خمس سنوات سجنا لصحافي جزائري أزعجت أراؤه النظام

القضاء الجزائري يقرر حلّ الشركة الناشرة لـ"راديو إم" وموقع "مغرب إيمرجان" الجزائريين وتغريمهما بمليون دينار.
الصحافي إحسان القاضي ومحاموه قاطعوا المحاكمة بسبب الانتهاكات التي شهدتها

الجزائر - قضت محكمة سيدي امحمد بوسط العاصمة الجزائرية اليوم الأحد بالسجن خمس سنوات منها ثلاث نافذة في حق الصحافي الجزائري إحسان القاضي الموقوف منذ موفى العام الماضي بتهمة تلقي أموال من الخارج بعد انتقادات وجهها إلى النظام، في وقت تواصل فيه السلطات الجزائرية تكميم الأصوات المعارضة والتضييق على الحريات، فيما يذهب بعض النشطاء والحقوقيين إلى حد القول إن "الجزائر تحولت إلى سجن كبير".

وتشكّل هذه المحاكمة أحدث حلقة من ملاحقة النظام الجزائري لأي صوت ينتقده، إذ وجد الصحافي نفسه وراء القضبان على خلفية مقال نشره في العام 2021 على موقع "راديو أم" الذي يديره دافع فيه عن حق "حركة رشاد" الإسلامية المحظورة في المشاركة في الحراك الشعبي للمطالبة بالديمقراطية.

وأصدر القاضي في جلسة علنية حضرها إحسان القاضي حكما بـ" ثلاث سنوات سجنا نافذا وسنتين سجنا غير نافذ وغرامة مالية قدرها 700 ألف دينار (نحو 4800 يورو)". وفور النطق بالحكم، رفع الصحافي يده في السماء بإشارة النصر قبل أن يتم إخراجه من القاعة.

و"سيتم استئناف الحكم في الآجال المطلوبة بحسب الاتفاق المسبق مع موكلنا"، بحسب ما أكد المحامي عبدالغني بادي أحد أعضاء هيئة الدفاع التي قاطعت جلستي المحاكمة والنطق بالحكم احتجاجا على "عدم توافر ظروف المحاكمة العادلة".

وكانت النيابة طلبت في 26 مارس/آذار إنزال عقوبة السجن خمس سنوات نافذة بمدير محطة "راديو إم" الجزائرية وموقع "مغرب إيمرجان" الإخباري، بتهمة "تمويل أجنبي لشركته" بموجب قانون العقوبات.

وأوقف القاضي في 29 ديسمبر/كانون الأول في إطار تحقيق في جمع تبرعات غير مشروعة. وقالت محكمة العاصمة إنه يشتبه بأنه "تلقى مبالغ مالية وامتيازات من أشخاص ومنظمات في البلاد وخارجها من أجل الانخراط في أنشطة من شأنها تقويض أمن الدولة واستقرارها".

وتتعلق التهمة بالمادة 95 مكرر من قانون العقوبات الخاصة بتلقي أموال من الخارج وعقوبتها بحسب القانون السجن بين 5 و7 سنوات بحق "كل من يتلقى أموالا أو هبة أو مزية، بأي وسيلة كانت، من دولة أو مؤسسة أو أي هيئة عمومية أو خاصة أو من أي شخص طبيعي أو معنوي، داخل الوطن أو خارجه، قصد القيام بأفعال من شأنها المساس بأمن الدولة أو باستقرار مؤسساتها ...".

وفي الدعوى المدنية، حكمت المحكمة بحل شركة "أنتر فاس ميديا" الناشرة للوسيلتين الإعلاميتين مع تغريمها مليون دينار (6800 يورو).

كذلك حكمت بـ"مصادرة الوسائل والمنشآت المستعملة لاستغلال خدمة السمعي البصري غير المرخصة" استنادا إلى قانون السمعي البصري، بعد ان تأسست سلطة ضبط السمعي البصري وهي هيئة رسمية تراقب عمل القنوات التلفزيونية والإذاعية، كطرف مدني في القضية.

ولم تفلح جميع النداءات التي أطلقتها المنظمات في إيقاف المحاكمة وتجاهلت السلطات الجزائرية عريضة لـ"مراسلون بلا حدود" طالبت بإطلاق سراحه تحمل أكثر من 10 آلاف توقيع وصمت آذانها عن كافة المطالب برفع "سيفها" عن الإعلام.

وانضم فريق دولي من محامين من فرنسا وبلجيكا وتونس والمغرب وموريتانيا إلى هيئة الدفاع المشكلة من محامين جزائريين للدفاع عن مدير إذاعة "راديو أم" وموقع "مغرب ايمارجون".

وقبل يومين من الموعد الأول للمحاكمة التي كانت مقررة في 12 مارس/آذار قرر الصحافي ومحاموه مقاطعتها بعد "الانتهاكات القانونية التي شابت القضية"، وفي غياب "شروط وضمانات محاكمة عادلة".

كما أوقفت السلطات الجزائرية في فبراير/شباط الماضي الصحافي مصطفى بن جامع رئيس تحرير صحيفة "لوبروفنسيال" في القضية المتعلقة بهروب الناشطة والصحافية الجزائرية أميرة بوراوي التي تسببت في أزمة بين الجزائر وباريس.

وتحتل الجزائر المرتبة 134 من بين 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي وضعته منظمة "مراسلون بلا حدود" في 2022.

 منظمات حقوقية تتهم السلطات الجزائرية بتضييق الخناق على الحريات من خلال الزج بعشرات الصحافيين والنشطاء في السجون بتهم كيدية

وتلتصق بالنظام الجزائري اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، خاصة بعد حملة القمع الواسعة التي طالت العشرات من نشطاء الحراك الشعبي وانتهت بالعديد من الإعلاميين في السجون بعد أن وجهت لهم تهم توصف بـ"الكيدية" بهدف التخلص منهم.

وتبقى "الجزائر الجديدة" التي يطنب الرئيس عبدالمجيد تبون في الحديث عنها في أغلب المناسبات، مجرد شعار يروج له النظام للتمويه والتغطية على انزلاق البلد نحو مربع الدكتاتورية والاستبداد والتسلط ومصادرة الحريات.

وينتقد العديد من النشطاء الجزائريين ما يعتبرونه الفتور" أو "الصمت" الأوروبي في التعامل مع ملف حقوق الإنسان بالجزائر، لكن مراقبين يفسّرون هذا التجاهل بأزمة إمدادات الطاقة وتحول الجزائر إلى مزوّد رئيسي لأوروبا بالغاز الطبيعي ما يجعل الاهتمام الدولي بقضايا الحريات في أدنى مستوياته وهو وضع يستثمره النظام الجزائري لزيادة إحكام قبضته على معارضيه.

وصادق مجلس النواب الجزائري الثلاثاء بالأغلبية على مشروع قانون جديد للإعلام يضبط إجراءات إنشاء المؤسسات الإعلامية ويمنع أي تمويل أجنبي للوسائل المحلية.

وتعتبر المعارضة وقوى حقوقية أن النظام الجزائري انتقل إلى مرحلة أشد قمعا على طريق الإجهاز على ما تبقى من فتات الحريات وتدجين وسائل الإعلام.