خطر الانهيار يهدد اتفاق المنطقة العازلة في سوريا

اتفاق المنطقة المنزوعة السلاح في شمال سوريا خطر السقوط أكثر من أي وقت مضى بعد تقارير عن هجوم بالغازات السامة استهدف مدينة حلب.
روسيا تشن غارات استهدفت مواقع المجموعات التي نفذت الهجوم بـ"غاز الكلور"

بيروت ـ يواجه اتفاق المنطقة المنزوعة السلاح في شمال سوريا خطر السقوط أكثر من أي وقت مضى بعد تقارير عن هجوم بـ"الغازات السامة" استهدف مدينة حلب، واستدعى رداً روسياً عبر شن غارات جوية للمرة الأولى منذ أكثر من شهرين.

ولا تزال ملابسات الهجوم غير واضحة حتى الآن، وقد أسفر عن إصابة أكثر من مئة شخص بحالات اختناق إثر سقوط قذائف قالت دمشق وموسكو إنها محملة بغازات سامة على ثلاثة أحياء في غرب مدينة حلب.

اتهمت السلطات السورية "تنظيمات إرهابية" بشن هجوم مساء السبت بـ"الغازات السامة" في مدينة حلب أصيب خلاله أكثر من مئة شخص بحالات إختناق.

وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن الهجوم أسفر عن إصابة "107 مدنين" بحالات اختناق، فيما رجح مدير الصحة في حلب أن تكون المادة المستخدمة هي غاز الكلور.

وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان بدوره عن وصول 94 حالة اختناق إلى مستشفيات حلب، مشيراً نقلاً عن مصادره في مدينة حلب إلى "انتشار رائحة لغاز الكلور" في الأحياء المستهدفة.

وشاهد مصور في مستشفى في حلب مساء السبت عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، يعانون من صعوبات في التنفس، وتمت معالجتهم بواسطة أقنعة تمدهم بالأوكسجين.

في الأشهر الأخيرة، اتهمت الحكومة السورية وحليفتها روسيا الفصائل المعارضة والجهادية في محافظة إدلب بامتلاك أسلحة كيميائية، وحذرتا من إمكانية استخدامها. وتصنف دمشق كافة الفصائل التي تقاتلها بأنها "إرهابية".

وفيما اتهمت دمشق مجموعات "إرهابية" بتنفيذ الهجوم، قالت موسكو إن الصواريخ انطلقت من منطقة واقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في المنطقة المنزوعة السلاح غرب حلب، من دون أن تتهم مباشرة الهيئة بتنفيذه.

وللمرة الأولى منذ إعلان الاتفاق الروسي التركي حول إقامة تلك المنطقة، شنّت روسيا غارات قالت إنها استهدفت مواقع المجموعات التي نفذت الهجوم بـ"غاز الكلور".

واعتبر وزيرا الدفاع التركي خلوصي أكار ونظيره الروسي سيرغي شويغو أن الهدف من "الاستفزازات الأخيرة" هو الإضرار باتفاق إقامة المنطقة المنزوعة السلاح.

وتضم المنطقة المنزوعة السلاح، أجزاء من محافظة إدلب مع ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي.

المنطقة منزوعة السلاح
فوضى السلاح تهدد الاتفاق

وتمّ بموجب الاتفاق سحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة المنزوعة السلاح، وفق ما كانت أعلنت تركيا.

إلا أنه لم يتم تنفيذه كاملاً حتى الآن، إذ كان يُفترض أن ينسحب المقاتلون الجهاديون من هذه المنطقة بحلول منتصف تشرين الأول/أكتوبر، لكنّ إعلان روسيا وتركيا أنّ الاتفاق قيد التنفيذ بدا بمثابة منح مهلة إضافية لتلك الفصائل وعلى رأسها هيئة تحرير الشام.

وتسيطر هيئة تحرير الشام ومجموعات جهادية أقل نفوذاً منها على ثلثي المنطقة المنزوعة السلاح التي تشمل جزءاً من محافظة إدلب مع ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي.

وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم أعرب عن عدم رضاه إزاء تنفيذ الاتفاق، قائلاً "لا يزال الإرهابيون متواجدين بأسلحتهم الثقيلة في هذه المنطقة وهذا مؤشّر على عدم رغبة تركيا بتنفيذ التزاماتها".

ونفى تحالف فصائل معارضة بينها حركة أحرار الشام في ريف حلب ومحافظة إدلب المجاورة استهداف مدينة حلب بقذائف تحتوي على "غاز الكلور". ولم يصدر أي تعليق حتى الآن من المجموعات الجهادية.

واتهم رئيس هيئة التفاوض العليا، أبرز مكونات المعارضة السورية ومقرها اسطنبول، نصر الحريري دمشق بالعمل على إيجاد "ذريعة" لشن هجوم ضد الفصائل المعارضة.

ويرى الباحث في المعهد الاطلسي آرون شتاين أن "الهجوم والقصف الروسي بعدها أظهرا بوضوح ضعف اتفاق إدلب"، مشيراً إلى أن "الرد الروسي يبين بوضوح أن وقف أطلاق النار (المتفق عليه) مع تركيا لن يوقفها في حال تهددت مصالحها".

واعتبر ذلك بمثابة "إشارة خطرة في ظل عدم إمكانية أنقرة حتى الآن الوفاء بالتزاماتها"، وهي الموكل إليها ضمان تنفيذ الاتفاق من جانب الفصائل في إدلب.

ورغم الاتفاق الروسي التركي تشهد المنطقة المنزوعة السلاح بين الحين والآخر مناوشات وقصفا متبادلاً بين قوات النظام والفصائل وعلى رأسها هيئة تحرير الشام.

ويرى الخبير في الشأن السوري في معهد باريس للدراسات السياسية جوليان ثيرون أن روسيا قد تسعى للحفاظ على الاتفاق عبر "إجبار تركيا على التدخل" عبر الفصائل المعارضة التي تدعمها على الأرض لمواجهة هيئة تحرير الشام.

ومن الممكن أيضاً، وفق ثيرون، أن "يستخدم النظام هذه الحادثة، وبدعم ضمني وحتى عسكري من حليفته روسيا، لاستعادة السيطرة على كامل إدلب". إلا ان هذا السيناريو يبقى صعباً كونها "منطقة معقدة جداً والمخاطر عالية".

ويقلل الباحث في معهد عمران للدراسات نوار أوليفر بدوره من تداعيات الحادثة، مشيراً إلى أن الغارات هي "أكثر ما يمكن أن يقوم به الروس، فهم لا يمتلكون ترف شن هجوم على الأرض".

ويضيف "الرسالة المباشرة من روسيا هي أنها قادرة على القيام بأي شي لضمان إقامة المنطقة المنزوعة السلاح".