خيوط الوصل بين الكردي والعربي في "آتيلا آخر العشاق"

رواية الكاتب سردار عبدالله تتناول وجع الكُردي وحملات إبادته وثوراته، عبر خلط الأسطورة بالواقع ومزج قضايا العشق بالسياسة.
رواية تهتم بالصراع الطبقي والتقاليد وسطوتها والصراع الطائفي وانعكاساته الاجتماعية
عشق الأنثى والكأس والثورة في توليفة روائية بديعة

بقلم - جما كرمياني

"آتيلا آخر العشاق" هو اسم لرواية جديدة تطرح قضايا العشق وعلاقتها بالثورة وخيوط الوصل بين العربي والكُردي، لسردار عبدالله، ذاك المستقل الكُردي والسياسيّ، الذي رشّح نفسه لرئاسة العراق.
لا نعرف بضبط إن كان ودّع السياسة، وصار رجل الأدب، أم يقارب الأدب من خندق السياسة.
للوهلة الأولى، يظن أحدنا انّه يتحدث السياسة من نافذة الروايّة بعد أن بقي خطاب السياسة في حالة الجمود بلا ولادات جديدة، وقد يكون على غير ما نقول. بالعموم سردار عبدالله ليس أول سياسي يخوض الأدب وهو مازال متمسكاً بموقعه السياسيّ، والذي يقول "أنا الإبن الشرعي للسياسة"!
الروايّة، التي نتحدث عنها، صدرت من دار "نوفل" وهي معروضة في معرض الكتب ببيروت الآن، لكن يقول عبدالله بأنه عهد على نفسه أن يكون التوقيع الأول له في بغداد وثم في كُردستان، وبهذا المعنى لم يكفل نفسه للذهاب إلى بيروت، ويوقع كتابه الأول هناك.
يستهل "آتيلا آخر العشاق" السرد في ليلته الأخيرة بالوقوف متشككا "متحديا الغيب" بكأس من الخمر، متحيراً فيقرر شربها حين يغضب فـ"يكفر" بكل شيء، ثم يهدأ فيستغفر ويقرر عدم شربها، والإستمرار بالإلتزام بتوبته التي تلقاها قبل سنوات على يد قروية أمية عشقها، ورفضوا تزويجها به لعدة أسباب، فتنتشر الحكاية لتصبح شاغلة الناس، الذين يتفاعلون معها، مثلما أصبحت حكاية توبته شغلهم الشاغل من قبل. 
وتستمر هذه المكابدة بين شربه كأس العرق الذي يعني نقض توبته والعودة إلى حياة الإدمان التي عاشها قبل لقائه تلك الفتاة القروية، وبين عدم شربها والبقاء ملتزماً توبته وعهده لحبيبته فاطمة، التي لن يلتقيها لأنها سيقت مع أهلها وعشرات الآلاف الى المقابر الجماعية أثناء جرائم الانفال.
يتكفل شاسوار بالتوالي مع آتيلا بسرد بقية الفصول مستذكراً ما حدث في عقدين من تاريخ العراق وكُردستان، بما فيها صعود الثورة الكُردية وانهيارها نتيجة اتفاقية الجزائر، ثم الحرب العراقية الإيرانية، ثم حرب الكويت بمرحلتيها، وانتفاضة العراقيين ومهنم شعب كُردستان.
 موفراً بذلك الخلفية السياسية والإجتماعية التي تدور فيها احداث حياة آتيلا الذي كان مدمنا سكيرا فتاب على يد تلك القروية، ويهتدي في جلسة سمر يلتقي فيها مقاتل شيوعي عربي من الناصرية بشاسوار الذي يريد قتله، لكنه يكمل معه الليلة بجلسة صفاء خمرية مستغرقين في الحديث عن الأغاني والشعر، والشاعر الصوفي الكبير فريد الدين العطار، فيهيم آتيلا إلى أن يحصل على نسخة من كتاب العطار المسمى (منطق الطير)، فتنزل روح العطار في آتيلا الذي يكابد بعض ما وقع للعطار قبل قرون من ذلك. ويؤدي كل هذا إلى حضور كبير للعطار، وكتابه الذي يشكل الفضاء العشقي العرفاني لمجمل النص، الذي يبدأ كل فصل من فصوله باقتباس من العطار، وتندرج عشرات الحكايات الواردة في منطق الطير في النص الروائي، وكل حكاية حسب سياقها ومقتضيات السرد. كل ذلك يحرق روح آتيلا بالشوق الى مزارات العشاق، ومعابد يصلي فيها متجاوزاً خلافها مع دينه الإسلامي، فيذهب لزيارة مزار العطار في مدينة نيسابور التي يقيم فيها عدة أشهر يتعلم خلالها العزف على آلة الطنبور.

رواية كردية
رواية المؤمن المتيقن

أثناء كل ذلك يتم تسليط الضوء على العديد من المعضلات: من الصراع الطبقي، التقاليد وسطوتها، الصراع الطائفي وانعكاساته الاجتماعية، الصراع القومي، التعايش القومي الذي يتوج باستشهاد مقاتل عربي بغدادي في صفوف الثورة الكُردية، الثورات الكُردية وهزائمها وانتصاراتها، جرائم الإبادة الجماعية بما فيها الأنفال وقصف حلبجة بالسلاح الكيمياوي، وغيرها الكثير. وكذلك تسترجع أحداث هامة في لباس روائي منها: موت هواري بومدين، والثورة الإيرانية وهروب الشاه وسقوط نظامه، وغيرها من الأحداث المفصلية التي حكمت حياة شعوب المنطقة ومصائرها.
إنّها رواية وجع الكُردي، وحملات إبادته وثوراته.. النص الروائي سفر العشق، اذ يختلط عشق الأنثى، بعشق الكأس، بعشق الثورة بعشق الله الذي يغرس حب جميع البشر، لا بل وحتى حب جميع كائناته. 
تختلط فيه الإسطورة بالواقع، من خلال حضور العديد من الأنبياء والأولياء، الذين يلتقيهم في عروجه الأخير نحو السماء، في مشهد ينتهي باندماج روح آتيلا بروح فاطمة وبالذات الإلهية كما حدث تماماً في نهاية رحلة الطير واكتشافها الذات الألهية في مرآة أبدعها بتفرد كبير فريد الدين العطار في منطق الطير.
 في الجانب الآخر منه هو رواية المؤمن المتيقن الذي يكابد ، شكى قاتلاً عالقاً في وادي الحيرة التي يذكرها العطار في كتابه من ضمن الوديان السبع التي يقطعها الطير بهداية من الهدهد، بغية الوصول الى جبل القاف والمثول أمام الحضرة الإلهية. فتختزل كأس العرق تلك الحد الفاصل بين الكفر المطلق والإيمان الذي يصل حد اليقين.
وسردار عبدالله، من مواليد بغداد عام 1966، ترك دراسته الاعدادية عام 1985 والتحق بصفوف البيشمركة، وبقي  مستمرا في النضال السياسي لحد هذه اللحظة، ترشح لمنصب رئيس جمهورية العراق (2018)، وهو مؤسس ورئيس تحرير مجلة (كوفار) التي نشرت في الكردية 1998
ورئيس تحرير صحيفة (هريمي كُردستان) اليومية الناطقة باسم حكومة اقليم كُردستان 2000-2001، ورئيس تحرير صحيفة (روزنامة) اليومية 2007.
ويكتب باللغتين الكُردية والعربية للصحف العراقية والعربية الدولية منذ عام 1997. نشرت له العديد من الصحف العربية مثل الشرق الأوسط، الحياة، الزمان، ايلاف، الإتحاد، الفرات والمدى، في مجالات السياسة والفكر والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة.
وله من الكتب: الأزمات والإعلام (الكُردية)، والوقوع في الفخ (العربية)، وله مخطوطات جاهزة للطبع باللغتين العربية والكُردية بما فيها روايتان.