دعوة التجديد الديني في مصر تتجاهل السؤال الجاد والجارح

طلعت رضوان يتساءل هل سوف تنجح دعوة التجديد ولو بعد مليون سنة، تحت مقصلة طغيان اللغة الدينية المدعومة بالعقلية الأحادية؟
هل يجدى تجديد الخطاب الدينى مع آفة الأحادية؟ 
كيف يكون التجديد مع دعوة أسلمة مصر؟ 
هل ينجح التجديد بدون علمنة مؤسسات الدولة؟ 

يتتبع الباحث طلعت رضوان في كتابه "تجديد الخطاب الدينى بين الوهم والواقع" دعوة التجديد الديني في مصر مؤكدا أن كتائب "تجديد الخطاب الدينى" سواء الرسمية أو من الفصائل المُتمحكة فى الرسمية، تتجاهل السؤال الجاد والجارح: هل سوف تنجح دعوة التجديد ولو بعد مليون سنة، تحت مقصلة طغيان اللغة الدينية المدعومة بالعقلية الأحادية؟ ويسعى إلى تفسير عدد من الظواهر الاجتماعية مثل جذور الاحتقان الاجتماعى بسبب العقيدة الدينية، والإجابة عن عدد من التساؤلات المهمة منها؛ هل يجدى تجديد الخطاب الدينى مع آفة الأحادية؟ وكيف يكون التجديد مع دعوة أسلمة مصر؟ وماذا عن الموقف من غير المسلمين؟ هل ينجح التجديد بدون علمنة مؤسسات الدولة؟ هل ينجح مع الاحتقان الاجتماعي؟ بل هل يجدى التجديد دون موضوعية تدريس التاريخ الإسلامى؟ وهل يتحقق التجديد دون الوعى باختلاف المصاحف؟ وهل ينجح مع العداء للتراث الشعبى؟
ويرى رضوان في كتابه الصادر عن مؤسسة أروقة للنشر أنّ الدولة ـ أية دولة ـ جادة في تبني "مشروع تجديد الخطاب الديني" لا مفر من الأخذ بمفاهيم العصر الحديث، الذى نبذ ما كانت عليه أنظمة الحكم في العصور القديمة والوسيطة، خاصة بعد أنْ تخلصتْ أوروبا "بفضل علمائها ومفكريها" من سيطرة أعضاء الكهنوت الدينى/ الكنسى على عقول الشعب، بل وعلى عقول الحكام في أحيان كثيرة، كما حدّثنا تاريخ تلك المرحلة التي كانت الكنيسة فيها "دولة داخل الدولة، ولكن بعد سيطرة العلم، وبعد نجاح الفكر الليبرالي وانتشاره بين معظم فئات الشعوب الأوروبية، كانت الثورة الحقيقية في منظومة "فكرة الدولة: هل هي دولة دينية أم مدنية"، ومن هنا وُلد الفكر العقلاني وساد وهو أنه لا يجوز أنْ يكون للدولة "دين" لأنّ الدولة – كما قال فقهاء القوانين والدساتير- شخصية اعتبارية، وليست شخصية طبيعية، الثانية لها دين خاص بها، أما الأولى فليس لها دين ولا تتعامل بالدين. 
وأكد أنّ طريق الحرية، وطريق التقدم والتنمية، وطريق تحقيق العدالة الاجتماعية، ومعاملة أبناء الشعب على أساس "عملهم وإخلاصهم لوطنهم" وليس على أساس معتقداتهم الدينية، وأنّ هذا "الأمل الإنسانى" يفرض ضرورة حتمية هي اختفاء النص في الدساتير بالإشارة إلى أنّ للدولة دينًا.
وأوضح رضوان أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى انطلقتْ فى أواخر عهد الرئيس السادات على استحياء، ثمّ نشطتْ وبشكل مُكثف فى عهد مبارك، واستمرّتْ بعد انتفاضة الشعب المصري في يناير2011، ولم تتوقف وأظن أنها لن تتوقف. وقال "لعلّ المُتابع لدعوة تجديد الخطاب الدينى قد لاحظ أنّ من أطلقها مؤسسات الدولة الرسمية، ثمّ تبنتها المؤسسات الدينية "الأزهر والهيئات التابعة له ووزراة الأوقاف" وكان من نتيجة ذلك أنّ عددًا كبيرًا من المثقفين "من ذوى الاتجاهات اليسارية أو الليبرالية" تبنوا نفس الدعوة وكتبوا عنها كثيرًا، فى مقالات صحفية أو دراسات فى بعض المجلات أو فى كتبهم. وقد تواكب مع هذه الدعوة ظهور تيار ثقافى أطلق على نفسه "يسار الإسلام" أو "الإسلام اليسارى".
وأضاف رضوان أنّ عددًا كبيرًا من أعضاء الإخوان المسلمين دخلوا سباق الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى خاصة فى الفترة التى شهدتْ انشقاق الكثيرين عن الجماعة وعن مكتب الإرشاد، وكان من بين المُنشقين بعض الأقطاب البارزين الذين أسّسوا حزب الوسط الذى ظلّ تحت التأسيس، إلى أنْ كانت الموافقة على اعتماده رسميًا بعد انتفاضة يناير2011، ضمن العدد الكبير من الأحزاب ذات الصبغة الدينية، بالرغم من أنّ المؤسسين أنكروا ذلك، وادّعوا أنهم مع الدولة المدنية وكان من أبرز الأحزاب حزب الوسط الذى أعلن مسئولوه أنهم يسعون إلى إقامة "دولة مدنية ذات مرجعية دينية" وهكذا أفصح المؤسسون عن نواياهم دون مواربة، فكانوا أكثر صراحة من غيرهم. 

المراجعة تحتم البدء فورًا بالنظر إلى جيل الأطفال بدءًا من الابتدائى، بحيث يجلس التلميذ القبطى المسلم بجوار التلميذ القبطى المسيحى فى حصة "الأخلاق" كبديل لحصة الدين

وتساءل رضوان: ما هى جذور الاحتقان الاجتماعى بسبب اختلاف الديانة فى مصر؟ وقال "إطلالة سريعة على مناهج التعليم وبرامج الإعلام تقدّم الإجابة. فى التعليم العام (مادة القراءة) فرض العديد من الآيات القرآنية وعلى الطلبة المسيحيين حفظها لأداء الامتحان فيها فى نهاية العام. وفى مادة (النصوص) فرض العديد من القصائد (حفظ) التى تمجّد فى الحجاب وفى الأزهر، ومقرّرة على التلاميذ مسلمين ومسيحيين. وفى (مادة الرسم) يُطلب من التلاميذ (مسلمين ومسيحيين) رسم مكة والمدينة والأزهر، وتأتى الأسئلة فى نهاية العام لتتطابق مع المقرر الرسمى. فما ذنب الطلبة المسيحيين فى أنْ يُفرض عليهم هذا المنهج البعيد تمامًا عن الحيادية ومراعاة معتقدات غير المسلمين؟
وأشار إلى أن الإعلام وخصوصًا بعد انتشار الفضائيات، يستضيف الشيوخ الذين يُكفرون المجتمع العصرى ويُروّجون مقولة الأصوليين عن المجتمع الجاهلى، لأننا نتشبّه بالأوروبيين المسيحيين الكفرة. ويُحرّضون المشاهدين على عدم تحية المسيحيين وعدم تهنئتهم بأعيادهم، وأنّ من يفعل ذلك فهو آثم مصيره نار جهنم. وكانت الكارثة عندما دخل الإعلام الحكومى فى منافسة الإعلام الخاص، فاستعان بهولاء الشيوخ أنفسهم، بل إنه استضاف من خرجوا من السجون بعد يناير2011 رغم اشتراك بعضهم فى جرائم قتل المُختلفين مع أفكارهم سواء بالفعل أو بالفتوى وحوّلهم الإعلام إلى أبطال رغم موقفهم المعادى لأبسط حقوق الإنسان. 
وهكذا يرتكب التوأم "التعليم والإعلام" جريمة الاحتقان الاجتماعى بسبب اختلاف الديانة، لأنه ظلّ لعدة سنوات يُراكم لظاهرة طغيان اللغة الدينية التى تسارعتْ معدلاتها بعد يوليو 52 خاصة بعد تحويل الأزهر من جامع إلى جامعة وإنشاء محطة إذاعة للقرآن مُمولة من جميع المصريين. بل إنّ عبدالناصر عندما أراد إعداد دراسة عن إصلاح الجهاز الإدارى استدعى خبيريْن أمريكييْن فأعدا تقريرًا بعنوان "الإسلام والحكم" كتبا فيه "إنّ الثقافة الإسلامية من أصلح الأسس للحكم الناجح فى العصر الحديث".  
ويتابع رضوان "ليس ذلك فقط وإنما كأننا إزاء تشييد دولة دينية، تمّ فى نفس الوقت ترسيخ العداء للعلوم الإنسانية وعلى رأسها الفلسفة إذْ يتعلم التلميذ أنه (لا يصح بيع كتب الكفر والتنجيم والشعوذة والفلسفة)  ـ الصف الثانى الثانوى ص 108 ـ وهكذا يترسخ فى ذهن التلميذ المساواة بين الشعوذة والكفر والفلسفة. فكان من الطبيعى أنْ تؤدى ظاهرة طغيان اللغة الدينية دورها فينفعل الشباب الذى تربى فى هذا المناخ المُعادى لأبسط أشكال إعمال العقل، مُندفعًا بتصور فى ذهنه أنه يُدافع عن دينه". 
وقال إن الحل لن يكون إلاّ إذا امتلك المسئولون شجاعة مراجعة الذات، هذه المراجعة تحتم عليهم البدء فورًا بالنظر إلى جيل الأطفال بدءًا من الابتدائى، بحيث يجلس التلميذ القبطى المسلم بجوار التلميذ القبطى المسيحى فى حصة "الأخلاق" كبديل لحصة الدين. يتعلم التلاميذ فيها آيات من القرآن ومن الأناجيل التى تحض على حب الأسرة وقيم العطف والاحترام "عطف الكبير على الصغير.. واحترام الصغير للكبير" كما كان التعليم فى مصر القديمة. وكما تأسستْ عليه الحضارة المصرية.