داود مكرم يحلل ظاهرة الموالد القبطية في مصر

الموالد الشعبية تُعد مناسبات تعبر بها الجماعة في تلقائية عن عاداتها ومعتقداتها الراسخة في وجدانها.
أشكال الإبداع الفني الشعبي للأقباط وما يميزه، ويعكسه من ظواهر، ودلالات
للعقيدة الدينية الأثر الكبير في وجود العديد من المعارف الشعبية، واستمرارها

القاهرة ـ من حازم خالد

تُعد الموالد الشعبية مناسبات تعبر بها الجماعة في تلقائية عن عاداتها ومعتقداتها الراسخة في وجدانها، ويأخذ هذا التعبير أشكالاً عديدة تُمثل وتُبلور أفكار ومعتقدات هذه الجماعة، كما تُعد الموالد مجالاً لظهور الاحتفالات الرسمية والشعبية والتي تتنوع وتختلف حسب مناسباتها سواءً من حيث الشكل أو المضمون وعلى ذلك فالاحتفالات الشعبية هي تعبير الجماعة عن مناسبة ما: قد تكون عائلية، أو قومية، أو دينية، أو اجتماعية … الخ، ولكل جماعة شخصيتها في التعبير عن احتفالاتها تبعاُ للخلفية التاريخية، والثقافية، والمكانية، وتبعاُ لانتمائها الديني، والاجتماعي كذلك.
ويؤكد د. القس داود مکرم في كتابه "الموالد القبطية .. دراسة ميدانية في المعتقدات الشعبية" أن الاحتفالات الشعبية عكست أنماطاً من الممارسات التي تظهر کاستجابة لضرورات اجتماعية، وثقافية، ودينية، وتنشأ تلبية لاحتياجات موضوعية تستند إلى مجموعة من التصورات، والمعتقدات المحلية، وتؤدي في حياة المجتمع وظيفة، وتُشبع حاجات ملحة ومرتبطة بالجماعة، وفي بعض الأحيان تمثل الاحتفالات الشعبية الوسيلة التي تعبر بها الجماعة عن نفسها، وفي كثير من الأحيان هي إحدى الخيوط - بل أقواها - التي تربط الأبناء بآبائهم، وأجدادهم، ومجتمعهم، وهي الميراث الذي يتركه السلف للخلف.
وتمثل الاحتفالات الشعبية في الموالد القبطية مجالاً كبيراً لظهور العديد من أشكال الإبداع الفني الشعبي للأقباط، وما يميزه، ويعكسه من ظواهر، ودلالات تكشف عن القدرات الإبداعية للشعب المصري.
ولا شك أن للعقيدة الدينية الأثر الكبير في وجود العديد من المعارف الشعبية، واستمرارها، فقد استطاعت المسيحية عند دخولها مصر أن تحول العديد من الممارسات المصرية القديمة الخاصة بالمصريين القدماء إلي ممارسات تتفق مع الديانة الجديدة، أو على الأقل لا تتعارض معها، فتميزت احتفالات الأقباط في الأعياد والمناسبات الدينية بخصائص وسمات خاصة تلتقي فيها كثير من الموروثات الثقافية المصرية المتراكمة عبر العصور السابقة. وقد ساعد على ذلك ما تتمتع به مصر من تفرد لا مثيل له في التعبير عن الاتجاهات الدينية فيها بما يتناسب والخلفية التاريخية لهذا البلد، وأيضاً التراكمات الثقافية المتأثرة بتعدد الأديان التي اعتنقتها، والغزاة الذين اقتحموها، والطغاة الذين هزمتهم وردتهم على أعقابهم، بالإضافة إلى تنوع الطبيعة الجغرافية وامتدادها حيث تمتزج تلك العوامل كلها معاً لترسم حدوداً واضحة المعالم الثقافية المكونة للشخصية المصرية. 

تعبير الجماعة عن مناسبة ما
المظاهر الاحتفالية في الموالد القبطية 

ويدلنا الاطلاع على التراث النظري إلى قلة الدراسات التي اهتمت بالحقبة القبطية من التاريخ المصري، وقد تبع ذلك، وترتب عليه بالتالي تجاهل للدراسات القبطية عامة رغم ما تعبر به عن جزء لا يستهان به من المجتمع المصري اجتماعياً، وتاريخياً، وثقافياً، وامتداداً لذلك فقد ابتعد كثير من الدارسين في مجال الدراسات الشعبية عن دراسة الثقافة الشعبية للأقباط على الرغم من أهمية الجانب الإبداعي لها، وقد يرجع ذلك إلى عدة أسباب منها:
ما يحتويه مجال الدراسات القبطية من طقوس، ورموز يصعب الاقتراب منها لغير المنتمين لها.
أدت قلة الاهتمام بالثقافة القبطية عامة إلى عدم وجود دراسات تفيد من يرغب في الاطلاع عليها، أو في دراستها، بل إن هذا المتاح لم يتناوله أصحابه بتوجه علمي، وجاء تناوله ضمن دراسة أشمل، أو سياق أعم لموضوعات دينية بصفة أساسية.
ولا ننكر ظهور اتجاه حديث يسعى لمحاولة اكتشاف، والتعرف على الثقافة القبطية ويظهر ذلك جلياً لدي الباحثين في العلوم السياسية، وبعض المجالات الاجتماعية.
وتسعى هذه الدراسة إلى محاولة تحديد الملامح الشعبية المكونة للثقافة القبطية - كجزء من الشخصية المصرية - من خلال دراسة أشكال الممارسات الإبداعية الشعبية في الموالد القبطية في ثلاثة أماكن تمثل مجتمع البحث لهذه الدراسة، وتغطي أقاليم المجتمع المصري من حيث الوجه القبلي والوجه البحري والقاهرة، فتعرضت الدراسة لمولد السيدة العذراء في ديرها بجبل الطير/ مرکز سمالوط، بمحافظة المنيا، وأيضاً في ديرها بدقادوس/ مركز ميت غمر، بمحافظة الدقهلية، والثالث هو مولد القديس برسوم العريان بمعصرة حلوان، بمحافظة القاهرة، وذلك من خلال عمليات الجمع الميداني لعناصر الاحتفال الشعبي، وتسجيلها، وكذلك السعي للتعرف على الأشكال القديمة لهذه الاحتفالات ومحاولة تتبع عناصر الثبات والتغير تاريخياً، والتعرف على الأسباب الموضوعية لاستمرارها في محاولة للكشف عن الخصائص الثقافية لمجتمع البحث، وعناصر تميزه، أو اشتراكه مع ثقافة المجتمع الأم في بعض الخصائص.
سعى المؤلف في دراسته إلى الكشف عن الأشكال الاحتفالية للموالد القبطية وممارساتها وذلك من خلال جمع وتصنيف وتحليل العادات والتقاليد والممارسات المرتبطة بالموالد القبطية في سياقها الثقافي والاجتماعي الذي تدور فيه، مع محاولة تتبع التغيرات التي طرأت عليها وذلك في محاولة لتحديد الملامح الشعبية المكونة للثقافة القبطية بوصفها أحد أنماط الثقافة الشعبية المصرية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف تم طرح عدة تساؤلات يمكن أن نتبينها على النحو التالي:
إلى أي مدى تؤثر العوامل الجغرافية والتاريخية لمجتمع البحث على المظاهر الاحتفالية للمولد المقام فيه؟ إلى أي مدى تؤثر بيئة مجتمع البحث الثقافية والاجتماعية على المظاهر الاحتفالية الشعبية الخاصة بالمولد القبطي فيه؟ إلى أي مدى تأثرت الممارسات الشعبية في ظاهرة الموالد القبطية بالتراث المصري القديم؟
ما مدي تغير أشكال الممارسات الاحتفالية في المولد بين الطبقات الاجتماعية. وأي الطبقات أكثر حفاظاً على العادات والتقاليد المرتبطة بالاحتفالية وتمسكاً بها؟
ما هي العوامل المحددة لحجم المولد القبطي من حيث مدته، وتعدد أنشطته، وعدد زواره ومريديه؟ 

الكشف عن الأشكال الاحتفالية للموالد القبطية
محاولة تحديد الملامح الشعبية المكونة للثقافة القبطية

إلى أي مدى تلعب المؤسسات الدينية الرسمية وشبه الرسمية دوراً في الاحتفالات الشعبية المرتبطة بالموالد القبطية؟
إلى أي مدى تعبر الممارسات الاحتفالية التي تتبناها الجماعة الشعبية في الموالد القبطية عن المعتقدات الدينية التي ترعاها المؤسسة الرسمية؟
ما مدى تأثير عوامل التغير على ثبات واستمرار المظاهر الاحتفالية للموالد القبطية؟
إلى أي مدى تعمل مظاهر التدين الشعبي في الموالد على التقارب بين طرفي الأديان الرسمية كمساحة مشتركة تعطي غطاءً لتبادل الممارسات بعيداً عن الحدود الجامدة للأديان الرسمية؟
إلى أي مدى تعكس المظاهر الاحتفالية في الموالد القبطية شخصية المجتمع القبطي كأحد أنماط الشخصية المصرية؟
وتتعرض الدراسة لثلاثة من الموالد القبطية الشهيرة: مولد السيدة العذراء بجبل الطير بسمالوط، محافظة المنيا، ومولد القديس برسوم العريان بمعصرة حلوان، محافظة القاهرة، ومولد السيدة العذراء بدقادوس ميت غمر، محافظة الدقهلية، وتتميز هذه الموالد بعدة صفات منها: تُعبر عن التنوع الجغرافي للمجتمع المصري، فتمثل أماكن إقامة الموالد جغرافية مصر من حيث: الوجه القبلي، والوجه البحري، والقاهرة. تتيح الفرصة لإقامة العديد من المقارنات مثل: مكان المولد "الدلتا – الصعيد"، صاحب المولد "قديسين – قديسات".
يذكر أن كتاب "الموالد القبطية" لمؤلفه د. القس داود مكرم  صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.