دعوة طهران لبوتين: رد على تحركات ترامب في الخليج

الدعوة الإيرانية تحمل رسالة سياسية واضحة مفادها أن لطهران حلفاء دوليين وازنين في مقابل التحالفات الخليجية مع القوى الغربية خاصة واشنطن.
العلاقة بين موسكو وطهران تتجاوز البعد الدبلوماسي لتشمل تعاونًا عسكريًا واقتصاديًا متقدمًا
ايران تبدي رغبتها في تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي مع روسيا

طهران - أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الأربعاء، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تلقى دعوة رسمية من إيران للقيام بزيارة، في وقت لم يُحدد فيه بعد موعد هذه الزيارة التي يُتوقع أن تكون ذات أبعاد استراتيجية عميقة خاصة وانها تتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمنطقة الخليج لدعمها في مواجهة تهديدات طهران ووكلائها.
وأكد بيسكوف أن "الرئيس بوتين تلقى بالفعل دعوة للقيام بزيارة رسمية أو زيارة عمل إلى إيران"، مضيفًا أن "التنسيق جارٍ بشأن الموعد المناسب وسنعلن عنه في الوقت المناسب"، مشددًا على أن موسكو "تثمن شراكتها الوثيقة مع طهران في مختلف المجالات".

"التنسيق جارٍ بشأن الموعد المناسب

وتأتي الدعوة الإيرانية في توقيت بالغ الحساسية إقليميًا ودوليًا، في ظل توترات حادة مع واشنطن، وسعي ترامب إلى فرض المزيد من العقوبات على طهران بسبب برنامجها النووي ودعمها العسكري لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. وتُعد هذه الزيارة المرتقبة ـ في حال تحققت ـ تأكيدًا جديدًا على متانة الشراكة بين البلدين في مواجهة الضغوط الغربية.
كما تأتي الدعوة في توقيت لافت، يتزامن مع جولة الرئيس الأميركي في منطقة الخليج، والتي تهدف إلى مناقشة جملة من القضايا، وعلى رأسها التهديدات الإيرانية المتزايدة. ويُفهم من هذه الدعوة الإيرانية أنها تحمل رسالة سياسية واضحة، مفادها أن لطهران حلفاء دوليين وازنين في مقابل التحالفات الخليجية مع القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. وتُعد هذه الخطوة بمثابة رد دبلوماسي على التحركات الأميركية في المنطقة، وتأكيداً من طهران على قدرتها على بناء علاقات استراتيجية مع قوى عالمية، توازن بها الضغوط الغربية.
ويُنظر إليها على أنها محاولة واضحة لمواجهة سياسة "الضغوط القصوى" التي تنتهجها واشنطن ضد إيران منذ انسحابها من الاتفاق النووي في 2018، وهي سياسة تصفها طهران بالعدوانية، وتسعى لمواجهتها عبر تحالفات إقليمية ودولية بديلة.
وفي هذا السياق، ترى إيران في روسيا شريكًا استراتيجيًا قادرًا على الموازنة في علاقات القوة العالمية، خصوصًا أن البلدين يتشاركان مواقف متقاربة في عدد من الملفات الإقليمية والدولية.
غير أن مصادر دبلوماسية في طهران لم تُخفِ خلال الأشهر الماضية قلقًا متزايدًا من تقارب محتمل بين موسكو وواشنطن، خاصة بعد إشارات متكررة من مسؤولين روس ـ بمن فيهم وزير الخارجية سيرغي لافروف ـ عن انفتاح على الحوار مع واشنطن، وهو ما تخشى طهران أن يكون على حساب تعاونها العميق مع روسيا.
رغم ذلك، سبق أن أكدت موسكو لطهران، سواء في محادثات ثنائية أو عبر تصريحات علنية، أن أي انفتاح على الغرب لن يكون على حساب التحالف الروسي-الإيراني. وقد جدّد لافروف هذا الموقف في تصريحات سابقة، مؤكدًا أن "العلاقة مع إيران تقوم على أسس متينة لا تتأثر بتغير الظروف الخارجية".
وتتجاوز العلاقة بين موسكو وطهران البعد الدبلوماسي لتشمل تعاونًا عسكريًا واقتصاديًا متقدمًا. فقد زوّدت إيران روسيا بصواريخ "فتح" الباليستية القصيرة المدى، إضافة إلى طائرات مسيّرة استُخدمت بكثافة في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، خاصة في استهداف البنية التحتية الأوكرانية.
وتقول تقارير غربية إن إيران أصبحت أحد أبرز مزوّدي روسيا بالتكنولوجيا العسكرية منخفضة التكلفة وفعّالة التأثير، مما زاد من قلق واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ودفعهم إلى فرض عقوبات إضافية على شركات إيرانية ضالعة في إنتاج المسيرات والأسلحة الموجهة.
في المقابل، لم تُخفِ روسيا دعمها لطهران في مواجهة العقوبات الأميركية، وعبّرت مرارًا عن تأييدها لـ"حق إيران المشروع" في امتلاك برنامج نووي سلمي، وهو الموقف الذي كرره الكرملين في أكثر من محفل دولي، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي.
وتُعزز الزيارة المرتقبة لبوتين إلى طهران من ثقل الاتفاقية الإستراتيجية الموقعة بين البلدين في يناير/كانون الثاني الماضي، والتي تمتد على مدى 20 عامًا، وتشمل جوانب متعددة من التعاون الدفاعي، والاقتصادي، ومشاريع البنية التحتية والطاقة.
وترى إيران أن هذا الاتفاق يمثل مظلة سياسية واقتصادية وأمنية قادرة على تقوية موقفها في مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة، خصوصًا أن موسكو تمتلك أدوات تأثير قوية في ملفات إقليمية حيوية، وتبدي استعدادًا لمواجهة محاولات عزل طهران على الساحة الدولية.
وتأتي هذه التحركات الثنائية في وقت يشهد فيه النظام الدولي تحولات كبيرة، مع تصاعد التوتر بين الغرب وروسيا، والحرب المستمرة في أوكرانيا، وتراجع الثقة في المؤسسات الدولية كأطر جامعة. وفي هذا السياق، تسعى كل من موسكو وطهران إلى نسج تحالفات أوسع، لا تقوم فقط على الضرورة السياسية، بل تمتد إلى ما يشبه إعادة تشكيل لمحور مضاد للنفوذ الغربي.