خامنئي يذكر المحتجين في العراق ولبنان بالقانون

إيران الخبيرة في التدخل في شؤون الدول الداخلية تنتقد التدخل الأجنبي في العراق ولبنان وتدعو المحتجين فيهما إلى الهدوء.

طهران - لجأ النظام الإيراني إلى مهادنة المحتجين في لبنان والعراق بعد أن خرجت المظاهرات التي يقودونها منذ أسابيع عن سيطرة وكلائها ما أصبح يمثل تهديدا مباشرا لمصالحها ونفوذها في تلك البلدان العربية.

واتهمت إيران اليوم الأربعاء، الولايات المتحدة وإسرائيل بإثارة الاضطرابات في لبنان والعراق ودعت إلى الهدوء في البلدين.

واعتبر المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي مطالب المحتجين مشروعة، لكنها يجب أن تبقى ضمن هياكل القانونية للدولة، وهي نفس الدولة التي يتهم المتظاهرون في لبنان والعراق الحكومات التي تديرها بالتستر على الفساد والفاسدين.

ويرى مراقبون أن إيران التي فشلت ميليشيات الموالية لها في قمع الاحتجاجات في العراق عبر نشر القناصة لقتل المتظاهرين، وعدم تمكن مندسين تابعين لوكلائها من اختراق احتجاجات لبنان، دفعها إلى تغيير أسلوبها القمعي عبر تبني، ظاهريا، مطالب المتظاهرين لكنها لم تفوت في نفس الوقت الفرصة لتحذيرهم ضمنيا من الخروج عن القانون.

وكتب خامنئي في تغريدة على تويتر اليوم الأربعاء "للنّاس مطالب أيضاً وهي محقّة، لكن عليهم أن يعلموا أنّ مطالبهم إنّما تتحقّق حصراً ضمن الأطر والهيكليّات القانونيّة لبلدهم. متى ما انهارت الهيكليّة القانونيّة يستحيل القيام بأيّ عمل.

وأضاف المرشد الأعلى بأسلوب الواعظين "أوصي الحريصين على العراق ولبنان أن يعالجوا أعمال الشّغب وانعدام الأمن الذي تسبّبه في بلادهم أميركا والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربيّة بأموال بعض الدول الرجعيّة".

وغالبا ما يستخدم النظام الإيراني فرضية المؤامرة أو التفريق الطائفي للتغطية على فشله في دحض حقيقة أجندات طهران الإقليمية في المنطقة وتهديداتها النووية ومشروع صواريخها الباليستية.

وتابعت إيران عن كثب الاحتجاجات الدامية في العراق منذ اندلاعها بداية شهر أكتوبر الجاري، إذ قالت منذ البداية إنها مؤامرة تهدف إلى تقويض العلاقات بين البلدين الجارين.

وبدأت التظاهرات في لبنان منذ أسبوعين مع دعوات لوضع حد للفساد والبطالة، لكنها تطورت لتتحول إلى المطالبة باستقالة الحكومة وإصلاح النظام السياسي.

ومنذ ذلك الحين، أطلق مسؤولون إيرانيون سلسلة مواقف يتهمون فيها أعداء إيران بأنهم خلف الاضطرابات في تلك البلدان.

ولطهران علاقات وثيقة مع بغداد لكنها معقدة، حيث نجحت بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003 في بسط نفوذها بشكل كبير عبر المجموعات السياسية الشيعية والميليشيات تابعة لها في البلد المنهك سياسيا واجتماعيا من الحروب.

وأسفرت احتجاجات العراق عن مقتل أكثر من 240 شخصاً في عملية قمع دامية أكدت قيادات أمنية عن تورط قناصة نشرتهم إيران وميليشياتها لقتل المحتجين.

وكانت هتافات المحتجين المناهضة لإيران في العراق ولبنان، لافتة في مظاهرات غير مسبوقة في البلدين، حيث عبر المتظاهرون عن رفضهم القاطع وبشكل واضح التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لبلدانهم كما حذروا الأحزاب والسياسيين الموالين لطهران من ركوب موجة الاحتجاجات لإفشالها.

بل
العراق الذي لا تريد إيران رؤيته

وتم إحراق عدد من مقرات الأحزاب في جنوب العراق، بينها أحزاب موالية لإيران. وتمّ التداول بأشرطة فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيها متظاهرين يهتفون "العراق حرة حرة، إيران برّا برّا".

ويتبادل سياسيون عراقيون اتهامات أحيانا بالتبعية للخارج، لا سيما لإيران والولايات المتحدة في وقت يتهمهم الشارع بالمشاركة في نشر الفساد والمحسوبية في دوائر الدولة وبين أروقة مؤسساتها.

وفي لبنان عولت إيران على تدخل حزب الله لتطويق الاحتجاجات لكنها فشلت، بعد أن أظهر المحتجون وعيا كبيرا بضرورة عدم تلويث مظاهراتهم بولاءات طائفية أو دينية أو سياسية.

وطالب المتظاهرون اللبنانيون كما العراقيون بمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين من الساسة والمسؤولين ومنع اختطاف جهات معينة للبلاد في إطار تحالفاتها الإقليمية وعلى أسس طائفية.

وأمس الثلاثاء، أشعلت عناصر موالية لحزب الله الموالي لإيران النيران في خيام المتظاهرين في لبنان عقب إعلان رئيس الوزراء سعد الحريري تقديم استقالته تلبية لرغبة المحتجين و"إعلاء لمصلحة البلاد".

وأظهرت صور مناصرين لحزب الله ولحليفته حركة أمل، يعتدون على المتظاهرين السلميين في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، حيث أحرق أنصار حزب الله خيام المعتصمين، وانهالوا عليهم بالضرب، حيث ارتكبوا أعمال عنف وبلطجة بحق المعتصمين السلميين.

كما وقعت اشتباكات عنيفة بعد اعتداء أنصار حزب الله وحركة أمل على المتظاهرين عند حاجز طريق وفي منطقة أخرى بوسط بيروت، مما دفع قوات الأمن للتدخل.

ويقول مراقبون إن إيران اضطرت للانحناء للعاصفة بعد إعلان الحريري مساء الثلاثاء استقالته، حيث بدت خطابات المسؤولين الإيرانيين المساندة لمطالب المحتجين واضحة.

واليوم الأربعاء، أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي على ضرورة تضامن ووحدة جميع الطوائف والأحزاب والشخصيات اللبنانية.

وتعليقا على استقالة الحريري، قال موسوي "نأمل بأن يتخطى الشعب والحكومة في لبنان هذه المرحلة الخطيرة والحساسة بنجاح وتعاضد".

وعبر المتظاهرون اللبنانيون في الأيام السابقة عن رفضهم مشاركة حزب الله في الاحتجاجات خوفا من اختراقها لإجهاض مطالبهم، وفي مدينة صور (جنوب غرب) هتف المحتجون ضد محمد رعد، رئيس كتلة حزب الله في البرلمان اللبناني ووصفوه بـ"الحرامي".

ورفع المحتجون في لبنان شعار "كلن (كلهم) يعني كلن ونصر الله واحد منن (منهم)" في إشارة إلى كامل الطبقة السياسية بما فيها حسن نصر الله أمين عام حزب الله الذين طالبوه برفع يده عن لبنان وإقالة نوابه ووزرائه أيضا.

وعلى نفس الطريقة العراقية استغل ساسة لبنانيون من مختلف الطوائف، من بينهم حزب الله الشيعي موارد الدولة لمصالحهم السياسية الشخصية ويمانعون في التنازل عن مكتسباتهم في ظرف يمر به اقتصاد لبنان بفترة حرجة جدا تضعه على حافة الانهيار.

ونقلت وسائل إعلام رسمية اليوم الأربعاء، عن محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني قوله "نصيحتنا كانت دائما الدعوة إلى السلام ووقف تدخل القوى الأجنبية في البلدين".

ويقول مراقبون إن طهران، التي حرصت منذ أعوام على التدخل في شؤون الدول عبر نشر وكلاء لها في عدة بلدان عربية منها العراق (الحشد الشعبي وأحزاب وميليشيات شيعية) وسوريا ولبنان (حزب الله) واليمن (ميليشيات الحوثي)، أصبحت اليوم تحذر اللبنانيين والعراقيين من التدخلات الخارجية التي أظهرت أنها أفضل من يديرها.

وإيران دأبت على اتهام خصومها بالعمالة لإسرائيل لاكتساب تعاطف مؤيدي القضية الفلسطينية، كما تروج مجموعات محسوبة عليها دائما لنظرية المؤامرة التي يستخدمها الكيان الصهيوني، وذلك لتبرير عمالتها هي لإيران.

وأبرز وآخر مثال على ذلك اتهام أمين عام حزب الله للمحتجين اللبنانيين بالحصول على تمويلات أجنبية لخوض المظاهرات الحالية، وهو ما نفاه مؤخرا رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري.

كما حرص الحشد الشعبي وجماعات موالية لطهران في العراق للترويج للخطر الإسرائيلي ما جعل العراقيون يدفعون ثمن مواجهة وشيكة بين طهران وتل أبيب على أراضي بلادهم بعد الانفجارات الأخيرة التي استهدفت مواقع الحشد بالعراق.

وتحركت إسرائيل في الأشهر الماضية ضد إيران في سوريا والعراق، حيث فضحت مشروع إنشائها لقواعد صواريخ بالستية. كما تحركت لمنعها من إنشاء ممر تهريب بري يمكن من خلاله نقل الصواريخ والأسلحة من إيران إلى مستودعات حزب الله في لبنان عبر العراق وسوريا.