'داعش البحر' من عدو للصيادين الى ثروة تونسية

'سرطان البحر' يتميز يسلوكه العدواني ومهاجمته الأسماك والصيادين، لكن نوعيته الموجودة في تونس مطلوبة بكثرة في الأسواق الخارجية.
قوارب بتقنيات جديدة تتأقلم مع طبيعة السلطعون العنيفة
'قبطان البحر' يختار بعناية ما يأكل، ولا يشبع
صدفة السلطعون تحتوي على الكثير من الأشواك الضارة
الوافد الجديد يتميز بقيمة غذائية كبيرة

جربة (تونس) – تتسارع الأيدي لجذب الشباك على وقع صوت محرك القارب أملا في صيد وفير.. "انظروا.. انه داعش.." يصرخ صياد من جزيرة جربة التونسية (جنوب) مستقبلا خروج المصائد ممتلئة بالسلطعون الأزرق الذي كان بالأمس عدوّا له وأصبح اليوم ثروة.
شكل السلطعون (سرطان البحر) ما بين 2014 ونهاية 2016 كابوسا وهاجسا لصغار الصيادين وسبّب لهم أضرارا، ولكنه ومنذ 2017 تحول إلى ثروة تُستغلّ ويُجنى المال منها.
وتعود تسمية السلطعون بـ"داعش" لسلوكه العدواني ومهاجمته الأسماك والصيادين.
ويوضح جمال بن جمعة زيود، البحار في جزيرة جربة "شبّهناه بداعش لأنه تكاثر بسرعة في وقت وجيز مخلّفا الخراب".
ويضيف "داعش هو ريّس البحر (القبطان)، يختار بعناية ما يأكل، ولا يشبع، وإن بقيت في الشباك أسماك يقطعها بمقصّه الحاد إلى جزئين".
بدأ هذا الحيوان الذي لم يكن مألوفا قبل أربع سنوات يعلق بشباك الصيادين في منطقة خليج قابس (جنوب) وسرعان ما انتشر وتحوّل إلى مشكلة تؤرقهم لكونه يلتهم السمك ويمزق الشباك.

شبّهناه بداعش لأنه تكاثر بسرعة في وقت وجيز مخلّفا الخراب 

يقول جمال البالغ 47 عاما "إنه لا يستسلم… يهاجمنا عندما نحاول تخليص الشباك منه، يهاجم أصابعنا ويلحق بها الأذى… إنه داعش".
انتشر السلطعون الأزرق وتكاثر بسرعة على كامل السواحل الجنوبية الشرقية التونسية لتوفر بيئة ومصادر غذاء تستهويه ولاسيما أنواع من قشريات القُريدس (الروبيان).
وارتفعت اصوات الاحتجاجات والتذمر من زحف الوافد الجديد وغزوه لشباك الصيادين مع خشية من تطور الأمور الى الأسوأ.
ويُبين جمال وعيناه تراقب أبناءه يخرجون بحذر السلطعون العالق في الشباك فوق المركب "عندما ظهر داعش كنا نستغرب شكله، وشيئا فشيأ تكاثر بسرعة وأصبح نقمة".
يتميز السلطعون بسرعته في السباحة والتنقل، وتحتوي صدفته على الكثير من الأشواك الضارة.

ويتابع الصياد مبينا صعوبة الوضع على الصيادين آنذاك "في بعض الأحيان يُتلف شباكا باهظة الثمن، وصلنا إلى مرحلة اليأس".
ويتكرر المشهد في ميناء قابس (جنوب)، ويقول ساسي عليّة الصياد والعضو في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري "نحو 1100 صياد تضرروا بسببه، نضطر لتجديد الشباك ثلاث مرات كلّ سنة بعد أن كنا نستخدمها طيلة سنتين".
أثبتت الدراسات العلمية أن السلطعون الأزرق وصل إلى السواحل التونسية عبر طريقين، وكان للنقل البحري وتغيرات المناخ دور مهم في ذلك.
ويقول مروان البديوي، الباحث في علوم الأحياء بالمعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيات البحار بحلق الوادي (حكومي)، "يرجح وصوله لتونس بعد عبوره في هجرة طبيعية لقناة السويس آتيا من المحيط الهندي والهادىء ثم دخل البحر الأبيض المتوسط".
وتتحدث الفرضية الثانية عن وصوله عبر سفن الشحن من قناة السويس إلى خليج قابس وعندما تفرغ شحناتها من المياه في الخليج تعلق بها بيوض السلطعون.
كما سرّعت التقلبات المناخية وارتفاع درجات الحرارة من هجرته حيث يّبين البديوي أن "الاحتباس الحراري وتقارب درجات الحرارة بين البحر الأحمر وخليج قابس من العوامل التي دعمت انتقاله.. إضافة الى أن خليج قابس يحتوي على مصادر غذاء جاذبة لهذا الحيوان كقشريات القريدس".
يملك جمال مع أفراد عائلته الواسعة أربعة قوارب كانت مخصصة كلها لصيد أنواع شتى من الأسماك تدرّ عائدات مالية مهمة. غير أنه وبعد تراجع المنتوج وإنشاء معامل لتصدير السلطعون، تحوّل اهتمام العائلة إلى هذا النوع وأصبحت القوارب الثلاثة مخصصة لصيده بتقنيات جديدة تتأقلم وطبيعته العنيفة.
مع تزايد احتجاجات الصيادين والتهديد الذي لحق بموطن رزقهم، أطلقت الحكومة خطة لدعمهم، ووضعت تجهيزات جديدة لتسهيل عملية صيد السلطعون في بداية العام 2016 خصوصا. واتضح لاحقا أن نوعية السلطعون المتواجد مطلوبة بكثرة في الأسواق الخارجية.
ويقول الصياد جمال وهو يُجهز مصائد صنعت من البلاستيك المدعم والفولاذ ليضع فيها قطعا من لحم الدجاج يستدرج بها السلطعون الأزرق "اليوم الوضع تغير وانقلبت الصورة تماما".
ويضيف "صحيح أننا نبيعه بأثمان زهيدة (حوالى نصف يورو) لكن الوضع أفضل من السابق".
وجذب المنتوج البحري الجديد مستثمرين لمنطقة جرجيس. وتركزت فيها أول منشأة صناعية لتصديره وأصبحت شاحنات جمعه تصطف لإفراغ الصناديق لتمر مباشرة إلى عملية الفرز بين الأنثى الذكر، وتتابع طريقها للمعالجة والتعليب ثم الشحن نحو الخارج.
ويوضح كريم الهمامي، المدير العام المساعد في أحد المصانع "السلطعون قشريات تتأثر بالحرارة .. يتطلب جهدا وعملا دقيقا خلال عملية الإنتاج من مرحلة الصيد وصولا للتصدير".
بلغت صادرات السلطعون حوالي 1450 طن خلال السبعة أشهر الأولى من سنة 2018 بعائدات مالية تناهز 8,6 مليون دينار (حوالي 3 مليون يورو).
ويوصي جمال بتناول الوافد الجديد أسبوعيا سواء مشويا أو مغليا للقيمة الغذائية  الكبيرة التي يحتوي عليها "أنصح الرجال المقبلين على الزواج بتناوله، فهو مفيد لهم ..ثمرة من ثمار البحر".