خمسون عاما على هلال نجيب محفوظ

العدد الخاص الذي أصدرته مجلة الهلال لا يزال يشكل مرجعا مهما لكل دارسي أدب نجيب محفوظ.
الرجل نال تقدير القراء قبل أن ينال تقدير النقاد، وقبل أن ينال تقدير الصحافة
قراء نجيب محفوظ هم الذين اكتشفوه فأحبوه وتعلقوا بما فيه من صدق وعمق وأصالة فنية عالية

خمسون عاما تمر على صدور العدد الخاص عن نجيب محفوظ الذي أصدرته مجلة "الهلال" في فبراير 1970 (العدد الثاني للسنة الثامنة والسبعين) برئاسة تحرير رجاء النقاش، وقت أن كان أحمد بهاء الدين رئيس مجلة إدارة مؤسسة الهلال.
ولا يزال هذا العدد – الذي جاء في 210 صفحات - يشكل مرجعا مهما لكل دارسي أدب نجيب محفوظ، حيث شارك فيه أكبر نقاد وأدباء مصر في تلك السنوات الحافلة بالإنجازات الأدبية والفنية والنقدية.
يُفتتح العدد بكلمة رئيس التحرير التي جاءت بعنوان: لماذا نجيب محفوظ؟ والتي أوضح فيها أن المجلة قدمت في السنوات الأخيرة أربعة أعداد خاصة عن أربع شخصيات تعتبر كل منها ركنا أساسيا في الحركة الأدبية والفكرية العربية المعاصرة، وهذه الشخصيات هي: طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وأحمد شوقي. وأضاف: واليوم تقدم الهلال هذا العدد الخاص عن نجيب محفوظ، فلماذا نجيب محفوظ؟ خاصة أن الرجل نال تقدير القراء قبل أن ينال تقدير النقاد، وقبل أن ينال تقدير الصحافة، فقراء نجيب محفوظ هم الذين اكتشفوه فأحبوه وتعلقوا بما فيه من صدق وعمق وأصالة فنية عالية.
ويؤكد النقاش أن محفوظ أصبح "بديهية أدبية" لا مجال للاختلاف عليها أو إنكار دورها البارز في حياتنا الأدبية المعاصرة، مهما كان هناك من اختلاف في تقييم هذا الدور.
وتبدأ دراسات العدد بـ "مأساة الثائر الفرد عند نجيب محفوظ" للناقد د. علي الراعي، وفيها يتوقف عند رواية "الشحاذ" لنجيب محفوظ وشخصية عمر الحمزاوي الثائر الذي يجد نفسه فجأة بلا عمل، ليس لأن قوات الرجعية أطبقت على ثورته، بل لأن الثورة تحققت دون تدخل منه.
أما الناقد محمود أمين العالم فيتحدث عن تأملاته في "خمارة القط الأسود" و"تحت المظلة" بما تشكلانه من مرحلة جديدة في عالم نجيب محفوظ.
ويكتب إبراهيم عامر عن نجيب محفوظ سياسيا من ثورة 1919 إلى يونيو 1967، متوقفا عند النساء والسياسة في أعمال نجيب محفوظ، وسعد زغلول زعيما وشارعا وتمثالا. مؤكدا ابتعاد محفوظ عن العمال والفلاحين في معظم أعماله.
ويقدم ضياء الدين بيبرس تحقيقا أدبيا من خلال عشرة نقاد يطرحون عشر قضايا في محاكمة نجيب محفوظ. وقد شارك في هذ التحقيق: أنيس منصور، ورجاء النقاش، ود. رشاد رشدي، ورشدي صالح، ود. فاطمة موسى، وفؤاد دوارة، ود. لطيفة الزيات، ود. لويس عوض، والشاعر الفلسطيني معين بسيسو، ود. مصطفى سويف.
ومن خلال هذا التحقيق يرى نجيب محفوظ أن ما سيتبقى من إنتاجه الأدبي هو ما يستوعب عصره، وقد تقترب من البقاء الثلاثية أو زقاق المدق لا كأعمال فنية، ولكن كوجه من وجوه مصر.
ويكتب الناقد الفني بدر الدين أبوغازي عن لقاء بين أدب نجيب محفوظ والفن التشكيلي، وربط بين إبداع محفوظ وإبداع محمود سعيد حينما قال: وجوه كثيرة من صنع  محمود سعيد بملامحها وألوانها وظلالها تبدو كأنها غادرت لوحاته واستقرت بين سطور نجيب محفوظ. كلاهما فنان متوقد الحس، نافذ الرؤية. ومن هنا تتقارب سمات المرأة بنت البلد عندهما، كما تتقارب مشاهد الحياة الشعبية بألوانها العميقة وسحرها الغريب. 
كما يشير أبوغازي إلى علاقة ما بين إبداع نجيب محفوظ وإبداع فنانين آخرين من أمثال: محمد ناجي وصلاح طاهر ومحي الدين طاهر ويوسف كامل وجورج البهجوري ومحمد صبري وهدايت وعبدالهادي الجزار. ويؤكد أبوغازي أن حميدة بملامحها ولون بشرتها وسحر عينيها تكاد تطل من لوحات محمود سعيد تلقاها عنده بكل أوصافها.  

hilal
أم كلثوم في حفل عيد ميلاد نجيب محفوظ بالأهرام

وتتوقف الناقدة د. لطيفة الزيات عند الشكل الروائي عند نجيب محفوظ من "اللص والكلاب" إلى "ميرامار".
وتنشر "الهلال" قصة جديدة لصاحب "أولاد حارتنا" تنشر لأول مرة في هذا العدد بعنوان "روح طبيب القلوب". 
ويقدم د. أدهم رجب صفحات مجهولة من حياة نجيب محفوظ، متحدثا عن الملامح والسمات الشخصية الباكرة لنجيب محفوظ في صباه، تحت عناوين: نجيب محفوظ لاعب كرة، وعقله في رأسه، ابن نكته، مكارم الأخلاق، خوَّاف كبير، اسمه جنى عليه، الشيشة وصالح عبدالحي، وفاؤه للأشخاص وللعادات، ويشارك نجيب محفوظ بالتعليق على بعض آراء الدكتور أدهم رجب.
ويتحدث الناقد فؤاد دواره عن الوجدان القومي في أدب نجيب محفوظ. ويحاور سمير عوض المستشرق الفرنسي الأب جاك جومييه عن ثلاثية نجيب محفوظ، وكان جومييه قد أنجز دراسة عن ثلاثية نجيب محفوظ في حوالي سبعين صفحة، وهي تعد أوفى بحث يكتبه باحث أجنبي عن الثلاثية حتى نهاية الستينيات.
ويكتب صبري حافظ عن نجيب محفوظ بين الدين والفلسفة. ويتوقف كمال النجمي عند الغناء والمغنين في أدب نجيب محفوظ. ويكتب محمد عفيفي عن نجيب محفوظ رجل الساعة. ويحدثنا صلاح البيطار عن ترجمة قصة "عنبر لولو" إلى الألمانية.
ويكتب محمد صبري عن الروح والصورة ويعلق صاحب "ميرامار" على الصور التي يختارها صبري للنشر في هذا العدد الخاص، ومنها صورة جمعت أم كلثوم بنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم عند الاحتفال بعيد ميلاد نجيب محفوظ الخمسين بجريدة الأهرام.
ويعلق الفنان صلاح طاهر على رسوم أم كلثوم نجيب محفوظ تحت عنوان "هذه الفنانة بنت نجيب محفوظ". وتكتب الناقدة د. فاطمة موسى عن عبدالله والعودة إلى الحارة. بينما يتناول الناقد عبدالرحمن أبوعوف الزمن الروائي عند نجيب محفوظ.
ويحدثنا هاشم النحاس عن دور نجيب محفوظ في السينما المصرية، بينما يتناول أحمد أبوكف المرأة والجنس في أدب نجيب محفوظ، من خلال حوار عميق أجراه أبوكف مع صاحب "الثلاثية".
وعند عالم المسرح يتوقف محمد بركات في حوار حول مسرح نجيب محفوظ، حيث لوحظ أن محفوظ نشر في مجموعته القصصية "تحت المظلة" خمس مسرحيات قصيرة من ذات الفصل الواحد هي: يميت ويحيي" و"التركة" و"النجاة" و"مشروع للمناقشة" و"المهمة"، ويوضح نجيب محفوظ أنه لم يفكر عن قصد عمدي مسبق في الكتابة للمسرح، وقال: وجدت نفسي أمام أبوابه العظيمة. وقد جاء ذلك في تطور طبيعي وبالتدريج حين وجدت نفسي أحس – أو أضطر – إلى ضرورة الاعتماد كثيرا على الحوار في عدد غير قليل من قصصي ورواياتي.