داود أغلو يؤسس حزبا جديدا لـ'عزل' أردوغان

المشهد بتطوراته الراهنة وبمحاميله السياسية والايديولوجية يختزل معركة معلنة بين إسلاميي تركيا على إعادة التموقع بعناوين مختلفة إلا أنها لا تخرج في تصوراتها عن إعادة البحث عن زعامة أكثر قبولا لإنقاذ المشروع الاخواني الذي يرعاه أردوغان من الانهيار بانهيار محتمل للأخير.

حلفاء الأمس خصوم اليوم يعدون لعزل أردوغان
هل بدأ العد التنازلي لعزل أردوغان سياسيا؟
داود أغلو وباباجان يستعدان لتشكيل حزبين منافسين لحزب أردوغان
حراك سياسي من المنشقين عن أردوغان يرسم خارطة سياسية جديدة في تركيا
أردوغان أصبح عبئا على إسلاميي تركيا بسياسات أربكت المشروع الاخواني


أنقرة - يستعد رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أغلو لإطلاق حزبه الجديد رسميا يوم الجمعة في انتظار أن يحصل على ترخيص من وزارة الداخلية، حيث تقدم بالفعل بطلب لتأسيس حزبه الذي سيعلن عنه في مؤتمر صحفي تحت اسم 'حزب المستقبل'.

ومن المتوقع أن يقلّص حزب داود أغلو من نفوذ حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وسط انشقاقات تعصف بهذا الحزب الذي يهيمن على الحياة السياسية في تركيا منذ 2002.

وتلقى حزب أردوغان صفعة قوية في الانتخابات المحلية الأخيرة التي فاز فيها حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري ببلدتي أنقرة واسطنبول وهي الانتخابات التي شكّلت منعطفا حاسما في المشهد السياسي التركي.

وبدفع من تلك النكسة الانتخابية، هزّت الانشقاقات الحزب الحاكم مع انسحاب قيادات من المؤسسين بينهم داود اغلو وعلي باباجان وآخرون اختاروا أن يشكلوا جبهة سياسية من المرجح أن تعمل على عزل أردوغان.

وقد شّكل انشقاق داود أغلو وآخرون ضربة قاصمة لأردوغان في توقيت يعتبر بالغ الحساسية بالنسبة للأخير الذي يخوض معارك على أكثر من جبهة داخلية وخارجية، فيما تئن تركيا تحت وطأة ضغوط غربية واقتصاد متعثر.

ويريد رئيس الوزراء السابق الذي هاجم حليفه السابق (أردوغان) تصحيح مسار العدالة والتنمية بحزب مواز وإعادة ترتيب بيت الإسلاميين أكثر منه إعادة تصحيح لمسار العلاقات الخارجية وإنقاذ تركيا من سلطة الحزب الواحد ومن أزمة اقتصادية.

داود أغلو وأردوغان من حليفين إلى خصمين
داود أغلو وأردوغان جمعهما الاسلام السياسي وفرقتهما الخلافات على الادارة

وتقول مصادر سياسية وإعلامية تركية، إن هناك حالة من التململ في حزب العدالة والتنمية وأن قيادات من الصف الثاني لاتزال تلتزم الصمت حيال استبداد الرئيس وتفرده بالقرار خشية من ردود انتقامية، إلا أنها ربما تنتظر تشكل جبهة قوية معارضة للتمرد على أردوغان.

ومن المتوقع أن يعيد تأسيس داود أغلو حزبا جديدا منافسا لحزب أردوغان إضافة إلى مساعي علي باباجان الوزير السابق المنشق عن حزب العدالة والتنمية، رسم الخارطة السياسية في تركيا وإحداث توازن سياسي ينهي عقدين من الهيمنة والتسلط.

ومن غير المستبعد أيضا أن يشكل حزب داود أغلو وعلي باباجان تحالفا لإضعاف العدالة والتنمية ولمواجهة الرئيس التركي وعزله سياسيا، فيما يبقى التحالف مع أحزا ب معارضة (علمانية بالأساس) رهين تطورات الوضع في تركيا التي تهزها أزمة اقتصادية مع تدهور قيمة الليرة وهيمنة المخاوف على المستثمرين بفعل تدخلات الرئيس في السياسة النقدية وبفعل التوترات التي فجرها مع الحلفاء والشركاء الغربيين.   

وشغل داود أوغلو (60 عاما) منصب رئيس الوزراء بين عامي 2014 و2016 قبل أن يختلف مع أردوغان. ووجه هذا العام انتقادات حادة للرئيس والإدارة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية واتهمهما بتقويض الحريات الأساسية وحرية الرأي.

وقال مصدر مقرب منه (داود أوغلو) إن رئيس الوزراء السابق تقدم لوزارة الداخلية يوم الخميس بطلب لتشكيل حزبه الجديد وإنه سيعلنه رسميا في مؤتمر صحفي في أنقرة يوم الجمعة، مضيفا أن الحزب سيكون اسمه حزب 'المستقبل'.

وتابع "سيُعلن مبادئ حزبه ويقدم معلومات بخصوص الأعضاء المؤسسين. الحزب الجديد سيبث روحا جديدة في السياسة"، في إشارة واضحة إلى حالة الجمود التي تعتري حزب العدالة والتنمية المهيمن على الحياة السياسية.

وثمة شخصية أخرى توارت عن الأنظار منذ تولي الرئيس رجب طيب أردوغان الرئاسة في أغسطس/اب 2014 ويعتقد أن الأخير عمل على تقليص نفوذه وتعمد تهميشه داخل الحزب وداخل الإدارة السياسية مع أنه من المؤسسين.

والأمر يتعلق بالرئيس التركي السابق عبدالله غل (الرئيس الـ11 لتركيا من 28 أغسطس/اب 2007 إلى أغسطس/اب 2014).

ويتوقع أن ينضم غل لأحد الحزبين أو أن يكون موحدا للحزبين: حزب داود أغلو وحزب علي باباجان.

هل يكون داود أغلو رجل المرحلة القادمة في تركيا؟
هل يكون داود أغلو رجل المرحلة القادمة في تركيا؟

 وكان داود أوغلو قد أعلن استقالته من حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية في سبتمبر/أيلول قائلا إن الحزب لم يعد قادرا على حل مشاكل تركيا ولم يعد مسموحا بالحوار الداخلي فيه.

وقد قدم استقالته بعد أيام من إحالته إلى لجنة التأديب مع طلب فصله فصلا نهائيا لانتقاده سياسات أردوغان، ليعلن بعدها أنه "من الواضح أنه لا يوجد أي تقييم داخلي وأن قنوات المفاوضات أُغلقت وأنه لا يوجد أي احتمال لتغيير داخلي".

وقال حينها "لحماية القاعدة المخلصة من حزب العدالة من حزن مشاهدة زعيمهم وهو يُعزل، قررنا الاستقالة من حزبنا الذي أعطيناه أعواما من الكد والتوجيه".

وكانت اللجنة التنفيذية في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم قد قررت بالإجماع إحالة كل من داود أوغلو وسلجوق أوزداغ وأيهان سفر أوستون وعبدالله باشجي إلى اللجنة التأديبية مع قرار مسبق بفصلهم نهائيا.

وجاءت استقالة داود أغلو بعد شهرين على استقالة النائب السابق لرئيس الوزراء علي باباجان من حزب العدالة والتنمية الذي تحدث عن وجود "خلافات عميقة".

باباجان قفز من سفينة أردوغان قبل أن تغرق
باباجان قفز من سفينة أردوغان قبل أن تغرق

وألحق حزب المعارضة الرئيسي في تركيا أوائل العام الحالي هزائم قاسية بحزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات البلدية ليسيطر على إدارة العاصمة أنقرة ومدينة اسطنبول، المركز التجاري للبلاد، بعد أكثر من عقدين.

وقال مصدر مقرب من باباجان أيضا إنه سيعلن حزبه الجديد المنافس في غضون أسابيع، مضيفا "جهود تشكيل الحزب في مراحلها الأخيرة. التغييرات الأخيرة تُجرى للنصوص بعد أن اكتمل مؤسسو الحزب تقريبا".

وقال باباجان في أول مقابلة تلفزيونية تُجرى معه منذ استقالته من حزب العدالة والتنمية الشهر الماضي، إن تركيا في "نفق مظلم"، محذرا من مخاطر "حكم الفرد الواحد".

وينفتح المشهد السياسي التركي على ضوء هذه التطورات على المزيد من الغموض وعلى ردود انتقامية محتملة من الرئيس التركي الذي سارع بوصف المنشقين من حلفائه السابقين بـ"الخونة".

ودأب أردوغان على التخلص من خصومه السياسيين بتهم يقول سياسيون معارضون ومنظمات حقوقية إنها كيدية وتشمل الدعم أو الانتماء لمنظمات تصنفها أنقرة "إرهابية" أو التآمر على الأمن القومي أو استغلال النفوذ أو التورط في جرائم مالية.

أردوغان أبعد عبدالله غل عمدا وهمشه داخل الحزب
أردوغان أبعد عبدالله غل عمدا وهمشه داخل الحزب

وتقف بعض الأحداث شاهدة على هذه السياسية ومنها ما اتصل بحملة التطهير الواسعة التي شنتها أجهزة أردوغان على اثر الانقلاب الفاشل في صيف 2016 وأيضا إزاحة أحد أقوى خصومه السياسيين زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد صلاح الدين ديميرتاش الذي يقبع في السجن دون إدانة ويواجه السجن لمدة تصل إلى 142 عاما.

وقد سارع الرئيس التركي مؤخرا باتهام حليفيه السابقين باباجان وداود أوغلو بالاحتيال على بنك خلق لفائدة جامعة 'إسطنبول شهير' التي يعد داود أوغلو أحد أبرز مؤسسيها.

وأقام البنك دعوى ضد الجامعة في محاولة لاسترداد الأموال التي تعثّرت في سدادها كما تم تجميد أصولها.

ولا يمكن النظر لهذه الاتهامات بمعزل عن الحراك السياسي الذي بدأ يتشكل ضد الرئيس أردوغان، وسط تأكيدات مصادر سياسية محلية أن الاتهامات تأتي في سياق تصفية الحسابات ومؤشر خطير على نوايا انتقامية من حلفاء الأمس خصوم اليوم.

ويختزل المشهد بتطوراته الراهنة وبمحاميله السياسية والايديولوجية، معركة معلنة بين إسلاميي تركيا على إعادة التموقع والنفوذ بعناوين مختلفة إلا أنها لا تخرج في تصوراتها ومآلاتها ومضامينها عن إعادة ترتيب الأولويات والبحث عن زعامة أكثر قبولا لإنقاذ المشروع الاخواني الذي يرعاه أردوغان من الانهيار بانهيار محتمل للأخير الذي أصبح برأي البعض "ورقة منتهية الصلاحية".