دعوا المحاصصة وتمسكوا بعروة التوافق

تركيز بعض الاحزاب الكردية على المحاصصة في المناصب كمنطلق للدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة القادمة مع بغداد هو امر عبثي لا يرتقي لمستوى الظروف التي تمر بها كردستان.

بعد سيطرتها على العملية السياسية بمفاصلها التنفيذية والتشريعية والعسكرية، حاولت احزاب الاغلبية الشيعية في العراق ترسيخ سيطرتها تلك من خلال تحييد بقية المكونات، بوضع مبدأين سياسيين بنيت عليهما العملية السياسية في سلة واحدة وتسويقهما للشارع العراقي في صورة مشوهة بغية حشد معارضة جماهيرية ضدهما تنتهي بالغائهما وهما مبدأي المحاصصة والتوافق.

حاولت هذه الاحزاب القاء جميع الفشل الذي اعترى العملية السياسية على شماعة التوافق والمحاصصة. وبالطبع فان المواطن العراقي تلقف هذه التوليفة بالكيفية التي ارادتها تلك الاحزاب واخذ ينظرللمبدئين باعتبارهما اس المشاكل التي يعاني منها. لم يقتصر الامر على المواطن العراقي بل حتى ان الاحزاب السنية والكردية وقعت في نفس الخطأ بشكل او باخر، فأخذت تدافع عن المحاصصة بنفس الحماس التي تدافع بها عن التوافق، مع ان هناك فرق شاسع بين التوافق والمحاصصة ولا علاقة بينهما على الاطلاق .

ان كانت المحاصصة تؤثر سلبا على اداء الحكومة في تعيين الاكفأ كما يقول المنتقدون، فلا علاقة للتوافق بموضوع تشكيل الحكومة وضعفها، بل باتخاذ تلك الحكومة القرارات المختلف عليها والتي من الممكن احيانا ان تضر بمكون من المكونات العراقية وتهدد خصوصيته سواء كانت خصوصية قومية او مذهبية او دينية. ولذلك فهو يهذب اداء الحكومة ويمنعها من التحول الى دكتاتوريات فردية او جمعية بعكس المحاصصة. وعليه فان اي محاولة لالغاء مبدأ التوافق السياسي هي تآمر من قبل الاغلبية السياسية (الشيعية حاليا) للسيطرة على القرار السياسي وفرض وصايتها على بقية المكونات، لحصر القرار السياسي رهن يدها تهبها لمن تشاء وتسلبها ممن تشاء، وهذه هي الدكتاتورية الجمعية التي تحاول هذه الاحزاب اعادة خلقها.

المضحك المبكي ان المطالبين بانهاء مبدأ التوافق يبررون مطالبتهم هذه بالمستوى العالي الذي وصلت اليه الديمقراطية في العراق، شانه في ذلك شان اعتى دول العالم ديمقراطية، مع ان ما موجود في العراق لا يمت بصلة الى الديمقراطية بل هي فوضى عارمة تاخذ من الديمقراطية غطاء لها.

ان الاصرار على الاستمرار بمبدأ التوافق ينطلق من منطلقين:

الاول... رغم مرور اكثر من خمسة عشر سنة على بدء العملية السياسية الا انها فشلت في ترسيخ اسس الديمقراطية ولا زالت مهددة بالتحول الى الحالة الديكتاتورية، مما يجعل المكونات الاخرى خارج مكون الاغلبية بحاجة الى اطر محددة تحمي وجودها وخصوصياتها من محاولات ارجاع الدكتاتورية بمختلف صورها.

الثاني... تركيبة الاحزاب التي تمثل مكون الاغلبية هي تركيبة مذهبية تتقوقع في داخلها المذهبي حينما يتعلق الامر بخصوصيتها المذهبية، بينما تنطلق الى فضاء القومية حينما يكون الامر متعلقا بالخصوصية القومية لبقية المكونات. لذلك فهناك تهديد حقيقي من قبل هذه الاحزاب على بقية المكونات سواء كانت قومية او مذهبية او دينية، يجعل من بقاء مبدا التوافق من ضرورات هذه المرحلة.

استنادا على ما سبق فان تركيز بعض الاحزاب الكردستانية على المحاصصة في المناصب كمنطلق للدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة القادمة مع بغداد هو امر عبثي لا يرتقي لمستوى الظروف التي تمر بها كردستان. ويجب على هذه الاحزاب ان تسال نفسها: ما هي المكتسبات السياسية التي حصلنا عليها ككردستانيين (شعبا واحزابا) من المناصب التي حصلنا عليها في بغداد منذ عام 2003، ابتداء من وزارة الخارجية او المالية وانتهاء برئاسة الجمهورية؟. المعطيات تؤكد بان الاثر السلبي لهذه المناصب كان اكثر من ايجابياته، فقد اصيب السياسي الكردي الموجود في بغداد بازدواجية في الطرح جعلته دون طعم ولون ورائحة ودون ملامح كردستانية، اثرت سلبا على الاهداف الكردستانية من العملية السياسية في العراق. وتسببت في نجاح بغداد في المماطلة في تطبيق البنود الدستورية التي تتعلق بالشأن الكردستاني.

لذلك فان المفاوض الكردستاني مطالب اليوم بالتركيز على ملف المشاكل العالقة بين كردستان والعراق في مفاوضات تشكيل الحكومة القادمة، وباكورة هذا الحل يكون بالتاكيد على مبدا التوافق في الحكومة والبرلمان القادمين، والمساومة عليها في اي تفاوض قادم. اما التركيز على المحاصصة الحزبية في توزيع المناصب فهو امر لا يهم الا من يتقلدها ولا تشكل اهمية عند الشارع الكردستاني.