خطأ أوروبا في حق الإنسانية

أوراق إيران مكشوفة للجميع، لكن النفاق الأوروبي لا يريد أن يلقي نظرة عليها.

ستدفع أوروبا ثمن نفاقها الإيراني. إيران وليس طرفا آخر هي من ستجبرها على دفع ذلك الثمن. ذلك ما يمكن توقعه في مواجهة المحاولة الأوروبية للقفز على حقيقة حاجة الشرق الأوسط إلى الاستقرار الذي لن يتحقق في ظل استمرار النظام الإيراني في سياساته العدوانية.

محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران يتملق الأوروبيين بابتسامته الصفراء وهو يكذب في كل ما يقول. فليست إيران بنظامها الحالي دولة مقنعة للآخرين لكي يتعهدوا بالحفاظ على قدراتها الاقتصادية التي يعرفون جيدا أنها تستهلك الجزء الأكبر منها في مشاريع عدوانية.  

ولكن أوروبا لا تسعى إلى حماية إيران من العقوبات الأميركية لأنها بلد ديمقراطي، يحترم حقوق الإنسان ولا يعمل على خرق السلم العالمي بالحروب ولا يمول الإرهاب بكل صنوفه.

إيران صارت أوراقها مكشوفة بالنسبة للجميع. فهي مسؤولة بشكل مباشر عما آلت إليه الأوضاع من فوضى في غير دولة عربية. كما أنها تنفق أموالا طائلة لا على ميليشياتها المسلحة في تلك الدول حسب بل وأيضا على شبكات تجسس منتشرة في شتى أنحاء العالم، بضمنها أوروبا.

قد يُقال إن الأمر كله مرتبط بالمصالح.

أوروبا منافقة في حرصها على استمرار مصالحها في إيران.

في إمكانها أن تعوض خسارتها في إيران بسبب الالتزام بالعقوبات الأميركية من خلال توثيق وتعميق الصلة الاقتصادية بدول لها مصلحة في احتواء إيران وتحجيم دورها التخريبي في المنطقة. ولا أعتقد أن واحدة من تلك الدول لا تملك الاستعداد لذلك، إذا لم تكن ترحب به.   

لكنها لم تفعل.

تعرف أوروبا كل شيء عن إيران. بل وأكثر مما يعرفه الآخرون.

فدولة العمائم الدينية لا تكف عن ممارسة العمليات الإرهابية داخل أوروبا. شبكات النظام الإيراني الخاصة بمطاردة المعارضين منتشرة في عموم أوروبا. ذلك ما صار معلنا أمام الأجهزة الحكومية الأوروبية التي صارت بين الحين والآخر تتحدث عرضا عن إجراءات من شأنها أن تحد من النشاط الإرهابي الإيراني داخل أراضيها.

هناك الكثير من الأسئلة الغامضة التي تتعلق بخلفيات الموقف الأوروبي الذي يعبر عن تمسك غريب ببقاء النظام الإيراني واستمرار نهجه التوسعي العدواني في الشرق الأوسط بشكل خاص وفي العالم بشكل عام.

لن يكون مقنعا التشبث بالتعاون الاقتصادي التي تسعى أوروبا إلى أن تضعه قناعا لمحاولتها تبرير موقفها الذي يعد خرقا لكل التزاماتها الأخلاقية والقانونية ناهيك عن البعد الإنساني الذي تحاول من خلاله أوروبا أن تمرر تعاطفها مع الشعب الإيراني متناسية ما يتعرض له ذلك الشعب من اضطهاد وتعسف وقمع ومصادرة للحريات وابتذال لكرامته في ظل طغيان المؤسسة الدينية التي يُفترض أن المجتمعات الأوروبية لا تعترف بسلطتها.

من البلاهة أن يحاول المرء اقناع أوروبا بأن الشعب الإيراني هو أول المتضررين من استمرار تدفق الأموال إلى خزائن النظام الإيراني الذي يستعمل تلك الأموال في تثبيت سلطة الحرس الثوري داخل وخارج إيران.

هناك مستفيدون من الوضع المالي الإيراني المريح ليس من بينهم الشعب الإيراني. يمكننا أن نذكر هنا حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية وعصائب أهل الحق العراقية وجماعات نشر التشيع في أفريقيا وجنوب شرق آسيا والتنظيمات الإرهابية التي تمارس عملها في العالمين، الواقعي والافتراضي.

وهو ما يؤكد أن إيران هي واحدة من أكثر الدول في العالم اسرافا في الانفاق على الإرهاب وهو ما تعرفه الأجهزة الاستخبارية الأوروبية جيدا. فإذا ما كانت علاقة إيران بكل التنظيمات الإرهابية التي ذكرتها معلنة فإن تلك الأجهزة كانت قد عثرت في أوقات سابقة على بصمات إيرانية في نشاط جماعات إرهابية، تبدو صلة إيران بها واهية وغير متوقعة كجماعة بوكي حرام في نيجيريا أو عدد من الجماعات المسلحة في ليبيا.

لذلك يمكنني القول إن الأوروبيين يتركبون خطأ جسيما وكارثيا حين ينفخون الروح في جثة النظام الإيراني لا في حق أنفسهم وقيمهم وشعوبهم حسب بل وأيضا في حق الإنسانية بكل ما تنطوي عليه من قيم أخلاقية.   

وهو الخطأ الذي سيدفعون ثمنه حين يكتشفون أن الوحش الذي تعهدوا بتوفير قوت شراهته سيكون مستعدا دائما لانقضاض على أمنهم.