'خيوط وأنامل' تنسجها المغربية لمياء نهاري في معرض تشكيلي

الفنانة التشكيلية تجعل من القفطان المغربي تيمة تراثية للوحاتها الفنية.

الرباط - استضاف رواق محمد الفاسي في مقر وزارة الثقافة بالرباط معرضًا فنيًا بعنوان "خيوط وأنامل"، للفنانة التشكيلية لمياء نهاري، وذلك في الفترة بين 21 مايو/أيار و 6 يونيو/حزيران 2024.

وينظم هذا المعرض تحت إشراف وزارة الثقافة والشباب والتواصل/قطاع الثقافة، ويضم مجموعة من اللوحات التي تجمع بين القفطان المغربي الأصيل والتراث المغربي، إذ تسعى لمياء نهاري من خلال هذا الحدث إلى الترويج للقفطان المغربي كتراث ثقافي بالتزامن مع تسجيله في قائمة التراث اللامادي للإيسيسكو.

وفي هذا السياق كان ل"ميدل ايست اونلاين" لقاء صحفي مع التشكيلية لمياء نهاري حول كواليس معرضها الفني، وفيما يلي نص الحوار:

كيف استلهمتي فكرة دمج القفطان المغربي مع الفن التشكيلي في أعمالك؟

في الحقيقة اختيار موضوع القفطان المغربي لم يكن وليد الصدفة بل هو استرجاع لذاكرة الطفولة من خلال عوالم الألوان والقماش والطرز المتنوع وسفر عبر الزمن في البيئة التي ترعرعت بها من خلال إبداعات والدتي التي كانت تمارس فن الحياكة والطرز مثل العديد من نساء المغرب بالمدن العتيقة، هذا الإبداع توارثته النساء المغربيات عبر الأجيال، والذي تمتد جذوره في التقاليد المغربية المتنوعة التي تميز مختلف مناطق المغرب.

والتعبير عن القفطان من خلال الفن التشكيلي هو مساهمة  في التعريف بهذا الموروث الثقافي وجماليته ومحاولة إبراز التنوع التراثي الذي يتمتع به الزي المغربي عبر مختلف العصور، وإعطاء صورة إيجابية عن هذا العنصر الثقافي الغني ودعم المبادرات التي تقوم بها المؤسسات المختصة قصد تصنيفه في لائحة التراث الإنساني وحمايته من السرقة التي أصبحت تهدد العديد من المكونات الثقافية الأصيلة لبلدنا الحبيب.

ما هي الرسالة التي تحاولين إيصالها من خلال لوحاتك الفنية في هذا المعرض؟

هي أن كل المغاربة مطالبون بالحفاظ على المكونات التراثية للثقافة المغربية التي تعد مزيجا وتلاقحا للعديد من الحضارات التي مرت بالمغرب منذ عدة عصور؛ هذا التراث الغنى والمتنوع هو كنز حقيقي يجب أن نحافظ عليه من خلال توثيقه وجرده وتثمينه والتعريف به على المستوى العالمي، لأنه يساهم في التعريف بالمغرب وبحضارته، حيث بصفتي فنانة تشكيلية وباحثة أكاديمية من واجبي أن أعرف بهذا الموروث الثقافي اللامادي من خلال الألوان والتعابير التراثية.

كيف يمكن للفن أن يلعب دوراً في الحفاظ على التراث الثقافي، خاصة من خلال تجسيد القفطان المغربي في الفن التشكيلي؟

الفن التشكيلي هو وسيلة للتعبير عن أحاسيس الفنان وكذلك عن الأفكار التي يتشبع بها والتي يحاول أن يجسدها عبر الألوان والأشكال والمواضيع، وبحكم دراستي الجامعية بسلك الدكتوراه في مجال التاريخ والتراث اكتشفت تنوع الموروث الثقافي المغربي وما يواجه المؤسسات المكلفة بالحفاظ على التراث من صعوبات من أجل الجرد والتوثيق والحماية، خاصة فيما يتعلق بالمجموعات المتحفية التي تخص القفطان المغربي، وما يتطلبه من إجراءات تقنية للصيانة سواء أثناء العرض بالمتاحف أو التخزين، ومن هنا جاءت فكرة توثيق القفطان المغربي من خلال الفن التشكيلي ومزجه مع خصوصيات تراثية أخرى كالحلي والزليج والمعمار والفرس، وهذه العناصر كلها مستوحاة من الثقافة المغربية الغنية، وهذه اللوحات هي في حد ذاتها مرآة تجسد غنى الموروث الثقافي وتساهم في التعريف به وتوثيقه بطريقة إبداعية فنية عبر المعارض الوطنية والدولية.

ما هي التحديات التي واجهتك أثناء تجسيد هذه الفكرة في أعمالك؟

في الحقيقة لم تكن هناك صعوبات كثيرة، باستثناء عامل الوقت بحكم الالتزامات المهنية  بوكالة التأمين التي أسير والتي تتطلب مواكبة فورية للملفات والالتزام مع المرتفقين والزبائن، وهو ما دفعني إلى تهيئة ورشة الرسم التي أشتغل بها بالطابق العلوي لوكالة التأمين، وتخصيص وقت للرسم والإبداع بعد العمل، لأن الرسم بالنسبة لي هو وسيلة للاستراحة والابتعاد عن ضغوطات العمل التي تقتضي التركيز التام، لأنه لا مجال للخطأ في مجال التأمين، وما ساعدني في مقاربة هذا الموضوع الإبداعي هو منهجية العمل التي أتبعها في إنجاز لوحاتي والتي تنهل من تجربتي الدراسية، حيث أقوم باختيار موضوع معين والبحث فيه من خلال المراجع والدراسات التجارب السابقة، ثم القيام بزيارة المتاحف أو المؤسسات الثقافية التي تتناول ذلك الموضوع، وبعد ذلك تحديد الأهداف ومنهجية العمل، ثم أطلق العنان للمشاعر الفنية لبلورة تلك الأفكار إلى لوحات تشكيلية.

كيف يمكن للفن التشكيلي أن يساهم في تعزيز الوعي بالثقافة المغربية وتنوعها؟

الفن التشكيلي هو وسيلة يمكن للمبدع أن يمرر من خلالها مجموعة من الرسائل، وتنوع الثقافة المغربية تفتح المجال للفنان التشكيلي أن يوظف العناصر التراثية للتعريف بها وحث المواطن المغربي على اكتشاف الموروث التراثي المغربي، فمثلا متحف الحلي بقصبة الأوداية بالرباط  أو متحف باب العقلة بتطوان يعرضان نماذج من القفطان المغربي ترجع للقرن الثامن عشر والتاسع عشر في غاية من الجمال والإبداع تبين عراقة القفطان المغربي، ولكن مع الأسف ليست في ثقافة المواطن العادي زيارة المتاحف واكتشاف تنوع الثقافة المغربية، ولوحات الفنان التشكيلي بإمكانها أن تصالح المواطن المغربي مع تراثه الموغل في القدم.

هل لديك خطط لمواصلة اكتشاف أنواع القفطان المغربي في أعمالك الفنية المستقبلية؟

في الحقيقة جهودي حاليا منصبة حول تيمة القفطان ولا زلت أبحث عن عناصر تراثية أخرى من خلال الكتابات التاريخية ومن خلال كنوز المتاحف الوطنيةن إذ اطلعت على كاطالوكات بعض المعارض الدولية التي نظمتها وزارة الثقافة  خارج المغرب، واكتشفت غنى القفطان المغربي، ما حفزني لزيارة عدد من المتاحف للاطلاع على تلك المجموعات المتحفية بشكل مباشر وبالعين المجردة.

وأركز حاليا على موضوع القفطان كمساهمة متواضعة من مواطنة مغربية غيورة على تراثها ولغتها وثقافتها إلى حين تصنيف هذا العنصر في لائحة التراث اللامادي للإنسانية في لائحة منظمة اليونسكو وقطع الطريق عن المتربصين بالتراث الوطني وبالهوية المغربية المتأصلة، وتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله  في الحفاظ على الموروث الثقافي واضحة وترسم خارطة الطريق للمؤسسات المكلفة بالتراث والثقافة، وحماية التراث هي مسؤولية جماعية للحفاظ عليه للأجيال اللاحقة.

وهناك في الأفق مواضيع تراثية أخرى من الثقافة المغربية ستكون بنكهة فنية جديدة إن شاء الله.

ما هو التأثير الذي تأملين أن يتركه معرضك التشكيلي على الجمهور؟ 

المعرض لاقى استحسان جمهور مدينتي طنجة وتطوان، سواء خلال افتتاح المعرضين أو بعد زيارات المغاربة والأجانب، ولدي إحساس بالفخر عندما أقرأ تعاليق  زوار المعرض بمختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا في الحقيقة سيدفعني للمزيد من البحث والاجتهاد في التعريف بالتراث المغربي من خلال الفن التشكيلي وهي مسؤولية جسيمة تتطلب الكثير من التضحيات سواء المعنوية أو المادية، ونجاح هذه المعارض يشكل بالنسبة لي تكليفا قبل التشريف.