خلاف جديد بين رأسي السلطة يُعمق أزمة تونس

الرئيس التونسي يوجه انتقادات لرئيس الحكومة معتبرا أن التعديل الوزاري الذي أجراه مؤخرا لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور وأن بعض الوزراء المقترحين تتعلق بهم شبهات تضارب مصالح، إضافة إلى اخلالات إجرائية أخرى.
تونس لا تغادر مربع السجالات والخلافات السياسية
الخلاف بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة يفاقم الانسداد السياسي
قيس سعيد ينتقد إقصاء المشيشي للمرأة من التعديل الوزاري الأخير

تونس - فجر التعديل الوزاري الأخير في تونس أزمة جديدة بين الرئاسة ورئاسة الحكومة في أحدث توتر بين رأسي السلطة، فيما تئن البلاد تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية وصحية وانسداد سياسي.

ووجه الرئيس التونسي قيس سعيد اليوم الاثنين خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، انتقادات لرئيس الحكومة.

ووفق بيان نشرته الرئاسة التونسية على صفحتها بفيسبوك، أوضح سعيد أن التعديل الوزاري "لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور وتحديدا ما نص عليه الفصل 92 أي ضرورة التداول في مجلس الوزراء، إذا تعلق الأمر بإدخال تعديل على هيكلة الحكومة"، مشيرا أيضا ما وصفه بـ"إخلالات إجرائية أخرى" لم يذكرها.

وأشار سعيد في مستهل الاجتماع إلى تواتر الأحداث في المدة الأخيرة وانتشار جائحة كورونا وكثرة الاحتجاجات نتيجة خيبة الأمل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تم إتباعها منذ عقود فضلا عن تأزم الوضع السياسي.

وقال إنه سيرفض التعديل الوزاري في تصعيد للخلاف مع رئيس الوزراء بينما يقوض المأزق السياسي جهود التصدي لجائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية.

وتابع "بعض المقترحين في التعديل الوزاري تتعلق بهم قضايا أو لهم ملفات تضارب مصالح"، مضيفا أن "من تعلقت به قضية لا يمكن أن يؤدي اليمين"، وأن "أداء اليمين ليس إجراء شكليا بل هو إجراء جوهري".
وأعرب كذلك عن استيائه من غياب المرأة عن قائمة الوزراء المقترحين، مبينا أن المرأة قادرة على تحمل المسؤوليات كاملة وقادرة على العطاء.

ومن المتوقع أن تثير تصريحات الرئيس التونسي جدلا واسعا على خلفية عدة قضايا خلافية مثار جدل منذ تبني تونس نظاما سياسيا 'هجينا' لا هو برلماني صرف ولا هو رئاسي يفجر في كل مرة سجالات حول الصلاحيات وما إذا كان يحق لرئيس الدولة التدخل في التعديلات التي يجريها رئيس الحكومة.

وفي 16 يناير/كانون الثاني الجاري، أعلن المشيشي إجراء تعديل وزاري شمل 11 حقيبة من أصل 25 جاء على وقع الانسداد السياسي وعلى ضوء احتجاجات اجتماعية متفاقمة.

وتناول اجتماع مجلس الأمن القومي الذي عقد في قصر قرطاج بالعاصمة، جملة من المسائل المتعلقة أساسا بالأوضاع الصحية والسياسية التي تمرّ بها البلاد، بحسب بيان للرئاسة.

وحضر الاجتماع المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي ووزراء الدفاع الوطني، والعدل والاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار والصحة كما حضرته النائبة سامية عبو عن التيار الديمقراطي.

ومن المتوقع أيضا أن يثير حضور عبو التي سبق أن دخلت في إضراب جوع واعتصام أمام مكتب الغنوشي رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة واستقبلها سعيد بعد ذلك، جدلا خاصة وأن الأمر يتعلق باجتماع لمجلس الأمن القومي.
ويأتي الشلل السياسي في تونس بينما تُضعف جائحة كوفيد-19 الاقتصاد المنهك بالفعل والذي انكمش أكثر من 8 بالمئة العام الماضي، فيما يحث كل من المقرضين الأجانب والاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) ذو التأثير القوي على إجراء إصلاحات سريعة. كما تتصاعد الاحتجاجات على عدم المساواة وانتهاكات الشرطة في البلاد.

وسيعرض رئيس الوزراء غدا الثلاثاء التعديلات المعلنة الأسبوع الماضي أمام البرلمان لنيل الثقة.

ولم يكن الاقتصاد التونسي يحقق أي تقدم حتى قبل تفشي الجائحة نظرا لتباطؤ النمو وزيادة العجز والدّين العام وفشل الشركات المملوكة للدولة.

وفي مؤشر على الخلافات بين رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة، قرر رئيس الوزراء التونسي استحداث وزارتين إحداهما للطاقة والمناجم والأخرى للتكوين المهني والتشغيل والاقتصاد التضامني، إضافة إلى إعادة تسمية وزارتين على الرغم من انتقادات وتحفظات قيس سعيد التي أعلنها خلال اجتماع مجلس الأمن القومي.

وفي اجتماع لمجلس الوزراء عبر تقنية التواصل المرئي برئاسة المشيشي، قالت رئاسة الحكومة إنه تقرر استحداث وزارتين الأولى للطاقة والمناجم والثانية للتكوين المهني والتشغيل والاقتصاد التضامني، مضيفة أنه "تم تقرير إعادة تسمية وزارة الشباب والرياضة والإدماج المهني بوزارة الشباب والرياضة وإعادة تسمية وزارة الصناعة والطاقة والمناجم بوزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة".

وتابعت أن "مجلس الوزراء نظر في الهيكلة الجديدة للحكومة تطبيقا لمقتضيات الفصل (المادة) 92 من الدستور المتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة في إحداث وحذف الوزارات".

وتنص هذه المادة على أن "رئيس الحكومة يختص بإحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء".

كما يختص رئيس الحكومة، وفق تلك المادة، بـ"إقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البت في استقالته وذلك بالتشاور مع رئيس الجمهورية، إذا تعلق الأمر بوزير الخارجية أو وزير الدفاع."

وفي الوقت الذي يستعد فيه المشيشي لعرض تشكيلة حكومته بعد التعديلات الأخيرة على البرلمان للتصويت على نيل الثقة، أعلنت الكتلة الديمقراطية ثاني كتلة في البرلمان اعتراضها على التعديل الوزاري الموسع.

وأعلنت الكتلة التي تضم 38 نائبا أن نوابها لن يمنحوا أصواتهم للوزراء الجدد. وقال النائب زهير المغزاوي "نحن نعترض على المسار الحكومي برمته، هذه الحكومة لا تملك المشروعية وليس لها برنامج"، مضيفا "ما يحصل أن رئيس الحكومة يريد الحفاظ على منصبه في مقابل الابتزاز الذي تمارسه الأحزاب الداعمة له، كنا نفضل لو حصل تقييم لأداء الحكومة في جلسة أمام البرلمان قبل إعلان التعديل".

وتدعم  الحكومة أحزاب حركة النهضة الإسلامية وقلب تونس وكتلة الإصلاح الديمقراطي، وتمثل هذه الأحزاب مئة نائب في البرلمان.

وليس هناك ما يفرض في الدستور على رئيس الحكومة عرض التعديل الحكومي على التصويت، لكن الخطوة من شأنها أن تعزز الحزام السياسي للحكومة.

وقال المغزاوي "يفرض النظام الداخلي للبرلمان عرض الوزراء المقترحين لنيل الثقة، كل التعديلات عرضت على البرلمان بعد الثورة".

ومن أجل نيل ثقة البرلمان يحتاج التعديل للأغلبية المطلقة بـ109 أصوات على الأقل.

ويأتي التعديل في أعقاب احتجاجات اجتماعية واضطرابات ليلية شهدتها عدة مناطق قبل نحو أسبوعين ضد البطالة والفقر وضد السلطة.