دعوات لإنقاذ لبنان مع استئناف المظاهرات عشية الاستشارات النيابية
بيروت - حث وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأحد المسؤولين اللبنانيين على التحرك لوضع حد للأزمة التي تشل البلد بعد ليلة عنيفة شهدتها العاصمة بيروت على إثر مواجهات بين مناصرين لحزب الله وحليفته حركة أمل من جهة وقوى الأمن والجيش من جهة أخرى.
وقال لودريان خلال برنامج "مسائل سياسية" على راديو "فرانس إنتر" "يجب أن تتحرك السلطات السياسية في لبنان لأن البلد في وضع حرج".
ويأتي تصريح وزير الخارجية الفرنسي في ظل تصاعد موجة العنف ضد الاحتجاجات الشعبية التي تطالب برحيل السلطة السياسية عشية انطلاق الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة الجديد بعد أن تم تأجيلها الأسبوع الماضي.
وبدت شوارع وسط بيروت ليل السبت أشبه بساحة حرب، وشهدت كراً وفراً بين المتظاهرين وقوات الأمن، التي منعتهم مساء من دخول شارع يؤدي إلى ساحة تضمّ مقر البرلمان، وتطورت المواجهات تدريجياً حتى ساعات الفجر الأولى.
وساد الهدوء صباح اليوم الأحد بعد ليلة تعد الأعنف منذ بداية الاحتجاجات في البلاد في 17 أكتوبر الماضي، اضطرت خلالها قوة مكافحة الشغب لإطلاق الغاز المسيل للدموع واستخدام خراطيم المياه لتفرقة المحتجين.
ومن المنتظر أن يعقد البرلمان غدا الاثنين جلسة يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون مع الكتل النيابية لتسمية رئيس حكومة جديد وسط حديث عن إعادة تكليف رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري الذي أكد تمسكه بحكومة جديدة من التكنوقراط.
وتداول متظاهرون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر أشخاصاً مقنعين أو بلباس مدني وهم يضربون بوحشية المتظاهرين ويجرون آخرين على الأرض بعد إصابتهم بحالات إغماء.
ميشال عون سيعقد الاثنين جلسة مع الكتل النيابية لتسمية رئيس حكومة جديد وسط حديث عن إعادة تكليف الحريري
ونقل الصليب الأحمر اللبناني، وفق ما قال أحد مسؤوليه رودني عيد الأحد، 15 جريحاً إلى المستشفيات وعالج 37 آخرين ميدانياً، بينما أعلن الدفاع المدني "معالجة وتضميد إصابات 54 مواطناً و نقل 36 جريحاً" إلى المستشفيات.
وتنوّعت الإصابات بين مشاكل في التنفّس وحالات إغماء جراء الغاز المسيل للدموع، وإصابات جراء الرشق بالحجارة.
وقالت قوى الأمن الداخلي، من جهتها عبر تويتر، إن 20 عنصراً وثلاثة ضباط في صفوفها نقلوا إلى المستشفيات للعلاج.
ورغم استخدام قوات الأمن والجيش القوة للتصدي للمتظاهرين سابقاً، إلا أن حصيلة جرحى السبت الأعلى على الاطلاق.
وانتقدت مجموعة "لحقي" المدنية في بيان ازدياد أعداد الجرحى والمعتقلين، بسبب ما وصفته "القمع الوحشي" الذي تمارسه قوى الأمن والجيش، وتقاعسها عن حماية المتظاهرين بوجه "شبيحة أحزاب السلطة"، في إشارة إلى مؤيدي حزب الله وحليفته حركة أمل اللذين رشقوا مساء السبت قوات الأمن بالحجارة والمفرقعات المشتعلة بعدما تجمّعوا قرب مقر البرلمان.
كما أقدم مجهولون فجر الأحد على الاعتداء على مكتب هيئة "التيار الوطني الحر" في بلدة جديدة الجومة - عكار عبر كسر الباب الزجاجي الخارجي وإضرام النار فيه، وفروا إلى جهة مجهولة.
وتيار الوطني الحر يقوده الرئيس ميشال عون وصهره وزير الخارجية السابق جبران باسيل الذي كان من أول الوجوه السياسية التي طالب المحتجون برحيلها عن الحكومة.
ودعت المجموعة المدنية إلى المشاركة في التظاهرات، الأحد، وتركيز الضغط في بيروت، حيث تتعرض ساحات الثورة "للقمع والتنكيل".
وطلبت وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن في بيان الأحد من قيادة قوى الأمن الداخلي "إجراء تحقيق سريع وشفاف لتحديد المسؤولين"، بعدما تم نقل أكثر من خمسين جريحاً إلى المستشفيات وعلاج أكثر من تسعين آخرين في وسط بيروت.
ونبهت الحسن المتظاهرين "من وجود جهات تحاول استغلال احتجاجاتهم المحقة أو التصدي لها بهدف الوصول إلى صدام بينهم وعناصر القوى الأمنية التي تعمل على حمايتهم وحماية حقهم في التظاهر، من أجل أهداف سياسية"، متحدّثة عن "دخول عناصر مندسة" في صفوفهم.
ودعا ناشطون على تويتر وفيسبوك المحتجين للتظاهر والنزول إلى الشارع بعد ظهر اليوم الأحد في محيط مجلس النواب وفي كلّ الساحات، منها ساحة الشهداء وسط بيروت تحت هاشتاغ #يا_مننزل_يا_مننذل"، في خطوة تهدف إلى إبقاء شعلة الانتفاضة متوهجة.
وحذرت جمعيات حقوقية من تسلل جماعات حزبية بلباس مدني من أصحاب القمصان السوداء إلى ساحة المظاهرات للاعتداء على المتظاهرين السلميين لتشويه الحراك الشعبي.
وبعد العصر بدأ المحتجون يتوافدوان على ساحة الشهداء في بيروت كما في وسط مدينة صور في الجنوب، حيث رفعت الاعلام اللبنانية والاناشيد الوطنية.
ونددت الباحثة في منظمة العفو الدولية ديالا حيدر عبر تويتر بـ"استخدام قوات الأمن الليلة الماضية للقوة المفرطة من أجل تفريق" المتظاهرين السلميين، معتبرة أن ظهور "رجال بلباس مدني، بعضهم ملثم انضموا إلى قوات الأمن في مهاجمة المتظاهرين بعنف واعتقال عدد منهم وسحب بعضهم عبر الشوارع، أمر مقلق للغاية".
وسبق تلك المواجهات، صدامات وقعت بعد ظهر السبت بين شبان مناوئين للمتظاهرين وقوات الأمن، التي حاولت منعهم من دخول خيم لمتظاهرين في ساحة الشهداء. وردد الشبان هتافات "شيعة شيعة" قبل أن يرشقوا قوات الأمن بالحجارة والمفرقعات النارية.
من جهتها عبّرت جامعة الدول العربية عن قلقها حيال صدامات السبت بين المتظاهرين والقوى الأمنية، مطالبة كل الأطراف السياسية وقوى الأمن والجيش بضرورة الالتزام بضبط النفس والابتعاد عن مظاهر العنف.
وأفادت وسائل إعلام لبنانية الأحد أن الحريري لايزال متمسكا بموقفه بشأن تشكيل الحكومة الجديدة من الخبراء والاختصاصيين تتمكن من التصدي للتحديات الاقتصادية والمعيشية وتلبي طلبات المحتجين.
وتطالب الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي بدأت منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بإجراء انتخابات مبكرة وإلغاء نظام المحاصصة الطائفية في السياسة ومحاسبة المسؤولين الفاسدين، ما أدى إلى استقالة الحريري من الحكومة.
وأرجأ عون الاستشارات النيابية الملزمة التي كانت مقررة يوم الاثنين الماضي إلى الاثنين 16 ديسمبر الجاري، بعد إعلان المرشح لتولي رئاسة الحكومة المهندس سمير الخطيب اعتذاره عن الترشح لرئاسة الحكومة.

ورغم الاحتجاجات غير المسبوقة ونداءات دولية لتشكيل حكومة إنقاذ عاجلة، تبدو السلطة السياسية في غيبوبة، فيما تعاني البلاد من انهيار مالي واقتصادي يُهدد اللبنانيين في لقمة عيشهم.
وتحت ضغط الحراك الشعبي الذي بدا عابراً للطوائف والمناطق، قدّم الحريري استقالته في 29 تشرين الأول/أكتوبر. ويطالب المتظاهرون بتشكيل حكومة تضم مستقلين عن الأحزاب السياسية والسلطة الحالية، الأمر الذي يرفضه حزب الله وحلفائه منها حركة أمل والرئيس عون.
وأكّد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطاب عبر الشاشة الجمعة أنّه "حتى هذه اللحظة، لم تتوافق الكتل النيابية على اسم" محدد، مؤكداً أن حزبه يقبل بالحريري أو من يسميه رئيساً لحكومة لا تقصي أي مكون سياسي رئيسي.
لكنه نبّا في الوقت ذاته إلى أنّ "عملية التأليف لن تكون سهلة".
وحتى الحريري عبر المتظاهرون عن رفضهم لإعادة تكليفه برئاسة الحكومة، كونه شريكاً رئيسياً في السلطة التي يتهمونها بالفساد والفشل في إدارة الأزمات الاقتصادية والمالية.
وعاد اسم الحريري للتداول بقوة خاصة بعد أن جاءت نتائج الاجتماع الدولي لدعم لبنان الذي عقد الأربعاء الماضي في باريس الحليف التقليدي لبيروت، داعمة بشكل كبير لمطالبه وشروطه.
وذكرت مجموعة الدعم الدوليّة للبنان في بيان “أنه من الضروري تبنّي سلّة إصلاحات مستدامة وموثوق بها لمواجهة التحديات الطويلة الأمد في الاقتصاد اللبناني. هذه الإجراءات البالغة الأهميّة تعكس تطلعات الشعب اللبناني منذ 17 أكتوبر".