داعش يعيد خلط حسابات ترامب بقتل أميركيين في منبج

التحالف الدولي يقرّ بمقتل عدد من الجنود الأميركيين دون أن يقدم رقما محددا فيما يأتي الهجوم بعد اقل من شهر على قرار الرئيس الأميركي الانسحاب عسكريا من سوريا.

اردوغان: 20 شخصا قتلوا في الهجوم بينهم خمسة جنود أميركيين
واشنطن تتعهد بألا تسمح لداعش بأن يطل مجددا براسه في سوريا
الهجوم هو الأول الذي يستهدف مباشرة دورية للتحالف الدولي منذ 10 أشهر
هجوم داعش يقوّض مبررات ترامب للانسحاب من سوريا
تركيا تبدو المستفيدة من هجوم منبج لتسريع إقامة المنطقة الآمنة تحت ادارتها
الإرهاب يطرق أبواب منبج حيث تتزاحم القوات التركية والكردية والسورية
نائب الرئيس الأميكري يؤكد المضي قدما في خطة الانسحاب من سوريا

القامشلي (سوريا)/أنقرة - قتل اليوم الأربعاء 16 شخصا على الأقل بينهم جنود أميركيون من قوات التحالف الدولي في هجوم انتحاري في وسط مدينة منبج بشمال سوريا تبناه تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الأربعاء إن الولايات المتحدة ستقاتل لتضمن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنه جدد التأكيد على خطط سحب القوات الأميركية من سوريا بعد الهجوم الانتحاري الذي تبناه داعش وأقر التحالف بأن جنودا أميركيين من بين القتلى.

وقال بنس لتجمع في مقر وزارة الخارجية في واشنطن لسفراء الولايات المتحدة في العالم "سنبقى في المنطقة وسنواصل القتال لضمان أن لا يطل داعش برأسه البشع مرة أخرى"، مضيفا "سنحمي المكاسب التي حققها جنودنا وشركاؤنا في التحالف".

ورغم ذلك الوعد، فقد أكد بنس على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ديسمبر/كانون الأول 2018 بأنه سيسحب جميع الجنود الأميركيين وعددهم 2000 جندي من سوريا.

وقال "بفضل قيادة هذا القائد الأعلى للقوات المسلحة وشجاعة وتضحية شركائنا في التحالف، فقد أصبح بإمكاننا الآن تسليم القتال ضد داعش في سوريا إلى شركائنا في التحالف وسنعيد قواتنا إلى الوطن"، مؤكدا أن "الخلافة انهارت وداعش هُزم" دون أن يتطرق إلى الهجوم الذي وقع في وقت سابق من الأربعاء.

وتنتشر في مدينة منبج القريبة من الحدود التركية قوات أميركية إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية وهي المدينة التي تشهد منذ إعلان الرئيس الأميركي قراره بسحب قوات بلاده من سوريا، تجيشا عسكريا من قبل تركيا وقوات النظام السوري.

ويأتي الهجوم بعد أقل من شهر على إعلان ترامب المفاجئ بسحب القوات الأميركية في سوريا وقوامها ألفي جندي، ليعيد تنظيم الدولة الإسلامية خلط حسابات الرئيس الأميركي الذي دافع بشدة عن قراره المثير للجدل.

وكان الشركاء الأوروبيون في الحرب على التنظيم المتطرف وكذلك سياسيون ومسؤولون أميركيون بارزون قد حذّروا ترامب من أن الانسحاب الأميركي من سوريا سيتيح لداعش إعادة ترتيب صفوفه والعودة بقوة بعد أن انحسر نفوذه تحت وطأة ضربات التحالف الجوية.

ويعزز الهجوم الانتحاري الذي قتل فيه أربعة جنود أميركيين حسب تقديرات غير رسمية، مبررات معارضي قرار الرئيس الأميركي ويؤكد مجددا صحّة مخاوفهم.

وكان الرئيس الأميركي قد برّر قراره بأن مهمة قوات بلاده في سوريا تحققت وهي هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.

كما يأتي الهجوم في وقت أبدى فيه الأكراد رفضهم إقامة "منطقة آمنة" تحت سيطرة تركية في شمال البلاد، بموجب مبادرة اقترحتها واشنطن، في محاولة للحد من تداعيات قرار الانسحاب.

ووقع التفجير في مطعم في وسط مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي ائتلاف مقاتلين عرب وأكراد مدعوم من واشنطن، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال المرصد "أقدم انتحاري على تفجير نفسه عند مدخل المطعم أثناء وجود عناصر دورية أميركية داخله".

وأشار المرصد إلى مقتل 16 شخصا على الأقل هم "تسعة مدنيين وخمسة مقاتلين محليين تابعين لقوات سوريا الديمقراطية كانوا يرافقون دورية أميركية" تابعة للتحالف، وعنصران أميركيان من التحالف.

وأقرّ التحالف الدولي بمقتل أميركيين في التفجير الانتحاري، لكنه لم يحدد عددهم. وقال متحدث باسم التحالف في بيان "قتل عناصر من القوات الأميركية خلال انفجار أثناء قيامهم بدورية روتينية في سوريا اليوم (الأربعاء)"، مضيفا "لا نزال نجمع المعلومات وسننشر تفاصيل إضافية في وقت لاحق"، بينما أشار المرصد إلى إصابة أميركيين آخرين بجروح.

وقال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إن 20 شخصا قتلوا في الهجوم الانتحاري بينهم خمسة جنود أميركيين، مضيفا أنه لا يعتقد أن الهجوم في مدينة منبج سيؤثر على قرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من سوريا.

ويبدو أن الهجوم هو الأكثر دموية على القوات الأميركية منذ انتشارها على الأرض في عام 2015.

وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن "إنه الهجوم الانتحاري الأول الذي يطال بشكل مباشر دورية للتحالف في مدينة منبج منذ عشرة أشهر". وتضم المدينة ومحيطها مقرات لقوات التحالف لا سيما الأميركية.

وبعد وقت قصير من وقوعه، تبنى تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم. وقال في بيان نقلته حسابات جهادية على تطبيق "تلغرام"، إن أحد عناصره "انطلق.. ملتحفا سترته الناسفة نحو دورية تضم عناصر من التحالف" والمقاتلين الأكراد "قرب مطعم الأمراء بمدينة منبج ففجرها وسطهم".

وأنشئ التحالف لمكافحة التنظيم المتطرف في سوريا والعراق منذ العام 2014. ويواصل تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية في آخر معاركها ضد الجهاديين في شرق سوريا.

وفي تغريدة باللغة الانكليزية، كتب المتحدث باسم مجلس منبج العسكري شرفان درويش "الإرهاب يضرب مدينة منبج الآمنة".

ورغم الخسائر الميدانية الكبرى التي مني بها خلال العامين الأخيرين، لا يزال التنظيم قادرا على شن هجمات في مناطق مختلفة. ويقتصر حضوره حاليا على البادية السورية الممتدة من وسط البلاد حتى الحدود العراقية.

وفي المناطق التي طُرد منها، يتحرّك التنظيم عبر "خلايا نائمة" تقوم بوضع عبوات أو تنفيذ عمليات اغتيال أو تفجيرات انتحارية تستهدف مواقع مدنية وأخرى عسكرية.

وفاقم قرار واشنطن سحب قواتها من سوريا مخاوف الأكراد من هجوم وشيك على مناطقهم، لطالما هددت أنقرة المعادية للأكراد بشنه، ما وضع واشنطن في موقف حرج بين حليفيها ودفعها إلى اقتراح تفاهم يرضي الأطراف كافة.

ودعا ترامب الاثنين إلى إقامة "منطقة آمنة" عرضها أكثر من 30 كلم في سوريا على طول الحدود التركية. وفي اليوم اللاحق، أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أنّ القوات التركية ستتولى إقامة هذه المنطقة.

ويرفض أكراد سوريا أي دور تركي في المنطقة المزمع إقامتها. وأكد ألدار خليل، أحد أبرز القياديين الأكراد وأحد مهندسي الإدارة الذاتية، الأربعاء أن "تركيا ليست مستقلة وليست حيادية وهذا يعني أنها طرف ضمن هذا الصراع".

واشنطن تنشر قوات قوامها نحو ألفي جندي في سوريا
هجوم داعش ربما يدفع ترامب لمراجعة قرار الانسحاب من سوريا

وقال "يريد ترامب تحقيق هذه المناطق الآمنة عبر التعاون التركي"، لكن "أي دور لتركيا سيغيّر المعادلة ولن تكون المنطقة آمنة".

واعتبر أنه "يمكن رسم خط فاصل بين تركيا وشمال سوريا عبر استقدام قوات تابعة للأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلام أو الضغط على تركيا لعدم مهاجمة مناطقنا".

وسارعت موسكو، أبرز حلفاء دمشق، إلى رفض هذا الاقتراح. وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف الأربعاء "نحن على قناعة بأن الحل الوحيد والأمثل هو نقل هذه المناطق لسيطرة الحكومة السورية وقوات الأمن السورية والهياكل الإدارية".

ويعتبر مستقبل وحدات حماية الشعب الكردية من أبرز نقاط الخلاف بين واشنطن وأنقرة. وقال الباحث في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو "ليس من الواضح ما الذي يود ترامب قوله، ولم يصدر حتى الآن أي توضيح من الإدارة الأميركية".

ووصفت دمشق تصريحات اردوغان حول استعداد بلاده لإقامة "منطقة آمنة" بأنها "غير مسؤولة".

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر في وزارة الخارجية قوله إن تصريحات اردوغان "تؤكد مرة جديدة أن هذا النظام راعي الإرهابيين لا يتعامل إلا بلغة الاحتلال والعدوان".

ويظهر التناقض بين تركيا والأكراد مدى تعقيد النزاع الذي تشهده سوريا منذ العام 2011 وأسفر عن مقتل أكثر من 360 ألف شخص.

وبعد عقود من التهميش، تصاعد نفوذ أكراد سوريا تدريجيا خصوصا بعد انسحاب القوات الحكومية من مناطقهم بدءا من العام 2012. وتمكنوا من إقامة إدارة ذاتية وتأسيس قوات عسكرية وأمنية وإعادة إحياء لغتهم وتراثهم. ويسيطر الأكراد مع حلفائهم على نحو 30 بالمئة من مساحة البلاد، تتضمن حقول غاز ونفط مهمة.