داعش يلجأ للانتحاريات دفاعا عن آخر جيب له بشرق سوريا

كل المؤشرات تُجمع على أن هزيمة التنظيم المتشدد باتت مسألة وقت تحت ضربات جوية لطيران التحالف الدولي وضربات قوات سوريا الديمقراطية.
الخناق يزداد ضيقا على بقايا داعش في ديرالزور
قوات سوريا الديمقراطية تواجه انتحاريي وانتحاريات داعش
خنادق وأنفاق أقامها داعش تبطئ تقدم قوات سوريا الديمقراطية

الباغوز (سوريا) - ما اشتداد الضغوط العسكرية على تنظيم الدولة الإسلامية في آخر جيب له بديرالزور، لجأ التنظيم إلى تصعيد غير مسبوق في عملياته مستخدما انتحاريين وانتحاريات في مواجهة تقدم قوات سوريا الديمقراطية.

ولطالما اعتمد التنظيم المتطرف على هذا التكتيك الإرهابي كلما ضاقت عليه الخيارات وشعر بأنه على وشك خسارة أحد معاقله. وكان هذا التكتيك لافتا خلال معركة تحرير الموصل في العراق.

ولم يكن يوم السبت مثلا سهلا على قوات سوريا الديمقراطية، مع اعتماد التنظيم على انتحاريين لإعاقة تقدم خصومه، في إستراتيجية لطالما اعتمدها التنظيم في كل منطقة أوشك على خسارتها بهدف إيقاع أكبر قدر من الخسائر.

ويقول القيادي الميداني آرام جاويش "حدث أمر كبير اليوم (السبت)، إذ فجرت خمس انتحاريات أنفسهن في أنحاء مختلفة من الباغوز، ما أسفر عن مقتل مقاتل من قواتنا وإصابة ثلاثة آخرين بجروح".

ويروي مسؤول ميداني آخر يعرف عن نفسه باسم دامات أن "انتحاريتين فجرتا نفسيهما قرب نقطتنا"، موضحا "رأيناهما تقتربان بلباس أسود، صرختا الله أكبر ثم فجرتا نفسيهما".

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان عن أربع عمليات انتحارية أخرى جرت مساء السبت وأدت إلى سقوط 11 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية.

وقال فارون من الباغوز خلال اليومين الأخيرين، ويُرجّح أن غالبيتهم من عائلات الجهاديين، أن العديد من السكان ما زالوا عالقين في البلدة.

وتُجمع كل المؤشرات على أن هزيمة التنظيم المتشدد باتت مسألة وقت تحت ضربات جوية لا تهدأ من طيران التحالف الدولي من جهة وضربات قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري.

وعلى الجبهة الأخيرة، تشقّ آلية مدرعة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية طريقها بصعوبة بين حفر كبيرة خلفتها الغارات التي تلاحق مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية عند آخر خطوط الجبهة في شرق سوريا.

وقبل وصولها إلى قرى وبلدات خالية من السكان، تمر المدرعة في طريق صحراوي طويل فيما يصدح صوت أم كلثوم بـ"يلا نعيش في عيون الليل ونقول للشمس تعالي تعالي" على مسامع مقاتلين في قوات سوريا الديمقراطية.

ويزداد حجم الدمار تباعا مع التقدم في عمق ريف ديرالزور الشرقي، المنطقة ذات الطبيعة الصحراوية. ويؤشر تزايد عمق الحفر وخلو القرى من سكانها تدريجيا للاقتراب من الكيلومترات الأخيرة حيث انكفأ مقاتلو التنظيم الذين يدافعون بشراسة عن آخر مواقعهم.

ومن قرية الكشمة مرورا بالشعفة وصولا إلى الباغوز، الأقرب إلى الحدود العراقية، تحولت مبان على جانبي الطريق إلى أكوام من الحجارة والتراب والقضبان الحديدية، بينما اقتُلعت واجهات محال تجارية من أساساتها.

وعند مدخل الشعفة، كتبت على جدار بيت صغير عبارة "استسلم تنظيم الدولة الإسلامية". وفي أحد شوارعها، لا تزال عربات مخصصة لبيع الفواكه والخضار مركونة في مكانها، لكنها خالية إلا من قطع قماش كانت تغطيها.

وتكمل المدرعة طريقها إلى بلدة الباغوز التي تشكل أبرز خطوط الجبهة بين قوات سوريا الديمقراطية والتنظيم المتطرف.

وعلى سطح أحد منازل البلدة، يراقب مقاتلون سير العمليات. يتنقل قيادي ميداني بينهم حاملا جهازه اللاسيلكي ويتبادل الحديث مع المقاتلين في الجهة المقابلة باللغة الكردية.

وعلى بعد شارعين، تمرّ عربات مصفحة تابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن الذي ينفّذ ضربات كثيفة ضد مقاتلي التنظيم، تبدو آثارها واضحة في الحفر التي يكاد لا يخلو شارع منها.

وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان قبل أيام أن قوات سوريا الديمقراطية استعادت السيطرة على الباغوز، لكن قياديين ميدانيين يقولون إن جزءا صغيرا منها يتواجد فيه جهاديون ومدنيون لا يزال خارجا عن سيطرتهم.

ويوضح جاويش "ضاقت بهم (الجهاديون) الأحوال، باتوا محاصرين بين الحدود العراقية من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة ثانية".

وفي مقابلة مع فرانس برس قبل أيام، توقع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني الإعلان رسميا عن انتهاء دولة الخلافة المزعومة في مهلة أقصاها شهرا، حتى إتمام السيطرة على القرى المتبقية وتطهير الحدود العراقية ونزع الألغام وملاحقة آخر فلول التنظيم.

ويحاول الجهاديون المقاومة مستخدمين الأنفاق التي حفروها في كل حدب وصوب. ويقول جاويش "في كل عملية اقتحام تقوم بها قواتنا يخرجون من الأنفاق ويفجرون أنفسهم".

وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية من طرد التنظيم من 80 بالمئة من قرية المراشدة القريبة، وفق القيادي الذي يوضح أنه "لم يبق فيها سوى زاوية يختبئ عناصر داعش في أنفاق تحتها".

وتسببت غارات للتحالف السبت بمقتل 19 من عناصر التنظيم، وفق حصيلة أوردها المرصد السوري لحقوق الإنسان الأحد.

ولا تفارق طائرات التحالف الدولي سماء الباغوز،ففجأة يتردد دوي انفجار ويتصاعد الدخان من مكان قريب جراء غارة شنتها إحدى تلك الطائرات.

على الجهة المقابلة، يشير أحد المقاتلين بيديه ويقول "انظروا بدأ المدنيون بالخروج".

ويخرج هؤلاء من الباغوز عبر طريق صحراوي يقودهم إلى نقاط قوات سوريا الديمقراطية ومنها يتم نقلهم على متن شاحنات لفرزهم بين مدنيين ينقلون إلى مخيمات خاصة ومشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، يصار إلى التحقيق معهم.

في الباغوز، يحذر جاويش من إطلاق مقاتلي التنظيم لصواريخ وطائرات مسيّرة "رغم حصارهم في منطقة صغيرة".

وبعد وقت قصير، تعود المدرعة أدراجها وتشق طريقها في جنح الظلام وسط برد قارس. وبدلا عن أم كلثوم، تصدح هذه المرة أغان كردية تقليدية.