داعش.. وخطر التسلل إلى العراق

إن وحشية المتطرفين وصدمة الحرب، جنباً إلى جنب مع وصمة العار المرتبطة بأي مشاركة مع الإرهابيين، تشجع المدنيين على تبادل المعلومات مع أجهزة الأمن العراقية، بحسب ما ذكر سكان محليون. وكثيراً ما يتم منع أقارب المقاتلين المباشرين، والبعيدين أحياناً، من العودة إلى قراهم.

يقوم إرهابيو تنظيم «داعش» الذين فروا من هزيمة ما يعتبرونه خلافتهم في سوريا في وقت سابق من هذا العام، بالتسلل عبر الحدود إلى العراق، معزِّزين تمرداً ضعيفاً يشنه التنظيم حالياً في الجزء الأوسط والشمالي من العراق، وفقاً لما ذكره مسؤولو الأمن. وقال «هشام الهاشمي»، محلل أمني يقدم المشورة للحكومة العراقية ووكالات الإغاثة الأجنبية، إن ألفاً من العناصر الإرهابية عبروا إلى العراق خلال الأشهر الثمانية الماضية، عقب انهيار «داعش» في مارس الماضي. وقال إن معظمهم عراقيون، انضموا لـ «داعش» في سوريا، يعودون الآن إلى الوطن للانضمام لخلايا متشددة كانت كامنة في مناطق ريفية وعرة، مدعومة بمعرفة وثيقة بالتضاريس المحلية، بما فيها الأنفاق المخفية وغيرها من أماكن الاختباء.

يتحرك إرهابيو «داعش» تحت غطاء من الظلام لتنفيذ هجمات القناصة وتنفيذ تفجيرات بدائية على الطرق مرات عدة في الأسبوع. وغالباً ما تستهدف هجماتهم، والتي تحدث خارج المدن الكبرى، قادة المجتمع وقوات الأمن المشاركين في الجهود الرامية للقضاء على التنظيم الإرهابي. وأسفر انفجار وقع في وقت سابق من هذا الشهر في مدينة كركوك عن مقتل اثنين من راكبي الدراجات النارية.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت قوات أمن عراقية بدء حملة عسكرية جديدة على طول حدود البلاد مع سوريا (370 ميلاً). وفي غضون أيام، أشاروا إلى اكتشاف مصانع لصنع القنابل وقالو إن العديد من المتشددين قد قتلوا.

على أرض الواقع، يبدو التحدي المتمثل في اجتثاث «داعش» صعباً، حيث قال العقيد «سعد محمد» الذي شارك في حملة القضاء على «داعش»: «انظر أين يختبئون، إنها صحراء. أماكن لا يمكن لأحد السيطرة عليها كلياً». وأضاف أثناء جولة بالسيارة عبر الصحراء الصخرية بمحافظة الأنبار الغربية: «كم عدد الوحدات التي نحتاجها لتأمين كل شبر؟ عدد كبير جداً. لا يمتلك أي شخص هذه القدرة».

يذكر أن الحكومة العراقية كانت قد أعلنت انتصارها على «داعش» في نوفمبر 2017، بعد شهر من نجاحها في طرد الإرهابيين من مدينة «القائم» على الضفة الشرقية لنهر الفرات. وفي ربيع هذا العام، نظر الجنود العراقيون عبر النهر إلى سوريا، حيث دافع التنظيم عن حصنه الأخير. وأحاطت قوات مدعومة من الولايات المتحدة بعشرات الآلاف من العناصر الداعشية في قرية باغوز بسوريا، حيث كان كثير منهم يختبئ تحت الأرض، في معركة طويلة دامت أسابيع من أجل آخر نصف ميل مربع كان تحت سيطرة التنظيم الإرهابي.

أصبح المشهد هادئاً الآن على نهر الفرات الذي شهد المعركة وغرق فيه الرجال أثناء محاولتهم الفرار، لكن الإرهابيين الهاربين يواصلون التسلل عبر الحدود إلى العراق، متنكرين أحياناً كرعاة غنم، ولا يتم اكتشافهم في بعض الأحيان، وفقاً لمسؤولي الأمن. ويسافر بعض المتطرفين سيراً على الأقدام. وكثيراً ما تسللوا عبر الصحراء بالسيارات، حيث تكتشفهم أحياناً طائرات استطلاع من دون طيار وتستهدفهم غارات عراقية أو تابعة لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

وأفادت وزارة الدفاع العراقية ومحللون يتتبعون التنظيم أن وجود خلايا «داعش» يقتصر إلى حد كبير على المناطق الريفية النائية. وليس هناك دلائل على أن التنظيم سيتمكن مجدداً من السيطرة على مساحات كبيرة أو كسب دعم كبير، لكن الخبراء يحذرون من أن التمرد منخفض المستوى قد يرهب المجتمعات المحلية لكي تغض الطرف عن نشاط المسلحين أثناء اتخاذهم مواقع دفاعية، والتحضير لصراع طويل الأجل.

خلال مرحلة صعوده وتوسعه، زعم «داعش» لنفسه دور المدافع عن المجتمعات السنية التي تواجه الاضطهاد من قبل الدولة العراقية، ما أدى إلى تمزق النسيج الوطني العراقي، وتقسيم المجتمعات وتدمير مناطق بأكملها خلال المعارك الطاحنة التي خاضها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لإخراج الإرهابيين.

إن وحشية المتطرفين وصدمة الحرب، جنباً إلى جنب مع وصمة العار المرتبطة بأي مشاركة مع الإرهابيين، تشجع المدنيين على تبادل المعلومات مع أجهزة الأمن العراقية، بحسب ما ذكر سكان محليون. وكثيراً ما يتم منع أقارب المقاتلين المباشرين، والبعيدين أحياناً، من العودة إلى قراهم.

وعلى طول الطريق المؤدية إلى «القائم»، ما زال بالإمكان رؤية الجراح التي خلفتها المعارك مع «داعش». يقول «أحمد السند»، أحد شيوخ المجتمع المحلي: «لقد أصبح أهالي الأنبار أكثر حرصاً من الحكومة على عدم العودة إلى الحياة تحت حكم داعش».

نُشر في الاتحاد الإماراتية