خلافات وانقسامات في إيران حول التعامل مع الاحتجاجات

في معظم الأنظمة الاستبدادية، دائما ما يوجد صقور وحمائم، يختلفون عادة حول مدى القمع أثناء الأزمات.

نيقوسيا/طهران - تعيش إيران على وقع انقسامات داخلية إزاء طريقة التعامل مع الاحتجاجات المستمرة منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي والتي تشكل أكبر تحد للنظام الديني منذ الثورة الإسلامية في العام 1979، بين مؤيد للقمع منهجا لإخماد الحراك الشعبي وبين مؤيد للحوار والتهدئة والاستماع لمطالب المحتجين. 

وتعالت أصوات من داخل الطبقة السياسية الحاكمة تنادي بضرورة وقف القمع والعمل على تهدئة التوترات الاجتماعية، وهو أمر لن يكون إلا عبر فتح حوار مع المحتجين.

وقال نادر هاشمي مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر الأميركية إن "الرسائل المتضاربة التي نتلقّاها من النظام الإيراني تشير إلى جدل داخلي حول طريقة التعامل مع الاحتجاجات المستمرة"، مضيفا "في معظم الأنظمة الاستبدادية، هناك صقور وحمائم" تختلف حول مدى القمع أثناء الأزمات.

والموافقة على إعادة محاكمة عدد من المحتجّين حُكِم عليهم بالإعدام والإفراج عن معارضين بارزين، مؤشّرات على أن البعض يسعى إلى نهج أكثر ليونة، إلا أنّ تنفيذ إيران حكم الإعدام في حقّ رجُلين بدعوى قتلهما عنصرا من ميليشيا الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني خلال اضطرابات مرتبطة بالاحتجاجات، أتى ليُذكّر بالمسار المتشدّد.

وتشهد إيران منذ منتصف سبتمبر/أيلول احتجاجات إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 عاما)، بعد ثلاثة أيام على توقيفها بأيدي شرطة الأخلاق لعدم التزامها القواعد الصارمة للّباس في الجمهورية الإسلامية.

وتحوّلت التظاهرات إلى حركة مناهضة لإلزامية الحجاب وللجمهورية الإسلامية، في أكبر تحد للسلطات منذ ثورة 1979 التي أطاحت حكم الشاه.

وردّت السلطات بعنف، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص. وأوقِف الآلاف وحكِم على 14 منهم بالإعدام، بينهم عدد كبير بتهمة قتل عناصر أمن أو مهاجمتهم، بحسب القضاء.

وثبّتت المحكمة العليا بعض أحكام الإعدام ونفذّتها في حق أربعة رجال حتى الآن. كما أعلن القضاء إعادة محاكمة ستة من 14 شخصا حكم عليهم بالإعدام.

ويقول الخبير الإيراني مهرزاد بروجردي المشارك في وضع كتاب "إيران ما بعد الثورة: دليل سياسي"، إن ذلك يعكس "حسابات سياسية"، موضحا "هم يعلمون أن عمليات الإعدام الجماعية ستؤدي إلى نزول مزيد من الأشخاص إلى الشوارع. من جانب آخر يريدون إرسال إشارة تفيد بأنهم لا يترددون بإعدام متظاهرين من أجل إخافة الناس".

ويعتبر محلّلون أن إطلاق سراح مجيد توكلي وحسين رونقي وهما معارضان بارزان أوقفا في بداية الاحتجاجات، بعد أسابيع من اعتقالهما، هو محاولة أخرى لتهدئة الوضع.

ويشير بروجردي إلى أن النظام يستخدم "كل شيء من تنفيس الاحتقان إلى فترات سجن طويلة وعمليات إعدام. إنهم يجرّبون هذه الأساليب فيما يعانون من أجل صياغة سياسة أكثر وضوحا".

ويقول أنوش احتشامي مدير معهد دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة دورهام في إنكلترا، إن إعادة المحاكمات تعكس جزئيا الضغوط الخارجية والداخلية المتزايدة.

وتابع "لكن حتى داخل النظام، هناك انقسام حول طريقة التعامل مع الوضع" حيث يقف المتشددون في جانب، وفي جانب آخَر من يرون أن الإعدامات تحفّز مقاومة المحتجّين، مشيرا إلى أن إعادة المحاكمات وإطلاق سراح معارضين "إجراءات تهدئة... لمحاولة إرضاء" المتظاهرين.

وفي حين قد تبدو هذه الإجراءات غير مهمة للبعض ، إلا أن "نظاما أمنيا متعثرا... يعتبرها بادرة سخية من جانبه واستجابة لضغط الناس".

كما تم توقيف مشاهير، لكن لفترات أقصر بكثير، فقد أفرج عن الممثلة الشهيرة ترانه عليدوستي الأربعاء بكفالة بعد احتجازها ثلاثة أسابيع تقريبا بسبب دعمها الاحتجاجات، وفق ما أعلن محاميها.

ويرى بعض المحللين أن إستراتيجية التوقيف وإطلاق السراح هي بمثابة تخويف لكن أيضا "جس نبض لمعرفة ما سيكون رد الفعل".

ويقول أفشين شاهي الأستاذ المشارك في دراسات الشرق الأوسط في جامعة كيل في إنكلترا، إن "التساهل" الذي تظهره السلطات أحيانا "هو محاولة لمنع حصول مزيد من الانقسامات داخل المؤسسة الأمنية" إذ أن القمع أدى إلى نفور بعض أعضائها، مضيفا أن النظام "لا يبدو أن لديه إستراتيجية واضحة" ردا على الغضب الشعبي.

ورغم إطلاق سراح بعض الأشخاص، أمضت شخصيات بارزة أشهرا في السجن، بينهم الناشط آرش صادقي والصحافيتان الإيرانيتان اللتان ساهمتا في كشف قضية أميني.

وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن المدعي العام محمد جعفر منتظري "حلّ" شرطة الأخلاق، لكنّ أيّ جهة رسمية أخرى لم تؤكّد ذلك.

وأوضح أن هذا الإعلان يعكس الجدل الداخلي ويظهر أنّ "جزءا واحدا على الأقل من النظام" يؤيد انتهاج طريقة أقل صرامة لفرض قواعد اللباس.

وبحسب احتشامي، فإن بعض أهل السلطة "بدؤوا الآن يتحدثون عن حل وسط" رغم أنّه من السابق لأوانه معرفة ما سيكون ذلك، لكن "بالمعنى الأوسع، لا أعتقد أن لديهم ما يريده الناس"، وهو تغيير شامل لم تُحَدَّد تفاصيله.

مع ذلك، أظهر النظام تاريخيا قدرته على "تقديم تنازلات عندما يتعين عليه ذلك"، بحسب هاشمي قائلا "ينسى الناس أن هذا النظام صمد 44 عاما لأن بإمكانه أن يكون ذكيا جدا وبارعا جدا وماكيافيليا جدا من ناحية ما عليه فعله للبقاء".