داعش والقاعدة والضغط المتواصل

فلول القاعدة تحركت من جديد هذه المرة في 2003 إلى المناطق القبلية لباكستان في منطقة نائية بمحاذاة الحدود الأفغانية الباكستانية حيث لدى الحكومة الباكستانية سيطرة محدودة فقط وحيث لم يعد التنظيم تحت ضغط الحكومتين الأميركية أو الباكستانية.

بقلم: مايكل مورل

 كنا منخرطين بشكل عميق في معركة بلدنا ضد «القاعدة» ومعركته الأولى ضد «داعش»، ونعتقد أنه من الضروري أن يتذكر الرئيس ترامب ما نعتبره أهمَّ درس لمحاربة الإرهاب، ألا وهو: قدرة التنظيمات الإرهابية على الانبعاث والتجدد بسرعة إذا تم تقليص الضغط عليها. والنسق واضح: فإذا لم نُبقِ على الضغط على «داعش» وتنظيمات أخرى، فإننا نعتقد أن بلادنا ستواجه تهديداً مرة أخرى. وقد رأينا هذا النسق بشكل متكرر خلال مسيرتنا المهنية – دائماً مع عواقب يمكن أن تكون كارثية. فعندما أخرجت الولايات المتحدة «القاعدة» من أفغانستان في خريف 2001، ذهب التنظيم إلى منازل آمنة معدة سلفاً في المناطق الحضرية لباكستان، حيث واصل القيام بالتخطيط لهجمات شرسة. وعلى مدى السنة التالية، قامت «وكالة الاستخبارات المركزية»، بدعم من الاستخبارات الباكستانية، باعتقال العديد من أعضاء «القاعدة» بشكل ممنهج، بمن فيهم عدد من زعماء التنظيم، وقلّصت بشكل مهم قدرات التنظيم على مهاجمتنا.

وبعد ذلك، تحركت فلول «القاعدة» من جديد، هذه المرة في 2003 إلى المناطق القبلية لباكستان – في منطقة نائية بمحاذاة الحدود الأفغانية- الباكستانية حيث لدى الحكومة الباكستانية سيطرة محدودة فقط، وحيث لم يعد التنظيم تحت ضغط الحكومتين الأميركية أو الباكستانية.

ومن دون ذلك الضغط، استعاد التنظيم القدرة على مهاجمتنا. فبحلول صيف 2005، خططت «القاعدة» ونظّمت هجمات لندن في يوليو 2005. وبحلول صيف 2006، استطاعت «القاعدة» مرة أخرى مهاجمة الولايات المتحدة على نحو كارثي. وفقط بفضل العمل الممتاز، الذي قامت به أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والباكستانية، أمكن تجنب مخطط لتفجير متفجرات على متن 10 إلى 15 طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة من مطار هيثرو في لندن. ورداً على ذلك، دشنت إدارة جورج دبليو. بوش عملية شرسة لمحاربة الإرهاب دامت خمس سنوات على طول الحدود الأفغانية- الباكستانية أضعفت تنظيمَ «القاعدة» بشكل مهم، عملية واصلتها لاحقاً إدارة أوباما. دينامية مماثلة حدثت في اليمن، ففي أعقاب 11سبتمبر، نما تنظيم مرتبط بـ«القاعدة» هناك وازداد حجماً وخطورة – فرع يقوده قيادي من «القاعدة» فر من جنوب آسيا إلى شبه الجزيرة العربية.

وقد نفّذ هذا التنظيمُ عدة هجمات. ولكن الولايات المتحدة استطاعت، بتعاون مع الحكومة اليمنية، السيطرة على التنظيم عبر توقيف معظم قيادييه وسجنهم.

ولكن بعد ذلك سمح هروبٌ كبير من السجن في فبراير 2006 للتنظيم بإعادة تنظيم نفسه. وفي غضون 24 شهراً على الفرار من السجن، عاد «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» ليشكّل تهديداً للغرب من جديد، إذ شن هجومين على السفارة الأميركية في صنعاء في 2008، وكاد يُسقط طائرة أميركية متجهة إلى ديترويت يوم عيد الميلاد في 2009، كما كاد يفجّر متفجرات متطورة مغلفة في علب حبر طابعة على متن طائرتي شحن أميركيتين في 2010، وكاد يضع شخصاً يرتدي سترة ناسفة غير معدنية على متن طائرة أميركية في 2011.

وقد تصرفت إدارة أوباما بسرعة، إذ أَضعفت التنظيمَ من خلال حملة عسكرية ما زالت مستمرة إلى اليوم. تنظيم «داعش» يُعد، جزئياً، نتيجة من نتائج انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية 2011. فعندما غادر الجيش الأميركي البلاد، كانت شوكة تنظيم «القاعدة في العراق»، وهو التنظيم الأصلي لتنظيم «داعش»، قد كُسرت إلى حد كبير – وإنْ ليس بشكل كلي – وذلك بفضل عمل إدارتي بوش وأوباما، إلى جانب دعم الحكومة العراقية. وعندما غادرنا العراق، لم يكن ثمة سوى بضعة آلاف من أعضاء «القاعدة في العراق» متبقين، معظمهم كانوا في حالة فرار ومختبئين. ومن دون الدعم العسكري الأميركي، بدأ تنظيم «القاعدة في العراق» في العودة إلى الواجهة بشكل شبه فوري.

وقد كبر لأن الجيش العراقي كان أقل فعالية بكثير من دون الدعم الأميركي، ولأن رئيسَ الوزراء العراقي وقتئذ، نوري المالكي، كان يرفض قبول الدعم الاستخباراتي الأميركي، ولأن المالكي أصبح، بعد تحرره من الإشراف الأميركي، أكثر سلطوية وطائفية، ما أدى إلى تهميش السنة العراقيين ودفعهم إلى «القاعدة في العراق». وبحلول زمن الحرب الأهلية السورية ورحلة تنظيم «القاعدة في العراق» عبر الحدود للانضمام إلى القتال، كان التنظيم، الذي صار يسمي نفسه الآن «الدولة الإسلامية»، قوياً لدرجة أن هيمن على ساحة المعركة السورية، حيث اكتسب مزيداً من القوة. ولكن، ما الذي يعنيه هذا الدرس المهم لليوم؟ إنه يعني أن على الولايات المتحدة وائتلافها الإبقاء على الضغط على عشرات الآلاف من أعضاء «داعش» الذين ما زالوا في العراق وسوريا.

ويعني أننا في حاجة للقيام بالشيء نفسه في أفغانستان، حيث تعمل بقايا «القاعدة» عن كثب مع طالبان الآخذة في الصعود من جديد.

ثم يعني أن علينا أن نُبقي على الضغط على «القاعدة في جزيرة العرب» في اليمن.

لأننا إذا لم نفعل هذه الأشياء، فإن الولايات المتحدة ستواجه، في غضون فترة قصيرة، تهديداً خطيراً من هذه التنظيمات، ليشمل تهديداً للوطن.

ولهذا، ينبغي على الرئيس، أثناء اتخاذه القرارات بشأن الشرق الأوسط وجنوب آسيا، أن يأخذ في عين الاعتبار قدرة هذه التنظيمات على الانبعاث والتجدد، إذا كان يريد إنجاز مسؤوليته الأولى: حماية الشعب الأميركي.

عن الاتحاد الإماراتية