خطاب حركة حماس وتأخر منظمة فتح

حماس صعدت وأخذت شعبيتها بسبب عاملين أساسيين على الأغلب كانا أهم حتى من انتمائها للإسلام السياسي وهو مهاجمة عمليّة السلام والتسوية والحركة تركز على السيطرة في غزة والاستمرار بلعب دور معارضة بالتخوين والاتهام من أجل أن البقاء.

بقلم: أحمد جميل عزم

يبدو مشهد الانقسام الفلسطيني حالياً مُناسبا تماما للعام 2007، عندما وقعت الواقعة في غزة، واستخدمت "حماس" سلاحها (سلاح المقاومة) في طرد "فتح" من الأجهزة الأمنية، والسلطة، وكانت هي من يشكل ويقود الحكومة حينها. ومعنى أنّ المشهد ملائم، أنّه منطقياً وبحسب المتعارف عليه في الصراعات، فإنّه كان يمكن توقع ما يحدث الآن، في الأشهر الأولى من الانقسام، من حيث تحديد "فتح" أو القيادة الفلسطينية لمطالبها، مقابل رفض "حماس" وتخندقها في اتهام وتخوين وإقصاء قادة منظمة التحرير الفلسطينية، و"فتح".

صعدت حركة "حماس" وأخذت شعبيتها بسبب عاملين أساسيين، على الأغلب، كانا أهم حتى من انتمائها للإسلام السياسي:

  •  مهاجمة عمليّة السلام والتسوية.
  •  المقاومة المسلحة، التي حدثت بشكل أساسي، بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي، عام 1994.

تكفي تكاليف يافطة واحدة من التي وضعتها حركة "حماس" في شوارع غزة الأسبوع الماضي، تقول فيها إن محمود عبّاس يحاصر غزة، وبالتالي لا يستحق تمثيل الفلسطينيين، لحل مشكلة الفقر لدى عشرات الأسر في غزة لمدة شهر أو ما شابه، ولكن الأهم أنّ اليافطة هي ذات خطاب "حماس" منذ عام 2006، وما قبل، وما بعد، وهي التشكيك في مكانة الرئاسة، كمؤسسة، قبل أن تكون كشخص، فهي لا تمتلك هذا الموقع. وخطاب اليافطة، هو ذات خطاب "حماس" منذ تأسيسها، ضد منظمة التحرير. فحماس لا تتحدث عن إنجازات لها في غزة، لا تقول للناس أنا توليت الحكم (عشرة أعوام)، واستطعت أن أقودها، فوفرت المال، وحصلت على الاعتراف الدولي، وكسرت الحصار، كما يفترض بأي حكومة، ولا تعترف أنها "قفزت في الهواء" عندما سيطرت بالسلاح. بل تقول لهم معاناتكم سببها الشخص "الآخر". وفي هذا السياق، يمكن مشاهدة صحيفة "الرسالة" التابعة للحركة، وحجم الهجوم الشخصي ضد الرئيس الفلسطيني وأعضاء مركزية "فتح" لدرجة النبش الآن في ملفات مزعومة عمرها عشرات السنوات.

الواقع أن مثل هذا الهجوم يدفع للسؤال هل تريد "حماس" حقاً التوصل لاتفاق عبر الوساطة المصرية؟ وتماماً هو السؤال الذي ثار يوم أعلنت الحركة، ربما عبر تيار عقلاني فيها، عام 2017 وثيقتها، التي جاء فيها إشارة للوحدة الوطنية، ليقوم أعضاء في "حماس" بالهجوم الشخصي الإعلامي في ذات الساعة، على أعضاء قيادة "فتح"، بدلا من إعطاء الوثيقة فرصة لتربط العلاقات. كان يمكن فهم مثل هذا الخطاب عندما وقع الانقسام، أما و"حماس" ترسل وفود التفاوض إلى المصالحة فهذا غريب.

يبدو لسان حال "حماس": أريد ثلاثة أمور:

  • استمرار السيطرة في غزة.
  •  استمرار حقي في لعب دور معارضة تقوم بالتخوين والاتهام.
  •  على من نخونهم ونتهمهم قبول دفع الأموال لنستمر.

أمّا "فتح" أو القيادة الفلسطينية فإنها تطالب الآن بالصلاحيات الكاملة للحكومة، وإلا تهدد بالتخلي الكامل عن المسؤولية في القطاع. والواقع أن مثل هذا الموقف كان متوقعاً، ويسهل الدفاع عنه، في بداية الانقسام. لكن الحركة والحكومات التي شكلتها، لم تفعل ذلك، عندما كانت "حماس" تقول أنا الممثل، وأنا الحكومة الشرعية. استمرت الحكومات التي تشكلت في رام الله، بتمويل رواتب حتى من قاموا بقيادة الانقلاب، من أعضاء المجلس التشريعي، من "حماس"، فضلا عن إخلاء المكاتب في غزة، لتعين "حماس" موظفين جددا بدلا من الموظفين الذين استمرت حكومة رام الله بدفع رواتبهم. واستمرت بتمويل جزء كبير من تكاليف الكهرباء والصحة والتعليم، وحتى الآن لا تستطيع بلورة خطاب واضح إزاء ما يحدث في غزة، ولا تقدم تفسيرا متكاملا لموقفها.

و"فتح" قبل غيرها مطالبة باعتبارها أكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، بتقديم تصور كامل لمستقبل النظام السياسي، والشراكة السياسية، وإلا فإنها تتخلى عن دورها التاريخي، وتستمر في تأخرها بصفتها قائدة منظمة التحرير في وضع خطة إنقاذ وطني واضحة. أمّا "حماس" فمطالبة بحسم أمرها هل تريد الاستمرار في رفض الشراكة السياسية عبر خطاب التخوين والاتهام، والتناقض في المواقف، وهل ستطرح استراتيجية وطنية جديدة متكاملة؟ 

نشر في الغد الأردنية