الحليفة لطهران في الشرق الأوسط، من حركة حماس الفلسطينية الى حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن. كما خسرت طهران حليفا أساسيا هو الرئيس السوري بشار الأسد الذي أطاحت بحكمه فصائل معارضة.
وأظهرت الحرب الأولى المباشرة بين القوتين الإقليميتين، تفوّق إسرائيل على الصعيد الجوي والتقني والاستخباري، وقدرتها على توجيه ضربات للعديد من مواقع إيران النووية والعسكرية والأمنية. وردّت طهران بإطلاق صواريخ ومسيّرات نحو الدولة العبرية.
وعلى رغم كثافة الضربات على إيران، لم تصدر مؤشرات خلال الحرب على تزعزع نظام الحكم الذي واجه خلال الأعوام الأخيرة معارضة داخلية متزايدة.
وقال الأستاذ في جامعة أوتاوا الكندية توماس جونو "في الوقت الراهن، لا يبدو أن النظام على وشك السقوط، لكنه بالتأكيد أكثر ضعفا مما كان عليه في السنوات الأولى بعد الثورة" عام 1979.
وتابع "على رغم أن موقعه لا يزال محفوظا، أي أن حكمه لن يواجه أي تحدّ مباشر في الوقت الراهن، لكن مصداقيته تراجعت وهو يتحمّل مسؤولية مباشرة عن الخسائر الكبرى التي تكبّدتها الجمهورية الإسلامية".
وليست هذه المرة الأولى يواجه فيها حكم خامنئي تحديات كبيرة، إذ شهدت إيران خلال الأعوام الماضية احتجاجات واسعة قمعتها السلطات بعنف وراح ضحيتها المئات، من "الحركة الخضراء" في 2009، الى احتجاجات 2019 رفضا لزيادة سعر البنزين، والتظاهرات التي أعقبت وفاة مهسا أميني في العام 2022. وعلى رغم تقدمه في السن، تبقى خلافة خامنئي غير مطروحة في العلن داخل إيران.
في المقابل، يرى محللون أجانب كثر أن نجله مجتبى مرشح محتمل لخلافته، علما بأنه لا يحوز المؤهلات الشرعية الكافية لانتخابه "الولي الفقيه".
ويرى الباحث الايراني في جامعة بوسطن آرش عزيزي أن خامنئي بدا "هزيلا وضعيفا"، و"بعيدا" عن قدراته الخطابية "المعروفة" في كلمته الخميس. ويضيف "السلطة في طهران تنتقل الى مؤسسات وأجنحة مختلفة، ومعركة خلافته ستصبح أكثر حدة في المرحلة المقبلة".
وأوردت قناة "إيران انترناشونال" المعارضة أن خامنئي لم يشارك في الاتصالات التي سبقت وقف إطلاق النار، بل أدارها المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يرأسه رئيس الجمهورية، ويضمّ كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين، إضافة الى ممثل للمرشد. ولم تتأكد هذه التقارير بشكل رسمي.
ويقول جايسون برودكسي، مدير السياسات في مجموعة "متحدون ضد إيران نووية" ومقرّها في الولايات المتحدة، إن خامنئي بدا "منفصلا عن الواقع" بتقليله من شأن تداعيات الضربات على المنشآت النووية الإيرانية.
وأضاف "بالرغم من ذلك، أشكّك في مسألة تهميش خامنئي"، متابعا "بالتأكيد ستطلق الحرب نقاشا ضمن النخبة السياسية في الجمهورية الإسلامية بشأن أفضل السبل لإعادة بناء قدرات الحكم، لكن في نهاية المطاف، الكلمة الأخيرة دائما لخامنئي".